اخبار سوريا
موقع كل يوم -عكس السير
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بعد أن دعت الميليشيات إلى 'سحق فلول نظام الأسد' تحولت المجازر إلى مادة للسخرية (ميمز)، وعائلات الضحايا تخشى ألا تنال العدالة أبداً.
رأت الأرامل أزواجهن يجبرون على النباح كالكلاب قبل أن يقتلوا، كما شاهد مئات الآلاف من السوريين هذا الإذلال الأخير، ورأوا أيضاً وجوه القتلة، إذ بثت مشاهد الموت على وسائل التواصل الاجتماعي.
حين رأت هديل نخر زوجها قيس (50 عاماً) وابنها أحمد (30 عاماً) للمرة الأخيرة على شاشة هاتفها، كانا راكعين على جانب طريق مع أسيرين آخرين (شقيق زوجها وجارهما) بينما مجموعة من المسلحين يركلونهم ويضربونهم بالأحزمة.
'عوي' صرخ مقاتل سني بسخرية في وجوههم، يضيف وسط سيل من الضربات 'لا أسمع نباحكم' بعض المهاجمين في المقطع يشاهدون -وهم يصورون الاعتداء بهواتفهم المحمولة- حريصين على الاستمرار في التوثيق حتى أثناء انخراطهم بالركل واللكم، أحد المقاتلين ذوي الشعر الأحمر توقف عن ضرب الأسرى الذين ينتمون جميعاً إلى الطائفة العلوية ويرتدون ملابس مدنية ليأخذ حزاماً من رجل آخر ويجلدهم به، وجهه، مثل وجوه معظم المهاجمين الآخرين، كان مكشوفاً، لا خجل ولا حياء خلال الاعتداء، بل بدا المهاجمون فخورين بما يفعلون.
بعد دقائق، كان الأسرى الأربعة جميعاً -بينهم زوج هديل وابنها- قد قتلوا رمياً بالرصاص من مسافة قريبة، كانوا ضمن 67 رجلاً قتلوا في قرية الشير في 7 آذار، على يد ميليشيات موالية للحكومة السورية الجديدة، التي قتلت أكثر من 1400 علوي في حملة قتل استمرت ثلاثة أيام على طول الساحل.
– بالنظر إلى وحشية القتل، كانت هديل تأمل أن يواجه القتلة العدالة على الأقل، كونهم يسهل التعرف عليهم، فقد بدا الجناة متلذذين بأفعالهم، وخلال الأيام التالية امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع مشابهة نشرها قتلة آخرون من ذوي التفكير نفسه، بوجوه مكشوفة، وهم يسيئون معاملة الأسرى ويقتلونهم.
– في الواقع، بعد مجازر الساحل، أصبحت عبارة 'عوي عوي عوي' ميماً ساخراً متداولاً بانتظام على وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا، حيث عانت الأغلبية السنية من عقود من الاضطهاد الوحشي تحت حكم السلالة العلوية للرئيسين السابقين بشار الأسد ووالده حافظ.
مع ذلك، وبعد ثمانية أشهر، رغم معرفة هوية العديد من القتلة على نطاق واسع، ورغم فتح تحقيقات والوعود بمحاكمات علنية وعقوبات قريبة، لم تصدر أية إدانة واحدة في واحدة من أسوأ المجازر ضد أقلية سورية منذ الإطاحة ببشار الأسد.
قالت هديل: 'ليس الأمر أننا لا نعرف أسماء المذنبين، الرجال الذين قتلوا زوجي وابني كانوا فخورين بما فعلوه إلى درجة أنهم نشروا المقطع بأنفسهم' قرأت أربعة أسماء للمقاتلين الذين ظهروا بوضوح في الاعتداء على زوجها وابنها، يظهر اثنان من هؤلاء الرجال في مقاطع تعذيب أخرى صورت في مواقع مجازر أخرى، في أحد المقاطع يشاهد أحد المقاتلين راكباً أسيراً على أربع كما لو كان حيواناً، قالت هديل 'مع ذلك، لم يحدث شيء منذ ذلك اليوم، فقدت الأمل، لا أتوقع أن الحكومة التي قتلوا باسمها ستحاكمهم'.
كانت المجازر على الساحل السوري أول هجوم كبير على أقلية سورية منذ الإطاحة بالأسد في ديسمبر الماضي وصعود حكومة جديدة بقيادة أحمد الشرع، تركز العنف في 40 منطقة علوية في محافظة اللاذقية الساحلية، وبدأ بعد سلسلة هجمات شنها من يطلق عليهم وصف 'فلول نظام الأسد' على قوات الحكومة الجديدة في المنطقة.
رداً على هجمات الموالين للنظام السابق، أطلقت ميليشيات موالية للحكومة دعوات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبئة العامة من أجل 'سحق الفلول' وبحلول فجر 7 آذار، كان نحو 200 ألف مقاتل سني من مجموعات مختلفة، منها جهاز الأمن العام للحكومة وميليشيات متحالفة مثل فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة، قد تدفقوا على التجمعات العلوية الساحلية، وبدأت موجة جنونية من المجازر الطائفية استمرت ثلاثة أيام.
