اخبار سوريا
موقع كل يوم -اقتصاد و اعمال السوريين
نشر بتاريخ: ٢ أب ٢٠٢٥
بدأت الجهات الحكومية مع مطلع شهر آب الجاري، بصرف الزيادة على الرواتب للموظفين والمتقاعدين والبالغة 200 بالمئة، وسط اتفاق آراء المحللين والخبراء بأن الزيادة سوف تنعش الأسواق، لكنهم حذروا من التضخم، وهو ما يتطلب من الحكومة إجراءات إضافية لكي لا تتحول الزيادة إلى كارثة اقتصادية واجتماعية.
ورأت الدكتورة منال الشياح، نائبة عميد كلية الاقتصاد الثانية، أن زيادة الرواتب 200٪ تعد خطوة إيجابية تنعكس على تحسين الواقع المعيشي للموظفين وزيادة القدرة الشرائية، حيث أصبح بإمكان الموظف الحصول على احتياجاته الأساسية، خاصة وأن هذه الزيادة تعد كبيرة نسبياً بالقياس للزيادات سابقاً، مشيرة إلى أن هناك وعود بأن تزيد مرة أخرى خلال الأشهر المتبقية من هذه السنة ما يشكل حسب قولها، حافزاً حقيقياً لسوق العمل من خلال ضخ السيولة بالسوق، وينعكس على قطاعات متعددة دون أن يتسبب ذلك بالضرورة في حدوث ضغوط تضخمية، خاصة وأن أسعار الطاقة أصبحت ثابتة نسبياً.
وأشارت الشياح في حديث مع صحيفة 'الحرية' إلى أن هذه الزيادة تسهم أيضاً في جذب الكفاءات، ورفع الإنتاجية، وتحسين الأداء الوظيفي، فضلاً عن تشجيع الادخار والاستثمار، ولكن ذلك مرهون بتخلي الدولة عن سياسة حبس السيولة، فما فائدة الزيادة إن لم يتمكن الموظف من سحب راتبه كاملاً وشراء ما يلزمه ما ينعكس على الواقع الاقتصادي ككل، إذ إن سحب الراتب من المصارف بشكل ضعيف يبقي الموظف حبيس قرارات البنك المركزي في كيفية سحب السيولة، وبالتالي ستكون القوة الشرائية ضعيفة، لذلك لن يكون هناك ارتفاع أسعار طالما هذا هو الإجراء المتبع.
ولفتت إلى أن ارتفاع رواتب القطاع العام سيدفع بموظفي القطاع الخاص لطلب زيادة رواتبهم، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهذا الارتفاع يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، لكن بالمقابل فإن ارتفاع أسعار السلع المحلية لا يمكنها من منافسة أسعار السلع الأجنبية التي تدخل البلد برسوم مخفضة أو شبه معدومة، ما يتسبب باحتمال خروج هذه المنشآت المحلية من السوق، لذلك لا بد من قرارات تحمي المنتجات المحلية وبقاؤها في السوق، من خلال ضبط الرسوم الجمركية للسلع المستوردة.
أما الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي المهندس باسل كويفي، فقد أكد في حديث لـ 'الحرية' أن زيادة الرواتب خاصة في سياق الدول التي تعاني من تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، لها تأثيرات متعددة الأبعاد على الصعد السياسية، الاقتصادية، الإجتماعية والثقافية، وبالتالي من المهم الإضاءة على تأثير زيادة الرواتب على هذه الجوانب لنتمكن من تحديد الإيجابيات والسلبيات في هذا الإطار.
فعلى الصعيد السياسي، أوضح كويفي أن الإيجابيات تتجلى في تعزيز الاستقرار السياسي، لأن زيادة الرواتب قد تُخفف الضغوط الشعبية على الحكومات بسبب تدهور الأوضاع المعيشية، إضافة إلى تعزيز الثقة بالحكومة إذا رافقت الزيادة تحسينات ملموسة في مستوى المعيشة، قد يُنظر إليها كإنجاز سياسي يعزز شرعية الحكومة.
في المقابل هناك سلبيات من عدم كفاية الإجراءات إذا أدت الزيادة إلى تضخم سريع دون رقابة على الأسعار ما يُضعف الثقة بالحكومة، مع الحذر من أن تمويل زيادة الرواتب قد يتطلب تخفيضات في ميزانيات أخرى ما يُثير انتقادات مشروعة، كما يُخشى أن تستخدم كأداة دعائية دون معالجة جذور المشكلات الاقتصادية، ما يؤدي إلى فقدان الثقة على المدى الطويل في ظل أزمة اقتصادية وإنسانية.
أما التأثير على الصعيد الاقتصادي، فقد وجد كويفي أنه يشمل تحفيز الطلب الاستهلاكي نظراً لأن زيادة الرواتب تزيد الدخل المتاح، ما يعزز الإنفاق على السلع والخدمات، وبالتالي يحفز النشاط الاقتصادي، والعمل على استقرار سعر الصرف، مع ما يرافق ذلك من دعم القطاعات المحلية والمنتجات المحلية، وتقديم حوافز للمنتجين المحليين لخفض التكاليف وزيادة العرض، وتساهم في تقليل الفجوة الاجتماعية والتفاوت في الدخل، ما يحقق استقراراً اقتصادياً نسبياً، ويكمن الحذر هنا في التضخم المحتمل من زيادة السيولة النقدية دون زيادة في العرض تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، والضغط على الموازنة العامة.
من جانب آخر أضاف كويفي أن الإيجابيات تتجلى في الأثر على الصعيد الإجتماعي، وأهمها تحسين مستوى المعيشة خاصة للفئات منخفضة الدخل، ما يُخفف من الفقر، ويقلل التوترات الاجتماعية والإحباط الاجتماعي الناتج عن ارتفاع تكاليف المعيشة، إضافة إلى تعزيز التضامن الاجتماعي والشعور بالعدالة الاجتماعية، وتشجيع المواطنين على الإنفاق المدروس، وتجنب الإستهلاك الزائد الذي قد يُغذي التضخم.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور شفيق عربش، أن المرسوم الرئاسي والقاضي بزيادة الرواتب والأجور للعاملين بالدولة، والذي صدر خلال شهر حزيران الماضي، يعد أكبر زيادة في تاريخ الزيادات على الرواتب والأجور في سوريا، منذ أكثر من خمسين عاماً.
وبالتالي هذه الزيادة ستؤدي إلى طرح كتلة نقدية، في الأسواق تفوق قيمتها سقف 5 تريليونات ليرة، الأمر الذي سيؤدي إلى تحريك كبير في الأسواق، وتحسن مقبول في مستوى معيشة العاملين في القطاعات الحكومية.
وأضاف عربش أنه حتى تؤتي هذه الزيادة أكلها نحن بحاجة إلى مجموعة من الإجراءات العاجلة والضرورية، في مقدمتها: ضبط الأسعار وبشكل كبير، لأن معظم الزيادات السابقة قد تآكل مفعولها بسبب ترافقها مع ارتفاع الأسعار، بنسب تتجاوز قيمة الزيادة، وبالتالي ضبط هذه الظاهرة تحتاج أمرين اثنين، الأول: زيادة تدفق السلع والخدمات الضرورية، والأمر الثاني يتعلق بتشديد الرقابة على الأسواق بصورة تختلف كلياً عما كانت عليه خلال الفترات السابقة، والتي كانت معدومة تبطل فاعليتها أمام تجار وحيتان السوق ومن يساعدهم في ذلك.