اخبار سوريا
موقع كل يوم -بي بي سي عربي
نشر بتاريخ: ٢٨ أيار ٢٠٢٥
هل سيرتفع العلم الإسرائيلي في قلب دمشق؟ سؤال بدأ يتردد على ألسنة الكثيرين في سوريا وخارجها في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها البلاد عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ولعل من أبرز تلك التطورات إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على دمشق خلال جولته الخليجية في وقت سابق من شهر مايو/أيار، والتي التقى خلالها بالرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، وحثه على التطبيع مع إسرائيل.
وعقب سقوط الأسد، تواردت العديد من التقارير التي تحدثت عن لقاءات بين مسؤولين إسرائيليين وعناصر في السلطة السورية الجديدة. وجاءت تلك التقارير في الفترة التي شهدت تعرض مواقع عسكرية سورية لغارات إسرائيلية.
كما كشفت مصادر مطلعة 'لرويترز' عن عقد إسرائيل وسوريا خلال الأسابيع الماضية لقاءات مباشرة وجهاً لوجه، في محاولة لخفض التوترات ومنع اندلاع صراع في المنطقة الحدودية بين البلدين.
وفي شهر أيار/مايو، وخلال لقائه الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، قال الرئيس السوري الانتقالي إن هناك مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لـ'تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة'.
الأكثر قراءة نهاية
يتقاطع حديث التطبيع بين سوريا وإسرائيل مع قضايا جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية ومواقف شعبية، قد يعرقل بعضها إبرام اتفاق تطبيع، بينما قد يدفع البعض الآخر في اتجاه سلام مع إسرائيل.
'وديعة رابين'
خاضت سوريا ثلاثة حروب ضد إسرائيل في إطار المواجهات العسكرية بين دول عربية وإسرائيل، بداية من حرب 1948، مرورًا بحرب الخامس من يونيو/حزيران عام 1967، وصولًا إلى حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، إلى جانب اشتباكات ومعارك متقطعة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1989).
الحروب بين البلدين كانت تنتهي باتفاقات هدنة (1949) أو فض اشتباك (1974)، أما المحصلة الميدانية لتلك المواجهات فكانت احتلالا إسرائيليا لمرتفعات الجولان منذ عام 1967، وحالة من العداء الرسمي طيلة عشرات السنوات، شملت استضافة الحكومة السورية فصائل فلسطينية مسلحة، وشن إسرائيل غارات على مواقع داخل سوريا، خاصة خلال فترة الصراع السوري الداخلي، الذي بدأ عام 2011.
يمكنك مطالعة مجموعة متنوعة من المقالات الشيقة والملهمة والتقارير المفيدة.
اضغط هنا
يستحق الانتباه نهاية
وفي بداية التسعينيات من القرن المنصرم، ومع مشاركة سوريا في حرب الخليج الثانية ضمن تحالف دولي وإقليمي ضد العراق بعد غزوه للكويت، بدا أن منطقة الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة ترعى فيها واشنطن اتفاقات سلام بين أعداء الأمس. فوقّعت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاق أوسلو، كما أبرم الأردن اتفاقًا مشابهًا، وأجريت لقاءات مباشرة بين مسؤولين إسرائيليين وسوريين في إطار التمهيد لانضمام الرئيس السوري حافظ الأسد إلى قافلة التطبيع، وهو الذي كان معارضا لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في زمن الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في نهاية سبعينيات القرن الماضي.
تناولت محادثات السلام السورية الإسرائيلية العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، ويٌعتقد أنها شملت ما عرف بـ'وديعة رابين' وهي مقترحات تعتمد على تعهد شفهي من رئيس الوزراء الإسرائيلي أسحق رابين بالانسحاب الكامل من الجولان مقابل ترتيبات تحفظ أمن إسرائيل.
لكن محادثات السلام تعرضت لانتكاسة كبيرة جراء اغتيال رابين عام 1995 على يد متطرف يهودي معاد لاتفاقات التطبيع. ولم تفلح المفاوضات اللاحقة سواء في عهد الأسد الأب أو الأبن في حل الخلافات المتعلقة بحجم الانسحاب من الجولان والترتيبات الأمنية والسماح بوجود سوري على بحيرة طبرية/ بحر الجليل.
