اخبار سوريا
موقع كل يوم -عنب بلدي
نشر بتاريخ: ١١ أيار ٢٠٢٥
عنب بلدي – جنى العيسى
في زيارة أوروبية هي الأولى من نوعها، زار الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، برفقة وفد وزاري العاصمة الفرنسية، باريس، تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
أصداء الزيارة حملت نواحي إيجابية تنعكس على سوريا ربما الواضح منها حتى الآن فتح قنوات دبلوماسية بين دمشق ودول الاتحاد الأوروبي عبر باريس، لكنها قد تحمل إيجابيات يتعلق أبرزها بمسألة رفع العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا في عهد النظام المخلوع.
زيارة الشرع جاءت بعد أيام قليلة من زيارة أجراها وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال المؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين السوري والفرنسي في قصر 'الإليزيه'، في 7 من أيار الحالي، أبدى إيمانويل ماكرون دعم استقرار سوريا وسيادتها وقال مخاطبًا الشرع، 'أعتمد عليكم'، مضيفًا، 'سنلاقيه (الشرع) في منتصف الطريق إذا واصل السير على نهجه'.
ماكرون أكد أن سوريا تواجه صعوبات كبيرة، داعيًا المجتمع الدولي للتعاون معها ودعمها للتغلب على هذه الصعوبات، وحول مسألة العقوبات قال الرئيس الفرنسي، إن بلاده ستعمل على رفع العقوبات الأوروبية تدريجيًا عن سوريا.
من جهته، قال الرئيس السوري، إنه بحث مع نظيره ماكرون سبل التقدم في العلاقات المشتركة، وملفات إعادة الإعمار والأمن والعدالة والمساواة.
واعتبر الشرع أن تجاوز التحديات التي تواجهها سوريا تعرقلها العقوبات، قائلًا إنه لا مبرر لاستمرارها، مشيرًا في ذات الوقت إلى 'بشائر جيدة للشعب السوري بعد هذا الاجتماع' دون أن يوضحها.
منذ سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024، قادت فرنسا جهودًا لفتح تواصل وإقامة علاقات مع سوريا الجديدة، حيث كان وزير الخارجية الفرنسي أول وزير أوروبي يزور دمشق برفقة وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في 3 من كانون الثاني الماضي.
كما استضافت باريس، في 13 من شباط الماضي، مؤتمرًا لدعم سوريا جاء فيه تأكيد مشترك على الرغبة في العمل الجماعي من أجل ضمان نجاح العملية الانتقالية في سوريا بمرحلة ما بعد الأسد، في إطار عملية يجب أن يقودها السوريون ويملكونها، بروح المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن '2254' لتمكين الشعب السوري من بناء مستقبل أكثر أمنًا وسلامًا.
مما لا شك فيه أنه منذ اللحظة الأولى لتولي الإدارة الجديدة زمام الحكم في سوريا، كان العنوان الأبرز لسياسة العلاقات الدولية هو تصحيح اعوجاجات السياسة الإقليمية السورية في عهد النظام البائد عبر نهج الانفتاح المدروس على كل الخطوط، وفق ما قاله مدير الأبحاث والسياسات في مركز 'عمران للدراسات الاستراتيجية'، معن طلاع.
وأشار طلاع، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن بداية الحقبة شهدت توازنًا في العلاقات العربية، 'اليوم نجد أيضًا هناك إعادة فتح مسار جديد لعلاقات أكثر إيجابية مع الاتحاد الأوروبي، وهي استمرار لتعزيز رسالة تحاول دمشق أن تقولها للمجتمع الدولي بأن سوريا لن تكون مكان نزاع لأي قوى دولية وإقليمية، ولن تكون مصدرًا لنزاع يؤثر على معدلات الأمن الإقليمي'.
معن طلاع يرى أن زيارة الشرع إلى فرنسا تأتي ضمن هذا المسار بهدف إعادة تصحيح نهج العلاقات الدولية، هذا بالمعنى الاستراتيجي، ويمكن عنونتها بأنها كانت زيارة 'إيجابية' أتت بعد أخرى 'إيجابية' أجراها الشيباني إلى أمريكا، ستسهم الاثنتان في خلق أجواء دبلوماسية دولية وإقليمية تهدف إلى أمرين مهمين في المشهد السوري، الأول تعزيز شروط الاستقرار والسلام في المنطقة، والثاني رفع العقوبات المفروضة على سوريا.
ويعتقد طلاع أن هذه الزيارة ستشكل بادرة لسلسلة انفتاحات نحو دمشق على المستوى الأوروبي عمومًا، ففرنسا التي تتسم بموقف حازم تجاه حزب 'الاتحاد الديمقراطي' (PYD)، وهو أكبر أحزاب “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، وموقف داعم كحليف استراتيجي، ولديها العديد من المنهجيات المرتبطة بمؤشرات حقوق وموضوع الأقليات والطوائف في سوريا، أقدمت على استقبال الشرع، وبالتالي يمكن أن تعتبر فعلًا هذه الزيارة هي بوابة دخول دول أخرى جاهزة للانفتاح نحو دمشق.
وما يعزز هذا الاعتقاد أن دول الاتحاد الأوروبي قبيل سقوط نظام بشار الأسد كانت تعيد استراتيجيتها في المشهد السوري عمومًا من منظور مصلحي بحت، يتصدّره موضوع اللاجئين، واليوم الموضوع الآخر الذي يُقرأ أيضًا هو ملف إعادة الإعمار.
