اخبار سوريا
موقع كل يوم -الفرات
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
قلعة جعبر هي إحدى القلاع المنتشرة في الربوع السورية تقع على الضفة اليسرى لمجرى نهر الفرات على بحيرة السد وتبعد نحو 17 كم عن مدينة الطبقة و65 كم عن مدينة الرقة غرباً فوق هضبة من الحوار والدولوميت ويبلغ منسوب قمتها 347م عن سطح البحر وتمتد طولاً من الشمال إلى الجنوب 320 م وعرضاً حوالي 170 م من الشرق إلى الغرب تتوسطها مئذنتها العالية حيث يطل المرء منها على معظم وادي الفرات.
يحيط بالقلعة سوران دفاعيان فيهما 35 برجاً دفاعياً وهي تقع إلى الجنوب من ناحية المربيط مقابل موقع صفين التاريخي وتشرف عليه فهي من الحصون المنيعة وتعد محطاً هاماً للرواحل على الطريق الممتدة عـبر الرقة ومدينة بالس( مسكنة القديمة ) وكانت تعرف قديماً عند العرب في الجاهلية والإسلام بـ ( دسرة ) لبانيها ( دوسر ) غلام الملك النعمان بن المنذر إلا أن أكثر الروايات التاريخية لا تؤيد ذلك .
ثم سميت جعبر نسبة إلى مالكها ( جعبر بن مالك القشيرى ) من قبلية بن قشير العربية الذي استولى عليها في العهد السلجوقي , وجاء في تاج العروس ( الجعبر : القصب الغليظ القصير الجذر الذي لم يحكم تحته ) وكان جعبر هذا يخيف المعابر المؤدية لها ويقطع الطريق هو وولده على الرغم من أنه أعمى ثم يأوي إليها بعد غاراته المتواصلة محتمياً بها وبقيت في يده إلى أن حاصرها السلطان ملكشاه أبن ألب أرسلان السلجوقي وهو في طريقه إلى حلب عام 479 هـ بعد أن نصب المجانيق وملكها وقتل جعبر وولديه وأقطعها لسالم بن مالك بدران العقيلي تعويضاً عما فقده من ممتلكات وبديلاً عن قلعة دمشق التي تسلمها منه .
نزلها الآتابك عماد الدين زنكي بن آقستقر في أواخر عام 540 هــ ــ 1145 م ونزل تحت برجها الشمالي مستهدفاً الاستيلاء عليها بهجوم مباغت على حين غفلة من أهلها فصمدت القلعة لهذا الهجوم وكادت تستسلم له بعد تضييق الحصار عليها أثر قتال مرير استمر حتى الخامس من ربيع الآخر من عام541 هـ ــ ( 14 9 1146 م ) وفي الليل قتل عماد الدين زنكي وهو نائم غيلة وغدراً بيد أحد خدمه المدعو ( برتقش ) لتأنيبه إياه وغادر المعسكر هارباً مما اضطر إلى فك الحصار عن القلعة .
وقد تعاقب على القلعة أفراد من سلالة العـقـيلين أخرهم شهاب الدين بن عماد الدين بن مالك بن علي حيث تسلمها في عام 564 هـ ــ 1186 م السلطان العادل نور الدين بن عماد زنكي بعد أن حاصرها بقوات وامتناعها عليه ووقوع أميرها في يده فعوض عليه بديلاً منها : سروج وأعمالها , والملاحة بين بلد حلب والباب و بزاعة , وعشرين ألف دينار معجلة , وهذا إقطاع عظيم جداً إلا أنه لا حصن فيه .واستدل على مكانة القلعة وأهميتها الدفاعية ومدى حمايتها لمالكيها من عارفيها , ومن سؤال وجهه إلى شهاب الدين الذي سلمها للسلطان نور الدين إذ سئل : ( أيهما أحب إليك وأحسن مقاماً سروج والشام أم القلعة ؟ فأجاب : هذه أكثر ماءً وأما العز فقد فارقنا بالقلعة .لقد تعاقب عليها السلاجقة الاقابكيون , والأيوبيون والصليبيون ( أمراء الرها ــ أورفة ) والمغول والمماليك والعثمانيون فهي بتاريخها ونشأتها أكبر قلعة يضمها حوض الفرات أنها عربية في طرازها البنائي إذ تعتبر متحفاً معمارياً فريداً .
تتميز القلعة بموقع حصين مهيب من الوجهتين العسكرية والمعمارية وقد شهدت معارك ضارية جرت بين الروم البيزنطيين والفرنجة والمغول وبين من تعاقب عليها من العرب والمسلمين , وأصيبت بالتنكيل والخراب بأهلها ومبانيها إلا أن آثارها نالت عناية عمرانية زمن الأيوبيين والمماليك وجددها الملك الناصر محمد بن قلاوون بإعادة بنائها بعد أن دمرها هولاكو عام 735هـ ــ 1334م في سلطنته الممتدة بين عامي 709 هـ ــ 741 هـ ( 1309 ـ 1340 م ) ثم رممها الأمير سيف الدين تنكز نائب دمشق بين عامي 742 ـ 761 هــ ( 1340 ــ 1359 م ).
