اخبار سوريا
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٨ أيار ٢٠٢٥
تشهد سوريا جدلا واسعا حول خطط الحكومة الانتقالية لتحرير سعر رغيف الخبز، وهو القرار الذي يمس المادة الغذائية الأكثر استهلاكا بين السوريين.
ولا يكاد الخبراء الاقتصاديون السوريون يتفقون على رأي حول خطة الحكومة السورية الداعية إلى تحرير سعر رغيف الخبز وإن كانت آراؤهم متفقة على إبقاء الدولة مرجعية نهائية في هذا الشأن من خلال إحدى خيارين يتمثل الأول في التأني بتطبيق هذا القرار حتى تنفذ الحكومة وعودها بزيادة وازنة للرواتب أو من خلال دفع بدل نقدي للشرائح الإجتماعية التي سيصيبها الضرر الأكبر جراء قرار تحرير سعر الخبز.
وبالعودة إلى التجارب القريبة التي تريد الحكومة الحالية البناء عليها في اتخاذ القرار الذي يبدو أنه صار محسوما فإن حكومة الإنقاذ السابقة قامت بتحرير سعر الخبز في محافظة إدلب في تجربة لم يجف مداد الجدل بشأنها حتى الآن.
فيما تقول الحكومة الحالية بأنها تدعم نصف كلفة إنتاج الرغيف على امتداد الجغرافيا السورية الباقية حيث تباع الربطة بـ 4 آلاف ليرة سورية ويبلغ وزنها 1200 غرام في الوقت الذي لا تزال ربطة الخبز في إدلب تباع بـ 10 ليرات تركية أي ما يعادل 3300 ليرة سورية بوزن 550 غراما.
وكان الإعلام السوري قد نقل عن مدير عام المؤسسة السورية للمخابز محمد الصيادي تأكيده على وجود دراسة تبحث في تعديل سعر ربطة الخبز أو إنقاص وزنها بغية تحرير سعرها بالتوازي مع زيادة رواتب الموظفين وتحسين واقعهم المعيشي.
وأشار إلى أن الدعم الحكومي لربطة الخبز لا يزال قائما بنسبة تتجاوز الـ 50% من تكلفتها الحقيقية مع وجود متغيرات قد تؤدي إلى العمل على زيادة أو تخفيض المخصصات حسب الحاجة من خلال مراقبة الإنتاج اليومي للمخابز.
الملف الأكثر حساسية. وحول الأثر الذي يمكن أن يتركه قرار تحرير مادة الخبز على واقع السوريين المعيشي: يؤكد الخبير الاقتصادي السوري علي غانم أنه: 'خطير للغاية'.
وفي حديثه لموقع 'RT' شدد غانم على وجوب أن يشكل التأني المشفوع بالدراسات المعمقة لشرائح المجتمع السوري المعيار الأساسي لاتخاذ قرار كهذا يمس الأغلبية الساحقة من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
وأشار إلى أن الخبز هو المادة الرئيسية على طبق السوريين في وجباتهم الثلاث وأن قرار تحرير سعره في ظل وجود رواتب حكومية منخفضة للغاية هو قرار متسرع سيصيب شريحة الموظفين بمقتل ولن تسلم من تداعياته بقية الشرائح الآخرى.
ولفت الخبير الإقتصادي السوري إلى أن الحكمة تقتضي بأن تبقي الحكومة على حالة دعم رغيف الخبز إلى حين رفع الرواتب الحكومية إلى حدود تلبي القدرة الشرائية اليومية للمواطن السوري.
وشدد على أن فكرة رفع الدعم الكامل عن الخبز من دون دراسة جدوى حقيقية سيؤدي إلى نتائج أخطر مما يعتقده واضعوا سيناريو تحرير سعر الخبز على صدق ما تنطوي عليه مقاصدهم بحيث يجب أن يكون هناك ربط عضوي بين تحرير سعر الخبز وزيادة وازنة في رواتب الموظفين الحكوميين وغير الحكوميين كما يقول.