اقتحم المقاتلون المدن والقرى الممتدة على طول الطريق السريع الرئيسي، وأطلقوا النار داخل المنازل وقتلوا العلويين، في بعض القرى استهدف الرجال فقط، وفي أخرى أُبيدت عائلات بأكملها، في قرية الشير، وهي قرية علوية كبيرة على الطرف الغربي من مدينة اللاذقية، استيقظ السكان على أصوات إطلاق النار فيما كانت الميليشيات تجوب الشوارع.
قتل بعض الرجال في الحال، قال فادي الشيخ (30 عاماً) إنه ركض من منزله ليختبئ. وعندما عاد بعد ساعات، وجد جثث والده وعمه وابن عمه ممددة على أرض غرفة الجلوس، قال: 'جميعهم أُطلق عليهم الرصاص من مسافة قريبة، قلت لهم أن يهربوا لكنهم قالوا إننا كمدنيين لا نخاف شيئاً، أطلق الق/ تلة النار على ابن عمي بلال وهو جالس على الأريكة'.
قال محمد الشيخ (70 عاماً)، شيخ القرية الذي أشرف على جنازات القتلى في الشير، إن الضحايا جميعهم من الذكور، وأصغرهم يبلغ 14 عاماً وأكبرهم 76 عاماً، وأضاف: 'لم يكن لنا أي علاقة بالهجمات على قوات الحكومة، قريتنا دفعت ثمن ما لم تفعله'.
وصف الناجون دخول فصائل مختلفة إلى القرية، ولكل منها سلوك مختلف، قال الشيخ إن بعض الميليشيات جابت البيوت وسرقت ذهب النساء ونهبت السيارات والدراجات النارية وهي تنعت القرويين بالـ 'الخنازير العلويين' في حين أراد مقاتلون آخرون فقط الإذلال والقتل، قالت إيفا صلوح (40 عاماً) 'جعلوا زوجي يزحف قبل أن يقتلوه، أحياناً ما يزال أحد القتلة يمر بسيارته في قريتنا وهو يصرخ علينا ويشتمنا، لماذا لم يعاقبوا؟' يظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي زوجها حسام الشيخ (48 عاماً) مع والد زوجها (73 عاماً) وشقيق زوجها، مجبرين من قبل المسلحين على الزحف على طريق في الشير قبل أن يطلق النار على رؤوسهم واحداً تلو الآخر.
شكلت السلطات لجنة تحقيق للتحري وتقديم الجناة للعدالة، أكد التحقيق أن غالبية القتلى البالغ عددهم 1400، معظمهم رجال تتراوح أعمارهم بين 20 و50 عاماً، وبينهم نساء وأطفال، كانوا من المدنيين العلويين الذين قتلوا في منازلهم أو بالقرب منها على طول الساحل بين 6 و10 آذار.
بنتيجة مثيرة للجدل، قالت اللجنة إن العنف لم يكن منظماً، وأن القادة العسكريين في البلاد لم يصدروا أوامر مباشرة بتنفيذ الهجمات، وقالت اللجنة إن الدافع الأساسي كان الانتقام، مضيفة أنها حددت هوية 265 شخصاً مسؤولين عن الهجمات الأولية على قوات الحكومة، و298 مشتبهاً بمشاركتهم في قتل العلويين وتعذيبهم.
أعلن وزير العدل السوري، مظهر الويس، الأسبوع الماضي أن محاكمات المتورطين في مجازر الساحل ستجري في المستقبل القريب، وأنها ستكون علنية، وأضاف: 'عندما يحين الوقت، ستكون مفتوحة للجميع ليتابعوا، حتى يرى الجميع أنه لن يكون هناك إفلات من العقاب سواء لفلول النظام القديم أو لمن ارتكبوا انتهاكات ضد المدنيين'.
رغم أن الحكومة زعمت أن العشرات اعتقلوا لمشاركتهم في المجازر، لم يعلن سوى عن عدد قليل من الأسماء، ولم توجه أية تهم حتى الآن.
يبدو أن بعض المعتقلين أُفرج عنهم، وعادوا إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليتفاخروا بالمجازر، أحد المقاتلين السنة البارزين المتهمين بالمشاركة، أحمد العبد الله، المعروف الملقب بـ أبو الميش، قيل إنه اعتقل في أغسطس، لكنه ظهر بعد أيام في مقطع مصور على الإنترنت، حراً طليقاً، وهو يقول أثناء خروجه من بركة ماء: 'كيف حال الفلول؟'.
مع تأخر الإجراءات القانونية وغياب المساءلة، زادت هذه المنشورات من شكوك العلويين بأن الحكومة السنية لن تحاكم أبداً عناصر قواتها الحليفة المتورطة في مجازر الساحل، قال فادي الشيخ وهو يتجول في الغرفة التي قتل فيها والده في الشير: 'لم نر أي عدالة بعد، ولا أي حكم حقيقي سوى حكم السلاح.. نخشى أننا نحكم اليوم على يد من يمكنهم القتل بلا مساءلة، وأن المحققين والقتلة قد يكونون رجالاً من الفصائل نفسها، لكن بملابس مختلفة'.
* صحيفة تايمز البريطانية




































