وصف القلعة :
مدخل القلعة المؤدي إليها متكسر عسكري في تصميمه لصد غائلة المغيرين المهاجمين عند مداهمته واجتيازه , يتلوه نفق منقور في الصخر وهو مدخلها الثاني , وسورها المؤلف من خطين دفاعيين يتقدم أحدهما الأخر بينهما ممر . أقيم السور فوق الصخور التي تعتبر القاعدة والقلعة فوقها يحيط بها ( 35 ) برجاً قد توازعتها جوانب السور بشكل رتيب برزت عن الجبهة من فوق المنحدر أخذة به وقد اختلفت مخططاتها الهندسية منها المربع , والمخمس , والمثمن الأضلاع والدائري المنصف جلها من القرميد المشوي إلا أنها طعمت وأدخلت عليها قطع حجرية قد أتت إليها من جراء الترميمات التي أقيمت بها في عصور متأخرة .
والجدير بالذكر أن الأبراج التي تعتبر من مهام الدفاع الرئيسية في القلاع تبدو كالقلاع الصغيرة لها حاميتها ومتطلباتها الدفاعية إضافة إلى تنوع أشكالها وتعدد ميزاتها منها من هو بطابق واحد ومنها من هو بطابقين وبعضها الأخر أقيم من ثلاث طبقات وبأحكام هندسي رائع غاية في الدقة والمناعة توازعتها مرامي السهام على أطرافها التي كانت وسائل الدفاع الرئيسية في تلك
العصور .
كانت القلعة تضم العديد من المنشآت من بيوت أمير القلعة وتقع في الجزء الجنوبي الغربي كما تضم مهاجع الجند ودوراً للسكن ومسجداً وخزانات ماء والحمام وكل ماتتطلبه الإقامة المستمرة في القلاع والحصون من ذخائر ومؤن ولم يتبق من مبانيها إلا بعض الأبراج المتناثرة بقاياها , وبقايا برج دفاعي رئيسي يقوم فوق المدخل الثاني يعرف ببرج عليا وبقايا معالم لمخطط مسجدها مئذنة شماء وسط القلعة أسطوانية الشكل على قاعدة مربعة شامخة بارتفاعها القائم من الآجر المشوي الجميل تشرف على ما حولها بكنفها كوى صغيرة طولانية من أطرافها , وكأنها مرامي سهام تأتي تباعاً وصعوداً مع التفاف الدرج , وقد أكسبتها صبغة زخرفية ميلة مع بساطتها ليتستر بها المؤذن عند ارتقائه للأذان , ويقوم في أعلى المئذنة شرفة واسعة انتهت بأقواس وهي بمجموعها كأنها الجو سق وتحت مستوى الشرفة شريط كتابي بالخط النسخي يطوقها .
إن معظم المنشآت الباقية اليوم شادها الملك السلطان العادل نور الدين الشهيد ، وقد اتخذ أحد الأبراج في القلعة متحفاً يضم اللقى الأثرية التي كشفت عنها الحفريات في منطقة السد أما القبو الكائن في الباحة المتقدمة قبل المدخل الثاني فقد أقيم فيه المدفن الروماني الذي يعود للفترة الواقعة بين 251 ــ 253 م وأيام الإمبراطور غاللوس والذي يعتبر فريداً من نوعه بعدما تم الكشف عليه ونقله من موقع عناب السفينة , ويتألف المدفن من حجرين جنائزيين وقد زينت واجهات المدفن فيها بالسواكب المزهرة المليئة بالزخرفة والتماثيل والتي يبلغ عددها عشرة تماثيل صغيرة تمثل ستة منها بسيثة ( رمز النفس البشرية ) وأربعة تمثل الأسفكنس بشكله اليوناني المؤنث وقد شوهت معظم هذه التماثيل عن طريق بحث الزوار اللا واعين .
كما شوهد أثناء التنقيب في القلعة عدداً من المدافن المنحوتة في الصخر في سفح القلعة الغربي معظمها من أيام البيزنطيين وأهمها مدفن بأبعاد 16،95 × 8،85 م حوله 9 إيوانات منحوتة في الصخر وعليها علامة الصليب كما عثر على أواني خزفية بعضها سلجوقي ربما يعود إلى أيام السلطان كيخسرو بن كيخياز السلجوقي ( 634 ــ 644 م ) هذا وقد رمم قلاوون القلعة أيام المماليك وبنى السلطان سليم الأول مزار لجده العثماني في بداية القرن السادس عشر دعي ( تركي مزاري ) . وهو سليمان شاه الجد الأكبر للعثمانيين وكان قد غرق في نهر الفرات سنة 629 هـ ــ 1231 م أمام القلعة أثناء عبوره النهر مع ولديه وقد كان سليمان شاه أحد الأمراء الأتراك من منطقة ماهان في تركية فـر هارباً أمام المغول مع جماعة من حرسه سنة 683 هـ ــ 1284 م قاصداً مناطق حلب حيث غرق أمام القلعة وبني له المزار في الجانب الغربي منها على بعد نصف كيلو متر تقريباً وقد جدد فيما بعد على يد السلطان عبد الحميد إلى أن نقل إلى تركيا عام 1973 بعد تحويل مجرى نهر الفرات وتشكل بحيرة السد .