يمكن القول إن الزيارات الدبلوماسية المكوكية التي شهدتها دمشق خلال الفترة الأخيرة، مثل الأوروبية والألمانية والإيطالية، وبعض الوفود الأوروبية، ستشكل عاملًا داعمًا لسلسلة لقاءات وزيارات وعلاقات أفضل على مستوى السياسة الخارجية، لا سيما أن هناك بوادر إيجابية أطلقتها بعض دول الاتحاد الأوروبي، كالرضا عن الحكومة الانتقالية وطبيعتها وتشكيلتها، فضلًا عن إزالة بعض العقوبات الأوروبية بشكل جزئي.
معن طلاع
باحث سياسي
مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس، الدكتور سلام كواكبي، قال حول دلالات الزيارة، إنها جاءت في ظل الصعوبات السياسية الداخلية التي تسبب جزئيًا الرئيس إيمانويل ماكرون في استفحالها، لكنه حاليًا يبحث عن لعب دور خارجي يمكن أن يحمل له نتائج إيجابية، يضاف إلى ذلك علاقة تاريخية بين البلدين تعود للقرن الـ14 مليئة بالأحداث والمصالح، و'انتداب لم يكن بعنف الاحتلالات الفرنسية التقليدية'.
كما اهتمت فرنسا التي تشعر بأن لبنان موطئ قدم استراتيجي لها في الشرق، بأن تحاور جارته الكبرى سوريا للتخفيف من خطرها عليه كما يعتقد بعض الساسة الفرنسيين، وفق ما يرى كواكبي في حديث لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن دعوة الرئيس الشرع هي خطوة ذات دلالات سياسية وأمنية واقتصادية، وسيكون لنتائجها دور في تسريع المسار الأوروبي تجاه دمشق أو في إبطائه.
قال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، تزامنًا مع زيارة الشرع، إن بلاده لن تقدم 'شيكًا على بياض' لسوريا، وستحكم على سوريا بناء على أفعالها، مضيفًا أن باريس ترغب في ضمان تركيز سوريا على مكافحة الإفلات من العقاب والحد من العنف الطائفي ومواجهة تنظيم “الدولة”.
بارو أضاف أن فرنسا طلبت من الشرع القدوم إلى فرنسا، وذلك بعد تعهد الرئيس السوري بالمضي قدمًا في مكافحة الإفلات من العقاب.
الباحث السياسي معن طلاع، يرى أن المؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين السوري والفرنسي أوضح بشكل جلي مساحات الالتقاء والتباين بين الطرفين.
من الملفات التي يبدو أن الطرفين متوافقان عليها الاقتصاد، وملف إعادة الإعمار، وملفات الأمن، وضرورة أن تكون هناك مجموعة من المبادرات لتهيئة أجواء سلام في المنطقة والضغط على إسرائيل لإيقاف عدوانها على الجغرافيا السورية، بالإضافة إلى ملف اللاجئين وبعض الترتيبات السياسية داخل سوريا التي تعزز مشاركة مختلف الأطراف في السلطة، وفق طلاع.
الواضح أيضًا، بحسب رأي معن طلاع، أن من أبرز التباينات بين دمشق وباريس ملف المقاتلين الأجانب، الذي تمتلك دمشق فيه استراتيجية واضحة.
فيما يرى الدكتور سلام كواكبي، أن المؤتمر الصحفي حمل رسائل عدة عكست كثافة وأهمية ما تمت مناقشته في قصر 'الإليزيه'، إلا أنه لا يمكن التنبؤ بنتائج الزيارة قبل التعرف إلى الخطوات التي يزمع الشرع تنفيذها للحصول على القبول الحقيقي والمنتج من قبل الغرب، قبول مرتبط بتحقيق الاندماج السياسي وتمثيل واسع لمختلف المكونات وإصدار نتائج التحقيقات بما حصل في منطقة الساحل وسواها.
شيماء عبد الحميد، الباحثة المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ترى من جهتها أن العلاقات الفرنسية- السورية تشهد قدرًا ملحوظًا من التحسن بعد سنوات طويلة من القطيعة، ويبدو أن هذا التحسن يأتي مدفوعًا بمجموعة من الأهداف والمصالح التي تسعى إليها كل من فرنسا وسوريا، ولكن هذا لا يعني أن مستقبل العلاقات بين البلدين لا يواجه العديد من العراقيل والتحديات، سواء كانت ترتبط بالداخل السوري وما يشهده من فوضى أمنية تهدد وحدة واستقرار دمشق، أو ترتبط بالمواقف الإقليمية والدولية تجاه الإدارة السورية الجديدة، التي لا تزال تعاني من سياسة العقوبات والعزلة.
وهذا الوضع يفرض على فرنسا أن توازن بين الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة، وبين إلزامها بتنفيذ تعهداتها المتعلقة بالعدالة السياسية وحماية حقوق الإنسان والمساواة بين كل أطياف الشعب السوري وخاصة الأقليات، فيما يفرض على إدارة الشرع أن تتخذ خطوات ملموسة، تثبت التزامها بمطالب المجتمع الدولي، ما يمكنها من اكتساب شرعية دولية كاملة، تحقق لها كل المصالح الأمنية والاقتصادية التي ترغب بها.