اخبار سوريا
موقع كل يوم -تلفزيون سوريا
نشر بتاريخ: ٢٢ كانون الثاني ٢٠٢٥
تطلّ بقايا بيت أبي خليل القباني '1833-1903'، من المزة كيوان، على وادي بردى وجبل قاسيون، كأنها شاهد على عصر كامل من الإهمال. فمئات التقارير والمقالات الصحفية، لم تتمكن طيلة 54 عاماً، من إعادة الحياة لهذا البيت، عبر ترميمه ثم تحويله لمتحف للثقافة والفنون.
المنطقة حيوية هنا، ووزارة السياحة التي سبق أن استملكت المنزل عام 2010، طرحته للاستثمار بهدف تحويله لمطعم. وبالفعل رسى العقد على أحد رجال الأعمال، لكن لسبب ما، ولحسن الحظ، لم يبدأ العمل بالمشروع.
لم تتمكن وزارة الثقافة طيلة نصف قرن، من الاتفاق مع شقيقتها السياحة، على تحويل بيت أبي خليل القباني، إلى مسرح صغير وصالة يجتمع فيها المثقفون. فالأهمية العقارية للموقع، كانت ترى في المكان أبراجاً ومولات ومطاعم ومجمعات خدمات، أما الثقافة فهي مسألة فائضة عن الحاجة!.
يفقد هذا البيت كل عام، جداراً أو قنطرة أثرية، فيتهالك بشكل أكبر. فهو اليوم بلا سقف، ويقال إن جدارياتٍ كانت تزين الحيطان، نُهبت منه، بالإضافة إلى مذكرات أبي القباني التي اختفت من المكان منذ أمد بعيد.
قدرية عجيبة، من الاضطهاد لاحقت القباني، في حياته ومماته، فرغم النجاح الكبير لأول عرض مسرحي قدمه بدمشق عام 1871، وكان بعنوان 'الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح'، إلا أنه تعرض للاتهام بالبدع وتخريب الجيل بالمشاهد المسرحية، حتى إن الكاتب ممدوح عدوان وصف ما تعرض له القباني من قبل الرجعيين، بالقتل الإبداعي.
تم إيقاف أبي خليل القباني عن العمل المسرحي، في بدايته، وعاد للمتابعة بعد فترة، فقدم نحو 40 عرضاً خلال سنوات، لكنه اضطر لمغادرة دمشق باتجاه القاهرة عام 1884 بعد أن اشتدت عليه الضغوط.
وبالعودة إلى نص 'المضبطة'، التي رفعها الرجعيون، ضد أبي خليل القباني لإيقافه عن العمل، فإنها تقول في جزء منها: 'إنّ وجود التمثيل في البلاد السورية مما تعافه النفوس الأبية، فيُمثّل على مرأى من الناظرين أحوال العشاق، وما يجدونه من اللذة في طيب الوصال بعد الفراق'.
حرض المعادون للمسرح، الناس ضد أبي خليل القباني، فحرقوا مسرحه، ودفعوا الصبية لملاحقته في الشارع والصراخ وراءه: ''أبو خليل القباني.. رجاع لكارك أحسنلك'، وتلك كانت من مجموعة الاضطهادات الكثيرة التي تعرض لها.
لم يُنصف أبو خليل القباني، في المسرح والغناء والموسيقا، رغم أنه اشتهر القباني كملحن لأهم الأغنيات التراثية مثل 'يا مال الشام' و'يا طيرة طيري يا حمامة' و'صيد العصاري' والكثير من الموشحات والقدود التي يرددها الناس حتى الآن.
صحيح أن القباني حظي بعد مماته بسنوات طويلة، بتخصيصه بمسرح حمل اسمه في شارع 29 أيار بدمشق، لكنه بيته المهدم الذي تحول إلى خرابة، مازال لليوم ينتظر الإنصاف، وساحته التي كانت مكاناً للتدريبات على العروض، تستحق أن تعود كسابق عهدها، تضجّ بالمسرحيين والموسيقيين.
كثيراً ما طالب المسرحيون والإعلاميون، بترميم بيت القباني وتحويله إلى متحف، تقديراً لثائر المخيلة الذي شق عصا الطاعة على العادات البالية، وراهن على احتمالات المسرح وآفاقه المحرضة للتفكير، لكن البيت ظل يتهاوى، سنة بعد أخرى، حتى لم يبق منه سوى الأطلال اليوم. فهل ترمم الثورة، بيت أبي خليل القباني، بعد أن حرص النظام البائد طيلة نصف قرن، على إبقائه خرابةً، تتلاشى رويداً حتى الإندثار؟.