المزاج الشعبي
لم تغير محادثات السلام الإسرائيلية السورية من خطاب حزب البعث الحاكم، ذي التوجهات القومية العربية، داخل سوريا تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فدمشق ظلت تروج لنفسها داخليا على أنها 'مناوئة للمشروع الصهيوني'، وازداد زخم ذلك الخطاب في ظل التحالف مع حزب الله الذي خاض حربا ضد إسرائيل في عام 2006.
لكن الموقف الشعبي من حزب الله تعرض لتحد كبير في عام 2013 مع بداية مشاركة مقاتلي الحزب بجانب القوات الحكومية السورية، ما أثار امتعاض الفريق السوري المناوئ للأسد.
وكان من الطبيعي أن تلقي تلك التغيرات التي شهدتها سوريا في سنوات الصراع الداخلي بظلالها على الموقف الشعبي من الاستقطابات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
إذ يبدو أنه لا يوجد اليوم موقف مواحد جامع للسوريين فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، وهي التي تخوض حربا في غزة عقب الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
رهف الدغلي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة لانكستر، ترى أنه يمكن تقسيم المواقف في سوريا حاليا حيال قضية التطبيع إلى ثلاثة معسكرات:
المعسكر الأول - والذي ترى أن حجمه ليس بالقليل إن لم يكن الأكبر عددا - يضم من يريدون وضع نهاية للأوضاع المأساوية التي تعيشها سوريا منذ عام 2011، لذا فإنهم قد يقبلون بالسلام مع إسرائيل ليس من باب التعاطف معها، بل لمنح البلاد فرصة للتعافي من حرب قتل فيها نظام بشار الأسد من السوريين أكثر ممن قُتلوا في الحروب مع إسرائيل.
بينما يعارض الفريق الثاني إبرام النظام الحالي - ذي الصفة الانتقالية - اتفاق سلام مع إسرائيل من دون تخويل شعبي - خاصة وأن الشرع لم ُينتخب.
ويضم المعسكر الثالث المعارض للتطبيع بشكل عام عام فئات عدة، من بينها قطاع من أبناء الأقليات الذين يخشون من عمليات انتقامية بحقهم من قبل المسلحين الرافضين للتطبيع ممن يرون أن الأقليات 'تتعاون مع إسرائيل'
لكن، هل يمكن الآن قياس حجم الدعم أو الرفض الشعبي في سوريا حيال إبرام اتفاق تطبيع مع إسرائيل؟
المركز السوري لدراسات الرأي العام (مدى)، وهو مؤسسة بحثية تعرف نفسها بالمستقلة، أصدر في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي نتائج استطلاع للرأي أجراه على 2550 سوريا من عموم المحافظات حول قضية التطبيع، جاء فيه أن 46.35 في المئة من العينة المستطلَعة لا يؤيدون توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، مقابل 39.88 في المئة من المؤيدين، بينما قال 13.76 بالمئة إنهم غير معنيين أو غير مهتمين.
ويصف المشرفون على الاستطلاع نسبة المؤيدين بـ'العالية'، عند الأخذ بعين الاعتبار 'الموقف العام في السابق من إسرائيل وعملية السلام'.
لكن كان من الملاحظ أن نسبة المعارضين لوجود 'تمثيل دبلوماسي' بين البلدين بلغت نحو 60 في المئة مقابل نسبة المؤيدين التي وصلت إلى ما يقرب من 17 في المئة.
الجولان المحتل
الدكتور كمال العبدو، عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الشمال في إدلب، يرى أن معارضي التطبيع 'هم الأغلبية' وهو ما يمثل إحدى أبرز العقبات أمام إبرام اتفاق سلام.
لكن قائمة العقبات الرئيسية تشمل أيضا قضية مرتفعات الجولان المحتلة، بحسب الأكاديمي السوري.
مرتفعات الجولان تقع في جنوب غرب سوريا وتبلغ مساحتها حوالي 1,200 كيلومتر، لكن أهمية المنطقة الاستراتيجية تزيد بكثير عن حجمها إذ أن طبيعتها الجغرافية وموقعها المرتفع يمنحان من يسيطر عليها موقعا متميزا بين سوريا وإسرائيل.
