الجولاني يفرج عن القحطاني.. "الهيئة" إلى مزيد من الضبابية والكشف عن تفاصيل جديدة

أعلنت هيئة تحرير الشام مساء أمس تبرئة القيادي البارز فيها أبو ماريا القحطاني من تهمة العمالة الموجهة إليه، وقررت الإفراج عنه بعد 205 أيام من اعتقاله الذي كشف عنه موقع تلفزيون سوريا في خبر حصري، ليدخل التنظيم أكثر عمقاً في كهف مظلم لا ملامح نور في نهايته، فلا يعرف أحد ردة فعل الموالين للقحطاني داخل الهيئة، ولا ردة فعل تيار بنش المقابل وإلى جانبه جهاز الأمن العام و'حدود'.

الإفراج عن القحطاني كان بمثابة طي ملف العمالة بشكل كامل، فهو آخر الشخصيات البارزة المفرج عنها، بعد تبرئة الجولاني لجميع المتهمين بالعمالة بشكل مفاجئ أواخر كانون الثاني الماضي.

في هذا التقرير عرض لتفاصيل اعتقال القحطاني وجملة التهم ضده وحقيقتها وكيف نتج عن ذلك كرة الثلج بانشقاق رفيق الدرب الثالث 'أبو أحمد زكور' وانتفاضة الجناح العسكري، وصولاً إلى اجتماع بين الجولاني وزكور قبل أيام في إدلب وضعت فيه اللمسات الأخيرى لـ 'الصفقة الكبرى'.

قالت اللجنة القضائية التي شكتها الهيئة مؤخراً للتحقيق في قضية العملاء في بيان رسمي يوم أمس: 

بعد اطلاع اللجنة على قضية المتهمين بالعمالة وبعد ثبوت براءة من كان موقوفا في هذه التهمة، ولأن الموقوف : ميسر الجبوري - أبو ماريا القحطاني - تم توقيفه بناءً على شهادات وردت من موقفين على هذه التهمة، ولأن الدليل الذي أوقف لأجله ظهر للجنة بطلانه، ولم تكتف اللجنة بدليل الإيقاف بل اطلعت على أدلة أخرى قدمت من مدعيين وبعد النظر فيها قررت اللجنة

1. براءة المدعى عليه ميسر الجبوري - أبو ماريا القحطاني - من تهمة العمالة.

2 الإفراج عن ميسر الجبوري.

واليوم يحضر أنصار القحطاني وليمة لـ 1500 شخص احتفالاً بإطلاق سراح الرجل العراقي الملقب لدى مقاتلي المنطقة الشرقية في سوريا بـ 'الخال'.

اعتقلت تحرير الشام القحطاني في 14 آب العام الماضي، وفق ما نشره موقع تلفزيون سوريا عن مصادره الخاصة، وفي اليوم التالي من تحقيق موقع تلفزيون سوريا قالت 'تحرير الشام'، في بيان رسمي إن القيادة العامة شكلت لجنة تحقيق خاصة بشأن 'أبو ماريا القحطاني'، والتي استدعت الأخير على الفور 'لمساءلته بكل شفافية ووضوح تقديرا منا لدرء الشبهات وإزالة اللبس'.

وتوصلت لجنة التحقيق إلى أن القحطاني 'أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل'، وفقاً للبيان.

وأوصت اللجنة، بتجميد مهام القيادي العراقي وصلاحياته، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.

وبحسب مصادر موقع تلفزيون سوريا فإن توقيف القحطاني جاء على خلفية اعتقال عدة مجموعات مرتبطة بخلايا العملاء أعلنت تبعيتها له، وهو ما عاود بيان اللجنة القضائية أمس تأكيده.

قبل اعتقال القحطاني بأشهر أورد موقع تلفزيون سوريا خبر استبعاد القحطاني من غرفة العمليات المصغرة التي أدارها الجولاني بنفسه لمتابعة خلية العملاء فور اكتشافها، وهو ما وضع إشارات استفهام حول استبعاد قيادي بهذا الحجم عن قضية كهذه.

