اخبار سوريا
موقع كل يوم -الوكالة العربية السورية للأنباء
نشر بتاريخ: ٦ تموز ٢٠٢٥
دمشق-سانا
مع إطلاق الهوية البصرية الجديدة للجمهورية العربية السورية وتجديد اعتماد رمز العقاب كرمز للدولة، حاورت سانا المؤرخ والباحث في علم الآثار في المديرية العامة للآثار والمتاحف، الدكتور محمود السيد للحديث عن الدور المركزي لسوريا في نحت أول رمز للعقاب في العالم، وكيف صاغ هذا الرمز هوية حضارات العالم؟
ما القصة الأثرية التي تثبت أن سوريا أصل شعار العقاب عالمياً؟
التشريف لسوريا لا يأتي من فراغ، ففي مغارة جبل بلعاس شرق سلمية 55 كم عُثر على أقدم نحت صخري للعقاب يعود إلى الألف العاشر قبل الميلاد بطول 25 سم، وعرض 15 سم، يجسد طائراً برأس مرفوع، ونظرة حادة ترمز للكبرياء.
وفي موقع تل الجرف الأحمر، عُثر على أقدم نحت في العالم على حجر بازلتي، حيث اكتشف في الموقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات، على بعد 100 كم شمال شرق حلب، ويؤرخ أيضاً إلى الألف العاشر قبل الميلاد، ويبدو أنه أقدم تاريخياً من نحت جبل بلعاس، وتُثبت هذه المكتشفات أن إنسان سوريا هو أول من حول العقاب إلى رمز مادي للعزة والسيادة.
لماذا اختار السوريون القدماء العقاب تحديداً؟
العقاب في الخيال السوري القديم لم يكن طائراً عادياً، فجناحاه يرمزان للصعود نحو السماء، ومنقاره القوي يعبر عن الشجاعة، ونظره الثاقب يجسد حدة العقل، الأهم أنه طائر كريم النفس يرفض أكل الجيف، خلافاً للنسر.
كشفت تفاصيل منحوتات تدمر الدقيقة، رأس عقاب مغطى بالريش، ذا عنق قوي، وأرجل عضلية تنتهي بمخالب قاتلة، ما يؤكد أن العقاب يصطاد حياً، ولا ينقب عن الميت.
كيف ميز الفن السوري بين العقاب والنسر؟
الفرق جوهري! النسر في المنحوتات السورية يُصوَّر بعنق أصلع طويل ليتحمل دماء الجيف ورائحته الكريهة، أما العقاب فله رأس مهيب مكسوّ بالريش، وجسد رشيق، وعينان قادرتان على رصد الفريسة من 2 كم، وأرجل قوية تحمل مخالب تمزق اللحم.
في تدمر، حاجبا العقاب المقطبان يحميان عينيه من الشمس، وأجنحته العريضة تمكنه من الطيران السريع، وهذه الدقة التشريحية تثبت وعي السوريين القديمين بطبائع الطيور.
ماذا عن دور العقاب في البيئة السورية؟
جبل سنجار على الحدود السورية-العراقية لا يزال أهم موطن للعقبان النادرة عالمياً، وقرية الرحيبة (60 كم شمال دمشق) تعد سوقاً عالمياً لتجارة الصقور.
العقاب السوري حارس التوازن البيئي منذ آلاف السنين، يفترس القوارض والحيوانات الضعيفة، ويحول دون اختلال السلسلة الغذائية.
كيف انتقل الرمز من الآثار إلى شعار للجمهورية العربية السورية؟
شعارنا الوطني ليس 'نسراً'، كما يُخطئ البعض، بل هو (عقاب) بمواصفات المنحوتات السورية، وهي: ثلاثة أجفان لحماية العينين، منقار معقوف، وأجنحة ممتدة كتلك في الجرف الأحمر وبلعاس.
سوريا هي الأولى عربياً في اعتماد العقاب كشعار، وذلك امتداداً لإرث مملكتي ماري وإيبلا، حيث كانت أجنحة العقاب تكلل تماثيل الملوك.
العقاب السوري تجسيد حي للعنفوان، الحرية، السيادة، العزة، ورفض العدوان، رموز صنعناها هنا، واحتضنها العالم، فلم تعظم الحضارات السورية المتعاقبة أي ملك أو كائن حي إلا ووُضعت له أجنحة العقاب السوري في منحوتاتها.