وأضاف بأن الحكومة السورية تأخذ بعين الاعتبار ضرورة الحفاظ على المخزون الإستراتيجي للقمح بعد موسم زراعي شحت فيه الأمطار وقلت فيه الموارد وكان كارثي على المستوى الزراعي بكل ما للكلمة من معنى، بيد أن هذا الأمر وفق غانم يجب ألا يكون عامل فصل بين تحرير سعر الخبز وزيادة دخل الفرد في المجتمع السوري.
الخبير الإقتصادي السوري حسن ديب:
يرى ديب أن سياسة الدعم كانت وبالا على الإقتصاد السوري لأنها عززت حالة من التراخي والركون إلى ما هو متوفر على مستوى القاعدة الشعبية والنخب الإقتصادية.
وفي حديثه لموقع 'RT' شدد ديب على ضرورة أن يكون شعار المرحلة المقبلة في سوريا هو رفع الدعم المباشر عن كافة السلع السورية وترك السوق يوازن نفسه كما يحدث في كل البلدان التي تعتمد سياسة اقتصاد السوق الحر، فيما تسببت سياسات الدعم كما يقول في خلق البيئة الخصبة لانتشار الفساد والروتين والركون إلى الحلول المعلبة التي تعدم الأفكار الخلاقة.
واقترح الخبير الإقتصادي على الحكومة السورية سياسة اللجوء إلى الدعم النقدي للمواطن كبديل عن سياسة دعم السلع معتبرا بأن تحرير السلع من دون وجود بدل نقدي يتصرف به المواطن وفق حاجته وترتيب أولوياته يبقى خطوة قاصرة لا تحقق النتائج المرجوة من وراء السياسة الحكومية التي تطرح العناوين الجذابة فيما ينتظر الجميع حسن التطبيق لهذه العناوين وفق سيناريوهات مدروسة بعناية.
مرامي الحكومة:
ولفت ديب إلى أن قرار تحرير سعر الخبز يندرج في إطار مساعي الحكومة السورية لوقف نزيف الخزانة العامة للدولة وضبط النفقات وترشيدها في ظل واقع اقتصادي صعب للغاية توجت مفاعيله السلبية بحالة الجفاف التي تضرب البلاد والموسم الزراعي الذي شهد أقل نسبة هطول للأمطار وتوزعها على مستوى البلاد منذ سنين طويلة فضلا عن قصور برامج الدعم الدولية والمحلية نتيجة تغير برامج المانحين المتصلة بسلم اولوياتهم السياسية.
ولفت الخبير الإقتصادي إلى أن الحكومة الحالية حسمت ومنذ اللحظة الأولى سياستها الاقتصادية الخاصة باقتصاد السوق الحر الذي تريد من ورائه وضع الدولة في خانة المراقب الحكيم والمستشار غير الملزم إلا في الحدود الدنيا.
وفي المقابل يرى ديب أن قرار تحرير الخبز سيتولد عنه الكثير من النتائج السلبية باعتباره المادة الغذائية الأولى في سوريا ما لم يصار إلى استبدال دعم السلع بما سماه سياسات الدعم الإجتماعية المنوطة بالمنظمات المعنية مع التشديد على رفع الأجور وفق النسب التي تحدثت عنها الحكومة كمرحلة أولية يمكن البناء عليها في زيادات لاحقة على المدى المتوسط والبعيد.
وشدد على أن سياسة التدرج في اتخاذ القرارات بعد دراستها بتعمق ستفسح في المجال أمام العودة عن أي قرار خاطئ من دون حصول ردات اهتزازية كارثية على المجتمع بالتوازي مع إحداث ثورة حقيقية في البنية التشريعية واتخاذ القوانين التي تلحظ التطور في بنية الإقتصاد الزراعي الذي يشكل حجر الزاوية في إعادة بناء الإقتصاد السوري.
المصدر: 'RT'