بعد اعتقال القحطاني بشهرين جاء أول تعليق رسمي من الهيئة على لسان الشرعي العام فيها عبدالرحيم عطون، الذي قال 'بعد اعتقال أبي مارية، في سياق التحقيقات الجارية في قضية (خلايا الاختراق لصالح بعض الدول) تبين لنا ضلوع أبي ماريا في العديد من قضايا الفساد والابتزاز المالي لعدد من التجار في المحرر، وقد قمنا بالجلوس مع كثيرٍ من التجار، لنتبين الحقيقة، ونعيد الحقوق لأصحابها، وقد قمنا بإرجاع الحقوق في كل ما وصلنا من قضايا، وتبين لنا فيها استحقاق أصحابها'.

ما حقيقة عمالة القحطاني؟

من جانبها أفادت مصادر متقاطعة لـ موقع تلفزيون سوريا، بأن مسألة تواصل 'القحطاني' مع التحالف الدولي أمر مؤكّد، حيث حصلت على مدار السنوات الماضية اتصالات بين الجانبين، لكنها ازدادت كثافة، منذ مطلع العام الحالي، بعد مخاوف هيئة تحرير الشام من اتجاه تركيا للعمل على تفكيكها بموجب تفاهمات أستانا.

وأكّد مصدر مطلع أن التواصل جرى بعلم قيادة الهيئة، وليس صحيحاً أن 'القحطاني' أقدم عليه بشكل منفرد ومن دون تنسيق، كما أنّه عرض على التحالف الدولي وبموافقة 'الجولاني' فكرة المشاركة في أي عملية محتملة قد تنطلق من قاعدة التنف ضد الميليشيات الإيرانية، كما عرض الزج بما يُعرف بـ'القطاع الشرقي' من الهيئة في العملية المحتملة.

وبذلك يرى مطلعون على مجريات قضية القحطاني أن الجولاني يستغل الفرصة المناسبة لإلصاق تهمة العمالة بالقحطاني والتخلص منه، في حين أن السبب الحقيقي هو مخاوف الجولاني من تخطيط القحطاني ورفيقه أبي أحمد زكور لانقلاب داخل الهيئة.

في أواخر كان الأول العام الماضي علّق قائد 'هيئة تحرير الشام' أبو محمد الجولاني للمرة الأولى على أزمة العملاء داخل الهيئة، وقال 'الجولاني' في كلمة له خلال ندوة لـ'حكومة الإنقاذ'، إن 'عدد المتربصين بالثورة كُثر، لذلك هي عرضة للاستهدافات، سواء العسكرية أو الأمنية (..) وأجهزة الاستخبارات في العالم تعمل على اختراق بعضها البعض'.

وأضاف أن 'حدوث ذلك في الثورة غير مستغرب خاصة بعد النمو والتطور في إدلب، فهناك من يزعجه بناء المحرر بالشكل الصحيح، وما جرى في الإعلام (حول ملف العملاء) مضخّم أكثر مما هو في الحقيقة'، بحسب وصفه.

وتابع: 'أُطمئن الجميع، ليس هناك خطر كبير وعظيم كما يتصور البعض، والأمور قد سُيطر عليها، وقد أُحيط بالخلايا، ولا أقول إن هذه الخلايا هي آخر ما قد يصيب المحرر، بل ستتواصل هذه العمليات، وسنستمر بالتصدي لها، لأن الغاية من كل الاختراقات، هي إنهاء الملف السوري'.

أيضاً في نهاية كانون الأول العام الماضي تداولت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي معلومات قيل إنّ 'هيئة تحرير الشام' سرّبتها، وتتضمن اعترافات للقيادي البارز فيها، المعتقل منذ أشهر بتهمة العمالة والتخطيط لانقلاب، أبو ماريا القحطاني.

