اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٢٧ حزيران ٢٠٢٥
يبدو أن عقدا أمنية وادارية تسببت في تعثر تنفيذ الاتفاق بين 'قسد' والحكومة الانتقالية في دمشق. فماهي أبرز هذه العقد؟
مضى نحو ثلاثة أشهر على توقيع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي اتفاقاً وُصف بـ'التاريخي' بين السلطة المركزية والفصيل الكردي.
الاتفاق نصّ في أحد بنوده على 'دمج كل المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية، المطار، وحقول النفط والغاز'. كما جاء في الاتفاق: 'تعمل وتسعى اللجان التنفيذية إلى تطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي'.
قراءة لبنود الاتفاق تكشف أن مخيمي الهول وروج، المخصصين لمقاتلي داعش وعائلاتهم، إلى جانب الترتيبات الأمنية والإدارية والاقتصادية الضرورية لعملية الدمج، تمثّل أبرز المهام الملقاة على عاتق اللجان المُشكّلة… لكن، هل بدأت فعلياً عمليات الدمج؟ وهل تم الشروع في تنفيذ الاتفاق؟
لا تزال معظم مؤسسات الدولة في المنطقة شبه معطّلة: الخدمات غائبة، الشكاوى والطلبات الاجتماعية لا تُستقبل، صرف الرواتب يتأخر، ويتم إلزام المعتمدين لدى مديرية التربية في الحسكة باستلام الرواتب من المصرف التجاري السوري في دير الزور، ليُعاد توزيعها في المنازل أو الأماكن العامة على المدرّسين، مع اقتطاع نحو 10-12 دولاراً من كل مدرّس كبدل أتعاب إيصال الكتلة المالية من دير الزور إلى الحسكة، قبل أن تُصرف لاحقاً في المجمع التربوي بالقامشلي.
ونظراً الى اقتراب موعد امتحانات شهادتي البكالوريا والكفاءة، اتفق الجانبان على تأجيل الخلافات المتعلقة بالمناهج، والاعتراف بشهادات الإدارة الذاتية، ومصير خريجي مدارسها وجامعاتها إلى مراحل لاحقة، مع الاتفاق على إشراف إداري مشترك على سير الامتحانات. في الوقت نفسه، تحتفظ وزارة التربية السورية بحق كتابة الأسئلة وتصحيح الأوراق الامتحانية، بينما ترفض الاعتراف بشهادات الثانوية العامة الصادرة عن الإدارة الذاتية.
زار معدّ التقرير مديرية التربية في الحسكة، وتبيّن حجم التسيب والترهل الإداري: غياب موظفي الحكومة السورية، وعدم الالتزام بساعات الدوام الرسمي، حيث لا يتجاوز الحضور غالباً الثلاث إلى أربع ساعات يومياً.
في حديثه لـ'درج'، قال مصدر من داخل المديرية، فضل عدم الكشف عن اسمه: 'فرضت الإدارة الذاتية علينا مشرفاً على المديرية، ومنعت المديرة السابقة إلهام صاروخان من الاستمرار في منصبها. علمنا أن لدى الإدارة الذاتية قائمة بأسماء بعض مسؤولي التربية الذين كانوا أدوات للنظام السابق في الفساد والمحسوبيات وتأجيج الخلافات، وسيتم إبعادهم عن المناصب الحساسة'.
أضاف المصدر: 'الرواتب لا تزال تصدر من دمشق، ولا توجد رقابة حقيقية علينا من أي جهة، لا من دمشق ولا من الإدارة الذاتية. لذا فإن الالتزام بالدوام بات كيفياً، حسب طبيعة العمل والمنصب'. واختتم بالقول: 'المسؤولون غير الملتزمين بالدوام يعلمون أن مصيرهم سيكون الإبعاد، ولهذا يسعون إلى إفشال مشروع الإدارة الذاتية للسيطرة على التربية'.
في المقابل، أكدت مصادر أخرى لـ'درج' أن 'الإدارة الذاتية تتجه لدمج مديرية التربية السورية بهيئة التعليم التابعة لها، ومن لا يلتزم سيُستبعد من العمل والوظيفة'.
ماجد مجدي، اسم مستعار لموظف في إحدى دوائر التخطيط والإدارة، قال لـ'درج': 'هذا المسار سينعكس سلباً على الإدارة نفسها، فبدون اتفاق مع دمشق لن تتمكن من تنفيذ أي دمج فعلي. كل طرف يسعى إلى الدمج من منطلق مصالحه، لكن من دون توافق حقيقي ستكون الكلفة باهظة'، مبرّراً موقفه بالقول: 'لا يوجد انسجام شعبي كافٍ. من كان مصطفّاً مع النظام لن ‘يُكوع’ باتجاه الإدارة الذاتية بل نحو دمشق. وبدون توافق، يمكن لدمشق إلغاء السجل المدني والجوازات والتعليم في المنطقة، وهو مطب ضخم لن تقدر الإدارة الذاتية على تجاوزه'.
يبقى 'مخيم الهول'، الواقع على بعد 45 كلم شرق الحسكة، إحدى أكثر النقاط حساسية في التفاهمات الجارية. هذا المخيم، الذي كان يضم نحو 50 ألف شخص من عائلات داعش، يمثّل صداعاً دولياً وإنسانياً وأمنياً في آنٍ واحد.
حتى ما قبل سقوط النظام، كان الهول يشكّل ملفاً شائكاً بين 'قسد' والنظام السوري، الذي سعى – بحسب مصادر مطلعة – إلى موطئ قدم أمني داخله بحجة 'إعادة من تبقى من السوريين إلى مناطقهم الأصلية'، وهو ما كانت الإدارة الذاتية تعتبره محاولة لاختراق أمني.