احتلت إسرائيل أغلبية مرتفعات الجولان عام 1967 لينزح الجزء الأكبر من سكانها إلى الداخل السوري، وعام 1974 أبرم الجانبان اتفاقا لفك الاشتباك عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 نص على إنشاء منطقة عازلة بين القوات الإسرائيلية في الجزء الغربي من الجولان والقوات السورية في الجزء الشرقي، ليسود الهدوء المنطقة الحدودية بين الجانبين لعشرات السنين.
ضمّت إسرائيل مرتفعات الجولان من جانب واحد في عام 1981. ولم يُعترف بهذه الخطوة دوليا، رغم أن إدارة ترامب الأمريكية قامت بالاعتراف بها في 2019.
وأنشأت إسرائيل أكثر من 30 مستوطنة في الجولان يعيش فيها نحو 20 ألف مستوطن إسرائيلي.
وعقب سقوط نظام الأسد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن اتفاقية فض الاشتباك قد انهارت وأمر قواته بالتقدم إلى المنطقة العازلة.
لكن هل يمكن أن تكون مرتفعات الجولان ورقة تفاوض بين سوريا وإسرائيل في إطار اتفاق للتطبيع بين البلدين في ظل كل تلك التطورات؟
إيهود ياري، محلل شؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية عشرة الإسرائيلية أعرب عن اعتقاده بـ'عدم وجود أي مسؤول سياسي في إسرائيل مستعد الآن للتخلي عن الجولان'.
في المقابل، فإن الأكاديمي السوري كمال العبدو يرى أن السلطة الانتقالية الحالية لا تستطيع التنازل عن الأراضي السورية المحتلة.
ألكساندر لانغلوي، محلل السياسة الخارجية الأمريكية المختص بشؤون غرب آسيا، يعتقد أن السلطة الحالية في سوريا لن تقدم على إبرام اتفاق سلام شامل مع إسرائيل في المستقبل القريب، فإبداء الشرع اهتمامه بالتطبيع 'هو جزء من لعبة دبلوماسية أكبر تهدف إلى الحصول على المساعدة والاعتراف من الغرب'.
فهل يعني هذا أن فرص إحلال السلام بين سوريا وإسرائيل ستتحطم على صخرة قضية الجولان؟
'تفاهمات'
بينما يستبعد الدكتور كمال العبدو إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع بين سوريا وإسرائيل في الوقت الحالي، إلا أنه يشير إلى إمكانية أن يتوصل الجانبان إلى 'تفاهمات معينة' برعاية إقليمية تناقش ترتيبات حول أمن الحدود والانتشار العسكري، بجانب توفير ضمانات لإسرائيل بعدم الاعتداء عليها.
كما يضيف أنه من الممكن أن تشمل الاتفاقات 'تأجير الجولان لفترة معينة كما حدث في غور الأردن في اتفاقية وادي عربة'.
من جهته، يقول الصحفي الإسرائيلي إيهود ياري إن هناك قناعة في أواسط الطبقة السياسية والعسكرية في إسرائيل بأنه يمكن التوصل إلى 'تفاهم مهم' مع دمشق 'ربما لن يكون تطبيعاً شاملاً مثلما هو الحال في الاتفاقيات الإبراهيمية لكن هذا التفاهم يمكن أن يقود إلى ترتيبات حول مصالح مشتركة مثل الأمن والحدود'.
ويشير ياري إلى إمكانية أبرام اتفاقيات أمنية جديدة بين سوريا وإسرائيل تحل محل اتفاقية فك الارتباط لعام 1974. كما يمكن أن تشمل تلك التفاهمات تطبيعا بين مكوّنات دينيّة داخل سوريا (مثل طائفة الدروز) وإسرائيل.
شكّل دروز سوريا محور اهتمام خاص من قبل إسرائيل عقب سقوط نظام بشار الأسد، وهو اهتمام تجلّى في عدة أحداث، أبرزها غارة إسرائيلية استهدفت منطقة قرب القصر الرئاسي في دمشق، عقب اشتباكات ذات طابع طائفي بالقرب من دمشق، وصرّح حينها بنيامين نتنياهو بأنها تمثّل 'رسالة إلى النظام السوري مفادها أن إسرائيل ملتزمة بحماية دروز سوريا'.