وجاء في الاعترافات المسربة التي كان اول من نشرها القيادي المنشق عن هيئة تحرير الشام أبو العلا الشامي أن القحطاني اعترف بتبعيته لغرفة عمليات التحالف الدولي في مدينة أربيل العراقية، برئاسة ضابط عراقي زار إدلب أكثر من مرة والتقى بالقحطاني فيها.

كما أقر القحطاني وفق الاعترافات المسربة أنّه تمّ تجنيده للعمل لصالح الاستخبارات الأميركية منذ عام 2018.

وقال القحطاني في الاعترافات المنسوبة له: 'بعد الانتهاء من تنظيم حراس الدين، لم يأت أمر من التحالف بالعمل على هيئة تحرير الشام، وجاءنا أمرٌ ببدء عمليات التجنيد داخل صفوف الهيئة تمهيداً لعمل انقلاب داخلي، والسيطرة على الشمال المحرر بالقوة ليصبح قراره خالصاً بيد التحالف، وبدأنا بذلك منذ أكثر من عامين'.

لماذا تأخر الإفراج عن القحطاني؟

مع بدء إفراج تحرير الشام عن المعتقلين بتهمة العمالة بعد تبرئتهم جميعاً، طرحت تساؤلات على الجولاني حول مصير القحطاني في اجتماع ضم الجولاني وشخصيات عديدة من قادة الألوية في الجناح العسكري، إلا أن الجولاني لم يعط أي إجابة واضحة حول إمكانية خروج القحطاني من عدمهما، وعلى ذلك بوجود العديد من القضايا الأخرى 'غير العمالة' مثبتة على القحطاني.

في 26 كانون الثاني الحالي أعلنت هيئة تحرير الشام في بيان رسمي انتهاء التحقيقات المتعلقة بما أسمتها 'دعوى الخلية الأمنية'. وجاء في البيان: 'بعد اكتمال التحقيقات المتعلقة بدعوى الخلية الأمنية، أبدت القيادة العامة رغبتها في زيادة التدقيق والتحقيق المتعلق بالقضية، تحريا للعدل والحق الواجب؛ ليصل الحق لأهله ويمنع الظلم ويقام العدل، فشكلت لجنة عليا برئاسة القيادة العامة للوقوف بنفسها على الأقوال والاعترافات وتقييم الأدلة والوقائع.

وبحسب البيان فإن اللجنة العليا التي تشكلت برئاسة الجولاني شخصياً عملت على:

- عقد جلسات مع فريق التحقيق المكلف بالقضية من أجل التدقيق في الإجراءات المتبعة وسلامتها أصولا.

 - مقابلة عشرات الموقوفين والاستماع إلى أقوالهم ودفوعاتهم وتقييمها ضمن ظروف موضوعية.

- النظر في الأدلة المقدمة من قبل الجهة المدعية وتمحيصها ومقابلتها مع الاعترافات والوقائع.

- التأكد من سلامة الاعترافات، والاطلاع على بيئة التوقيف وظروفها.

وخلصت اللجنة إلى بعض التوصيات والتوجيهات المباشرة:

- الإفراج الفوري عن الموقوفين الذين لم ترتق الأدلة لإدانتهم أو ثبوت التهمة الموجهة إليهم مع أداء حقهم الشخصي.

- حفظ الدعوى بحق بعض الموقوفين مع عدم كفاية الأدلة المقدمة ضدهم.

- إدانة عدد من الموقوفين وإحالتهم إلى القضاء لمتابعة الإجراءات القانونية أصولا.

- إيقاف من ثبت بحقه تجاوز الإجراءات المسلكية ضد الموقوفين.

بعد أيام اعترف الجولاني بوجود تعذيب شديد في سجونه، وخلص إلى وجود اعترافات منتزعة تحت التعذيب في سجونه، حيث رمى الجولاني الكرة في ملعب الأمنيين وحمّلهم مسؤولية تجاوز ما سمّاها 'الإجراءات المسلكية' ضد الموقوفين.

