أزمة الإسكان التعاوني في سوريا: فساد، تعثر، ومدخرات ضائعة… هل تنجح الحكومة في إنقاذ القطاع؟

لطالما شكّل قطاع الإسكان التعاوني في سوريا أملاً لذوي الدخل المحدود في امتلاك منزل بسعر معقول، إلا أن الواقع كشف عن أزمة مركبة تعصف بهذا القطاع، نتيجة عقود من الفساد الإداري، وسوء التخطيط، وتراجع الأداء.

ومع سقوط النظام السابق، بدأت الحكومة الجديدة خطوات إصلاحية جريئة، فهل تنجح في إعادة الثقة وإنقاذ مدخرات المكتتبين؟

حيث شهد قطاع الإسكان التعاوني في سوريا تراجعاً حاداً خلال العقدين الماضيين، ما انعكس سلباً على آلاف الأسر التي كانت تأمل في الحصول على سكن مناسب بأسعار تتماشى مع دخلها المحدود، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات في السوق الخاص.

حل الاتحاد التعاوني السكني

وبحسب تقارير حكومية، فإن الفترة الممتدة بين عامي 2003 و2024 اتسمت بتجاوزات قانونية، وفساد مالي وإداري، ومحسوبيات داخل الجمعيات التعاونية، ما أدى إلى حل الاتحاد العام للتعاون السكني في ديسمبر 2019، ونقل مسؤولية الإشراف إلى وزارة الأشغال العامة والإسكان.

ورغم تطمينات الوزارة بشأن حماية حقوق المكتتبين، إلا أن حالة من القلق سادت بعد الكشف عن امتناع بعض الجمعيات عن تقديم بيانات دقيقة حول تمويل مشاريعها، وعدد المنتسبين، وحجم الأموال المدفوعة، والتي تجاوزت 65 مليار ليرة في حلب وحدها.

ضعف في الاستجابة

الخبير العقاري أسعد الدلاتي أشار في تصريحاته لـ 'الجزيرة' إلى أن الإجراءات المتخذة خلال سنوات الحرب لم تنجح في فرض الشفافية، بل كشفت عن خلل عميق في بنية القطاع، حيث تم حل نحو 200 جمعية ودمج بعضها، فيما وُضعت أخرى تحت المراقبة.

وتُظهر الدراسات أن تجربة الإسكان التعاوني والاجتماعي عانت من ضعف الاستجابة لأزمة السكن، وسوء تنفيذ المشاريع، وغياب التخطيط العمراني المرتبط بالنمو السكاني، ما أدى إلى عجز سنوي يُقدّر بـ130 ألف وحدة سكنية قبل عام 2011.

حتى في أكثر السنوات إنتاجاً، لم يتجاوز إجمالي مساهمة القطاعين العام والتعاوني 20% من الطلب السنوي على المساكن، وفق بيانات رسمية.

ومع سقوط النظام السابق في ديسمبر الماضي، بدأت الحكومة الجديدة خطوات إصلاحية، أبرزها تشكيل لجنة للتحقيق في ملفات الفساد، وتحرير حسابات الجمعيات، ومحاسبة المتورطين، إضافة إلى تأسيس مكتب شكاوى خاص بالمكتتبين.

حلول بديلة

وفي سياق الحلول، أعلن البنك المركزي عن خطة جديدة للتمويل العقاري مستوحاة من تجارب دولية، تهدف إلى تنظيم السوق، وتوفير ضمانات للمقترضين، إلا أن الخبراء يرون أن نجاح هذه النماذج يتطلب إصلاحات هيكلية، أبرزها:

تعديل التشريعات لضمان الشفافية والمساءلة

حماية المدخرات من التضخم عبر ربط الأقساط بمؤشرات مستقرة

إشراك القطاع الخاص في تنفيذ المشاريع

إدخال أنماط سكن بديلة مثل الإيجار طويل الأجل والسكن الاجتماعي المدعوم

وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال: هل تنجح الحكومة في إعادة بناء الثقة بقطاع الإسكان التعاوني، وإنقاذ مدخرات المكتتبين من الضياع؟