اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢٤ نيسان ٢٠٢٥
تفترش فتاة ضريرة الرصيف أمام فرع الهجرة والجوازات وسط دمشق، بين سوق الحريقة وشارع البرامكة، وتعيش منذ عشر سنوات على التسوّل والطعام القليل الذي يقدّمه المارّة. المرض ينهش جسدها، والشارع مأواها في النهار المكتظ والليل الموحش. قبل فترة، صدمتها سيارة، فازدادت معاناتها وتفاقمت حاجتها إلى رعاية صحية عاجلة.
تمكن موقع 'تلفزيون سوريا' من الوصول إلى أحد أقربائها والحديث عن وضع 'ناهدة' الصحي والنفسي. وقالت السيدة الستينية، طالبة عدم الكشف عن اسمها: 'إنني أعرف ناهدة منذ كان عمرها شهرًا، حيث وُلدت ومعها ضمور خلقي في الدماغ، ومع مرور الوقت والإهمال الصحي، وعدم وجود المعالجة اللازمة نتيجة الفقر والتشرد وغلاء الأدوية، تطورت حالتها إلى درجة فقدان حاسة النظر بشكل كامل'.
مأساة في شوارع دمشق
وأضافت أن والدي ناهدة انفصلا وهي في أشهرها الأولى، وغادرت والدتها البلاد ولم تستطع العودة، لكنها حاولت جاهدة إرسال النقود وتكاليف العلاج ومساعدات صحية. وتكفلت جدتها بتربيتها إلى أن بلغت 27 عامًا، أي حتى وفاة الجدة، ومن هنا بدأت مأساة ناهدة الحقيقية، حيث أصبحت تنام في الشارع، وفقدت التواصل مع أقربائها.
وأوضحت السيدة أن 'ناهدة' الآن تبلغ من العمر 38 عامًا، وتعرضت العام الماضي لحادث سيارة كان شبه قاتل، وتلقت العلاج في مشفى 'المواساة' على حساب صاحب السيارة الذي تسبب في الحادث، حيث تعرضت لـ'كسر في الحوض'، وبعد 3 أشهر
خرجت من المشفى قبل انتهاء العلاج لعدم وجود مرافق لها، وعادت إلى وحشة الطريق.
كما أوضحت السيدة أنه 'تم تسليم الفتاة إلى والدها عن طريق الشرطة، ولكن هربت ناهدة إلى الشارع بسبب سوء المعاملة في المنزل، ومنذ عشر سنوات وهي في الشارع'، مشيرة إلى أنها تعرضت للكثير من المواقف السيئة خلال تلك السنوات من جوع وألم وتحرش جنسي.
وأكدت أن 'ناهدة' الآن تعاني من آلام وانتفاخ في قدمها، وأن الأنسجة جميعها تالفة وتحتاج إلى عمل جراحي ودخول مشفى بشكل مستعجل، وقد يؤدي الأمر إلى بتر قدمها. كما أشارت إلى عدم وجود أي أحد يقوم برعايتها، وأنها تحتاج إلى رعاية صحية خاصة. وقالت: 'أنا، عن طريق تلفزيون سوريا، أناشد وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية بالنظر إلى حالة ناهدة كحالة إنسانية'.
ولفتت السيدة إلى أنها حاولت في وقت سابق نشر صور ناهدة على صفحات التواصل الاجتماعي ومناشدة الوزارة، ولكن لم يقدّم أحد أدنى مساعدة لهذه الفتاة المسكينة. وأضافت: 'أنا غير قادرة على مساعدتها لسوء الأحوال الاقتصادية وكبر سني'، مشيرة إلى أنها متفائلة بالحكومة الجديدة وتمكنها من مساعدة 'ناهدة' وتأمين مأوى وطبابة لها، وهي فتاة ضحية خلاف عائلي قديم، وغيرُها من العجزة المتسولين.
البحث عن حلول سريعة
تعرض السوريون لجميع أشكال الفقر والحرمان والتشرد في عهد نظام الأسد المخلوع، نتيجة الحرب والنزوح وشبكات الفساد، خصوصا في القطاعات التي تعنى بالشأن الإنساني والصحي.
وقالت الباحثة الاجتماعية سلمى الصالح لموقع تلفزيون سوريا: 'إن الأوضاع الاقتصادية المتردية خلال السنوات العشر الماضية تسببت في حرمان الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة من تلقي الرعاية والعلاج والغذاء اللازمين'.
أكثر من ربع السوريين ذوو إعاقة.. من يدفع كرسي سوريا المتحرك؟
وأضافت أن الحرب زادت من أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة، وحوّلهم الوضع الاقتصادي السيئ وتغافل وزارة الشؤون الاجتماعية عن رعايتهم إلى متسولين في الشوارع، ومعرضين لجميع أنواع الاستغلال، وخصوصًا الفتيات الأكثر عرضة للتحرش الجنسي من غيرهن.
وأكدت سلمى أنه يجب على الإدارة الجديدة تفعيل دور المنظمات والجمعيات الداعمة لذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة لتقديم الدعم الذي يتناسب مع مثل هذه الحالات، ومحاولة تأمين فرص عمل أو دورات حرفية تؤهلهم للعمل باستقلالية ودمجهم بالمجتمع بالطرق الصحيحة، وفتح مدارس للأطفال، مشددة على ضرورة حمايتهم من الممارسات السيئة في الطرقات.
28 بالمئة من السوريين ذوو إعاقة
قدّرت إحصائيات الأمم المتحدة نسبة ذوي الإعاقة في سوريا بنحو 28% من السوريين، أي ضعف المعدل العالمي. العدد الأكبر منهم أطفال، وقد ساهمت إصابات الحرب ونقص الرعاية والخدمات في الوصول إلى هذه النسب المخيفة. ورغم هذا الرقم الكبير، فإن الحالة الخدمية لهم متردية، وهو ما يؤثر سلبًا على تحركاتهم وحياتهم.
وفي دراسة أجراها المركز السوري لبحوث السياسات بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، أوضحت أن الاقتصاد السوري تجاوزت خسائره 380 مليار دولار، في حين يصل العجز ذروته في عهد حكومة النظام البائد. وقد أجمع الخبراء على أن الخروج من هذه الظاهرة يحتاج إلى توفير الأمن، والأمان، والغذاء، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، ليُصار بعدها إلى رفع مستوى الوعي، والردع، ومكافحة التسول.