اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الثاني ٢٠٢٥
انتقلت حالة اللون الواحد مع الزمن إلى صفوف المعارضة أو إلى 'شارع الثورة'، فكان الضغط المباشر أو غير المباشر، الرمزي في كثير من الأحيان، للمعارضين من الأقليات أو المجموعات البشرية التي لا تنتمي الى الغالبية العربية السنية للتبرؤ من انتماءاتهم (الأخرى)، طريقاً إجبارياً للحصول على صكوك براءة 'ثورية'.
في يوم ما من حكم الأسد الأب تحوّل احتفال الكرد في سوريا بعيد نوروزهم إلى إمكانية صراع واستباحة، كما حُرموا من لغتهم في الفضاء العام، وفي بعض الأزمان من تسمية أبنائهم بأسماء كردية. قلّة يعرفون أن العلويين مُنعوا كذلك من الاحتفال العام بنوروزهم، وكذلك بما يسمى عيد الرابع أو الزهورية. طمس الخصوصيات الثقافية للمجموعات السورية المختلفة قلب الظاهر باطناً، بمعنى أن ما كان يعتمل تحت السطح 'الوحدوي' هو تشظٍّ 'لانتماء وطني'، تحويل الديناميكية الثقافية التطوّرية إلى ستاتيكية متحجّرة، بما أن حماية الخصوصية الثقافية تحمل في طياتها حماية للذات الجمعية.
ربما هو واحد من الأسباب الكثيرة التي أدّت إلى تشظٍّ عام بما يخصّ فكرة الوطنية السورية. الذاكرة الجمعية، واحدة من أهم مؤسسات الخصوصية الثقافية، تنبني وتتطوّر عبر الحكايات والرموز والطقوس وفي إطار مرجعي داخل الجماعات يتعلّق بالشعور والانتماء والهويّة، وبالاستعارة من موريس هالبڤاكس، فإن الذاكرة لا تتعلّق بتراكمات فردية مستقلة بل هي جمعية بطبيعتها، تتبادلان التأثير والتأثّر. في سوريا الأسد مُسخت الخصوصيات الثقافية المختلفة، من عادات وتقاليد واحتفالات وأعياد وموسيقى ورقص ولباس وطعام ولغة ولهجة وحكايات شعبية وفنون، وتحوّلت إلى يونيفورم بعثي وحدويّ، وفي بعض حالاتها إلى صورة عن القبح الأمني. بعد سقوط نظام الأسد استمرت الممارسات الإقصائية ذاتها وبأشكال أخرى، ليتحوّل اليونيفورم القومي البعثي إلى ديني عصبوي وأمني.
في مفارقة تاريخية عاشها الكثيرون في المشهد السوري، شارك نظام البعث مع معارضته السياسية في محاولات طمس الاختلافات الثقافية وتحييدها وخنقها، على عكس ما قد يبدو الأمر عليه. في يوم ما كان إجهار الانتماء إلى طائفة أو مجموعة بشرية في سوريا أشبه بإشهار العار، لأن مجرد التأكيد على انتماء آخر رديف للانتماء إلى بلد عروبي قومياً يحكمه حزب البعث سياسياً بالحديد والنار، كان إشهاراً بتعدّدية أشبه بالكفر في زمن الطغيان، كما كان التأكيد على انتماء طائفي مغاير أو أيديولوجي سياسي مختلف أشبه بوصمة عار لدى قطاع من المعارضة.




 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 































