المسلحون
جاء سقوط نظام بشار الأسد في ظل تطورات ضخمة شهدتها منطقة الشرق الأوسط؛ فالحرب الإسرائيلية في غزة تجاوزت القطاع لتصل إلى لبنان الذي شهد مواجهات بين إسرائيل وحزب الله، أبرز حلفاء بشار الأسد.
وعقب الخسائر التي تكبدها حزب الله، تقدمت الجماعات المسلحة المعارضة بسرعة كبيرة لتسيطر على المدن السورية واحدة تلو الأخرى وصولاً إلى دمشق.
وكانت هيئة تحرير الشام الإسلامية المتشددة - التي كانت مدرجة على قوائم الإرهاب تحت قيادة الشرع - على رأس تلك القوات التي وضعت نهاية لحكم آل الأسد.
وبعد الاطاحة بحكم الأسد، أعلن عن التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه حل الفصائل المسلحة ودمجها في القوات الحكومية. أما الشرع، الذي تخلى عن لقب أبو محمد الجولاني، فقد بدأ يغير خطابه ليتخلى عن النبرة الجهادية المتشددة.
ولكن هل تقبل العناصر المسلحة، ذات الخلفية الإسلامية المتشددة التي قادها الشرع في حملة الإطاحة بنظام الأسد، باتفاق سلام مع إسرائيل أو حتى تفاهمات أمنية؟
ترى الدكتورة رهف الدغلي أن الشرع 'غير قادر على فرض التطبيع الكامل' على المقاتلين الإسلاميين، سواء كانوا أجانب أو سوريين، 'الذين يتخذون موقفاً راديكالياً داعما للقضية الفلسطينية'.
وبينما يتفق الدكتور كمال العبدو مع الحديث عن كون المسلحين الإسلاميين مؤيدين بشدة للقضية الفلسطينية، فإنه يشير إلى أن التفاهمات المستقبلية المحتملة قد تشمل محاربة التيارات المتطرفة وإبعاد 'الجماعات الراديكالية' عن الحدود مع إسرائيل.
وبعيدا عن الجماعات الموالية للشرع، يرى الصحفي الإسرائيلي إيهود ياري أن هناك الكثير مما يجب على السلطة في سوريا فعله، وقد تم جزء منه بالفعل، فيما يتعلق بالتنسيق لمواجهة حزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة التي كانت تحظى بدعم الأسد، وبعض المحاولات من قبل حماس لتأسيس قاعدة لها .
وكان ترامب قد دعا الشرع إلى طرد من وصفهم بـ'الإرهابيين الفلسطينيين'.
جاء إعلان الرئيس الأمريكي عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا ليثير فرحة عارمة داخل البلد، الذي يعاني اقتصاديا جراء نحو 14 عاما من الاقتتال الداخلي.
ورغم أن ترامب لم يربط بين رفع العقوبات والتطبيع مع إسرائيل إلا أن هناك فريقا من السوريين قد يرى أن السلام مع إسرائيل سيؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية.
فبحسب استطلاع الرأي الذي أجراه المركز السوري لدراسات الرأي العام فإن نحو 70 في المئة من العينة المستطلع رأيها يعتقدون أن السلام مع إسرائيل سيؤدي إلى قدوم الاستثمارات العربية والدولية إلى البلاد.
لكن الدكتور كمال العبدو لا يعتقد أن التطبيع مع إسرائيل قد يؤدي بالضرورة إلى الرخاء، مستشهدا بالأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر التي أبرمت اتفاق سلام مع إسرائيل منذ نحو 45 عاما.
في المقابل يقول الصحفي الإسرائيلي إيهود ياري إن إسرائيل يمكن أن تساعد في حل أزمة الطاقة التي تعاني منها سوريا عبر ضخ الغاز من إسرائيل إلى سوريا ولاحقا إلى لبنان.
وهكذا، فإنه وبينما يستبعد محللون فرص تطبيع شامل أو قريب بين إسرائيل وسوريا، إلا أنهم يرون أن إمكانية التوصل إلى تفاهمات يمكن أن تؤدي إلى ضبط الحدود بين البلدين بجانب تعاون في مجالات عسكرية وأمنية تحول دون تدهور الأوضاع في سوريا وانتقال تبعاتها إلى المنطقة الحدودية.