في نهاية الشهر الماضي، زار وفد من الحكومة السورية، برفقة وفد من الإدارة الذاتية، المخيم، وشملت الزيارة مراكز الاحتجاز والسجون التي تؤوي عناصر من داعش، تطبيقاً للاتفاق السابق بين الطرفين. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حثّ نظيره السوري أحمد الشرع، خلال لقائهما في الرياض الشهر الماضي، على تولي مسؤولية مراكز الاحتجاز التابعة لـ'قسد'.
شيخ موس أحمد، الرئيس المشترك لمكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، صرّح لوكالة 'فرانس برس' أن اجتماعاً ثلاثياً عُقد في مخيم الهول، شارك فيه وفد من الحكومة السورية وآخر من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، إلى جانب ممثلين عن الإدارة الذاتية. وناقش الاجتماع سبل إنهاء معاناة العائلات السورية في المخيم والعمل على إخراجهم منه.
كما أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، خلال مؤتمر صحافي، أن 'المخيم جزء من الاتفاق الموقع مع قوات سوريا الديمقراطية'، مشيراً إلى أن معالجة ملف العائلات تتطلب 'مقاربة مجتمعية شاملة'، كونها ضحية ارتباط عائلي أو قسري بمقاتلي التنظيم.
من جهة أخرى، أشارت مصادر سياسية في الإدارة الذاتية إلى أن 'مصير عائلات المقاتلين الأجانب مرتبط بموقف الدول المعنية وتحركات التحالف الدولي، الذي قدم دعماً عسكرياً لـ'قسد' في احتجاز هؤلاء وعائلاتهم'.
التقى 'درج' الأكاديمي الكردي فريد سعدون، الذي اعتبر أن 'مخيم الهول عبء أمني ومادي كبير على الإدارة الذاتية، في ظل الحراسات والمشاكل الأمنية المتكررة، ووجود عناصر خطيرة داخله'. لكنه أضاف أن 'قسد' تُحسن استخدامه كورقة ضغط دولية، خصوصاً في ظل اعتماد التحالف الدولي عليها في إدارة المخيمات والسجون. وأشار إلى أن الإدارة الذاتية تكرّر مطالبتها الدول باستلام رعاياها، لكن من دون استجابة.
تم ترحيل حوالي 6 آلاف عراقي من المخيم، إضافة إلى أعداد قليلة من الأجانب الذين استلمتهم دولهم، وعدد من العائلات السورية التي عادت إلى مناطقها. ويرى سعدون أن 'قسد نفسها ستتضرر إذا فقدت السيطرة على المخيمات وسجون داعش'، لأنها بذلك ستفقد ورقة 'داعش' التي تبرر وجودها وتحظى من خلالها بالدعم الدولي.
يبدو أن الملفين الأمني والإداري يشكّلان العقدة الأساسية في تعثّر تنفيذ الاتفاق. تسعى دمشق، بحسب مصادر قريبة من التفاوض، إلى وجود أمني داخل مناطق الإدارة الذاتية تحت غطاء مكافحة الإرهاب، وهو ما ترفضه قوى 'الأسايش' و'قسد'، وترى فيه محاولة لعودة النظام تدريجياً من دون اتفاق سياسي واضح.
وفي تصريح لموقع 'درج'، قال الصحافي سلام حسن: 'الإدارة الذاتية عقدت اتفاقاً مع دمشق من دون إعلان بنوده. وأوضح الرئيس الانتقالي أحمد الشرع أكثر من مرة أن البنود لم تُعلَن تجنباً لإفشال الاتفاق من جهات داخلية وإقليمية'.
وأضاف حسن: 'الإدارة الذاتية باتت أمراً واقعاً مدعوماً من التحالف الدولي، وهذا أول اتفاق من نوعه مع الحكومة السورية'. ووفقاً لمصادر خاصة نقلها حسن، فإن 'الدمج سيُجرى تدريجياً: الاقتصاد بقرار مركزي، والدمج الأمني والعسكري سيحفظ الرتب والرواتب والخصوصيات، ولن يكون مركزياً صرفاً، وهو نموذج سيُعمم على سوريا كلها، لا فقط على مناطق 'قسد'.
أما السياسي والكاتب الكردي أكرم حسين، فقال لـ'درج': 'لا أعتقد أن قسد تتجه نحو التخلي الكامل عن إدارتها الذاتية، بل تسعى الى إعادة تموضع ضمن صيغة وطنية جديدة، مع تقديم بعض التنازلات المدروسة'.
وأضاف: 'قسد مستعدة لدمج قواتها ضمن الجيش الوطني الجديد، شرط الحفاظ عليها كقوة دفاع محلية وعدم حلّها، وهي ترفض عودة أجهزة القمع السابقة'.
اقتصادياً، تُبدي 'قسد' مرونة في توحيد بعض الملفات السيادية، لكنها ترفض التخلّي عن إدارة الموارد المحلية ما لم يتم التوافق على آلية عادلة لتوزيع الثروات. كما تُصر على حل قضية التعليم والاعتراف به رسمياً، كما حصل في إدلب، معتبرة أن التعليم باللغة الأم حق مشروع لمكونات المنطقة.
وختم حسين: 'ما لا يمكن أن تتنازل عنه قسد هو: اللامركزية، الشراكة في القرار، واستمرار علاقتها مع الحلفاء الدوليين. فالإدارة الذاتية لم تعد وضعاً مؤقتاً، بل أحد أعمدة الحل في سوريا الجديدة. ومن حق المكونات أن تدير نفسها وتستفيد من مواردها بعد عقود من التهميش والمركزية الصارمة'.