وبذلك استطاع تقزيم القضية وحصرها في مجموعة صغيرة، لكن السؤال الأبرز كان يدور حول القحطاني الذي لم يتم تعذيبه على يد المحققين والسجانين الذين حققوا وسجنوا العسكريين وعذبوهم، فتحرير الشام قالت في بيانها المتعلق بتوقيف القحطاني أن الأخير يخضع للمسائلة بكل شفافية ووضوح، وأن لجنة التحقيق توصلت إلى أن القحطاني 'أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل'، وفقاً للبيان.

كما أن القحطاني كان ضالع في قضايا ابتزاز مالي التجار في الشمال وفق كلام الشرعي العام للهيئة عبدالرحيم عطون.

وبحسب مصادر موقع تلفزيون سوريا فإن القحطاني كان بحكم المفرج عنه منذ أكثر من أسبوع، لكن بعض العقبات داخل هيئة تحرير الشام أخرت عملية الإفراج عنه، وتمثلت هذه العقبات في دعوى قضائية رفعها كل من الشرعي السابق في الهيئة 'أبي الفتح الفرغلي' المصري الجنسية و 'الزبير الغزي' ضد القحطاني تتهمه بـ: 'العمالة المغلظة لأعداء الدين والمتضمنة جرائم قتل مباشرة وغير مباشرة للمجاهدين لصالح أعداء الدين' وفق بيان نشره الفرغلي على تلغرام.

وبحسب البيان فإن الجهة المدعية قدمت للقضاء أكثر من ثلاثين دليلاً منها شهادات لـ 35 شاهد، وأدلة وقرائن أخرى، إلا أن اللجنة لم تستمع إلا لثلاثة شهود وناقشت دليلين فقط من الأدلة المقدمة ورفضت طلب الجهة المدعية الاستماع لبقية الشهود والتحقيق في بقية الأدلة، مما دفع الجهة المدعية إلى سحب الدعوى.

إلا أن لمصادر موقع تلفزيون سوريا رأي آخر، حيث تقول المصادر أن القحطاني خرج بصفقة كبيرة بين الجولاني وأبو أحمد زكور القيادي المنشق عن الهيئة مؤخراً ورفيق درب القحطاني، وبحسب المصادر فإن اجتماعاً بين الجولاني وزكور جرى في ريف إدلب قبل خمسة أيام كان خلاصة تواصلات لم تنقطع بين الرجلين منذ انشقاق زكور وحتى بعد محاولة قتله على يد مجموعة من المهام الخاصة التابعة لهيئة تحرير الشام في مدينة اعزاز شمال حلب.

وبحسب المصادر فإن الاتفاق النهائي نص على الإفراج عن القحطاني، وعودة زكور إلى إدلب وإلى صفوف هيئة تحرير الشام وإعطاء الرجلين صلاحياتهما السابقة في العمل في ملف شمال حلب دون تدخل من أحد، وبنود أخرى أقل أهمية، مقابل سكوت زكور عن ملفات يمسك بها يسبب كشفها للعلن مشكلات كبيرة للهيئة على الصعيدين الداخلي والخارجي ويضر بعلاقتها مع الجارة تركيا.

كما طلب الجولاني إغلاق المنابر الإعلامية التابعة الرجلين أو تسليم ادارتها للهيئة في اشارة إلى قناة 'إدلب بوست' على تلغرام، والتي شكلت بحد ذاتها صفعة قوية للهيئة، حيث عمل القحطاني وزكور على تشكيلها كمنبر خاص بهم كانت ضمن ما يسمى الإعلام الرديف للهيئة، فكان لها دور كبير في نقل ما يحصل خلف الكواليس.

على الرغم من أن أتباع القحطاني يتحضرون لاحتفال كبير بمناسبة خروجه اليوم، لكن هذه الفرحة الكبيرة تخفي مشهداً ضبابياً خلفها حول مصير القحطاني و'الهيئة'، ويطرح السؤال: هل يعود وضع الجماعة المترهلة لما كان عليه قبل ملف 'العملاء'، أم أن للقحطاني حسابات يريد تصفيتها مع خصوم أربكهم خروجه في اللحظات الأخيرة؟