«تاج وولاد بديعة».. الثمار الأولى لوجه «سحارة» موسم الدراما

تشرين- علي الرّاعي:

(1)

ثمة أكثر من إشارة تؤكد أنّ مسلسلي (تاج) تأليف عمر أبو سعدة، وإخراج سامر برقاوي، ومسلسل (ولاد بديعة) تأليف علي وجيه ويامن حجلي؛ إخراج رشا شربتجي.. هما في مقدمة المسلسلات الأكثر متابعة، بل هما على ما يبدو إلى الآن 'وجه السحارة' لموسم (2024)، ولاسيما ما يظهر على صفحات السوشيال ميديا باعتبارها تعتبر اليوم 'التيرمو متر' الأهم لقياس الرأي العام، ولاسيما من خلال ما أثارا من جدل وسجال بعد عرض كلّ حلقة جديدة منهما، أو من خلال التعليق على أداء الممثلين، وربما كانت هذه الناحية هي الأبرز في سجالات المعلقين، وحتى النقّاد…

(2)

وصول المسلسلين السابقين (تاج وولاد بديعة) للمقدمة بعد عرض ما يُقارب من عشر حلقات، أمرٌ نتفهمه لغير سبب.. فقد أمسى وجود ممثل بحجم تيم حسن، وتنويعاته في فن التمثيل، وخبرته الواسعة في أن يُقدّم الشخصيّات التي يُجسدّها كاملة دون نقصان؛ يكفي وحده لأن يُكسب العمل الدرامي ثلاثة أرباع نجاحه دفعةً واحدة، وهو ما حققه تيم حسن منذ أدواره الأولى في مسلسلات: الانتظار، الملك فاروق، عاصي الزند، وحتى في مسلسل الهيبة – رغم كل ما قيل عنه – وإلى اليوم في مسلسل تاج.. شخصية تاج التي أداها تيم حسن بعيداً عن نمطية 'البطل الشعبي' رغم كل 'شعبوية' الشخصية، ورغم الكثير من 'رامبوويتها' إن صحّ التعبير، ولاسيما في المشي وطريقة النطق، وبالكثير من تقنيات الأداء والتي يبرز من خلالها تيم حسن كـ'معلم' في هذا المجال، ومع ذلك كثيراً ما كان ينزل بهذه الشخصية لمستوى المُهرج ولاسيما في الارتجالات التي كانت تظهر بين مشهدٍ وآخر، ومن خلال 'اللازمات' التي تُمسي لازمة للكثيرين وتعلق بهم حتى موسم درامي كـ'دخيل شيتاتك' في (تاج) مثلاً.

(3)

على العكس من مسلسل (تاج)؛ الذي كان حامل النجاح الأول فيه الفنان تيم حسن؛ فإن حامل النجاح الأول في مسلسل (ولاد بديعة) هو المخرج، وليس الممثل، وهنا يحضر اسم المخرجة رشا شربتجي، كاسم يتقدم الصف الأول بين صفوف المخرجين السوريين، والتي في كلِّ مرة تُقدّمُ إبداعاً مُختلفاً، كثيراً ما يكون النجاح حليفه، وهو ما أثبتته منذ تجاربها الأولى إلى اليوم… رشا شربتجي التي أثبتت جدارتها في إدارة المشاهد الطويلة دون أن تُفرّط بعناصر التشويق والجذب، أو تترك مجالاً لتسرب الملل إلى النفوس..

(4)

الممثل في المسلسل الأول – تاج، والمخرجة في المسلسل الثاني -ولاد بديعة، انعكس على أكثر من ملمح، ليس أولها مظاهر 'البطولة' وشكلها في المسلسلين، حيث البطولة المطلقة في المسلسل الأول الذي أخذ اسم الشخصية الرئيسية اسماً له، والتي لها – على ما بدا – الكثير من الحسنات، وربما أكثر من استفادَ من حسناتها 'الممثل السنيّد' لصاحب البطولة المطلقة، هذا ما أبرز ممثل مثل أنس طيّارة في مسلسل (عاصي الزند)، وهو الأمر الذي يستفيد منه اليوم كفاح الخوص في (تاج)، وهو ما سينعكس سلباً على الممثلين النجوم، كما حصل للفنان فايز قزق في مسلسل (عاصي الزند)، والذي يحصل اليوم للفنان بسّام كوسا في مسلسل تاج.. واللذين يبدوان 'سنيدان' للبطل في كلّ مرة..

(5)

في مسلسل (ولاد بديعة)؛ سيبدو الأمر مفارقاً كثيراً لما أسلفنا به.. هنا سيكون كلّ الممثلين ببطولة مطلقة بمن فيهم الذين انتهت أدوارهم منذ الحلقة الخامسة، ولن ترى فيه أي أثر لبطولة مطلقة، بل ستجد منافسة في الحضور والبطولة في أداء الشخصيّات، والجميع في الواجهة، بل ومن الصعوبة أن تُقدّر من هو الممثل الأول الذي جسّد الشخصية الرئيسية، لأنه ببساطة لا وجود للشخصية التي تكون هي الوحيدة التي تُسيّر الأحداث.. وهو من جعل من دور يُؤدى شبه صامت، تُردد صاحبته جملة: 'الله كريم' لـ(بديعة – إمارات رزق) التي أخذ المسلسل من اسمها عنواناً في كلّ الحلقات التي ظهرت من خلالها، اختصرت خلالها كل الإبداع التمثيلي التي استطاعت أن توصل عبره كلَّ الرسائل الجمالية والفنية والفكرية، وتُلفت الانتباه إليها، الأمر الذي وضع شخصيتها على التوازي مع مختلف الشخصيّات الأخرى رغم حضورها الواسع..

ففي مسلسل (تاج) ثمة جانب من السرد الروائي الواضح، والذي كثيراً ما أخذ جانباً توثيقيّاً، حيث تجسّد بحضور (الراوي) أو السارد – كما في الروايات – أو الإبداع الروائي، تلك المهمة التي كانت من نصيب كفاح الخوص لأن يرويها، وهو ما يوفر مناخات حضور الشخصية الأولى المؤثرة في دفع الأحداث إلى مناحٍ معينة.. هنا حيث تمّ استحضار زمن بكامله بأماكنه وناسه وأزيائه، بخونته ووطنييه.. حيث الشوارع والسيّارات والأزياء والنساء اللواتي هنّ على النقيض مما أراده المسلسل السيئ الذكر (باب الحارة) ومشتقاته مما لحق بالحارة الدمشقية.. ودون أي التباس وعلى أكمل ما تكون المشاهد..

رغم ما يُحكى عن أن الديكور اصطناعي تم بناؤه بالكامل ليناسب بيئة مدينة دمشق زمن أربعينيات القرن الماضي وربما دون ذلك، قادماً من دمشق السحر، دمشق التي كانت تهبُّ عليها الحداثة والمعاصرة من جهاتها الست…

فيما كانت (الحالة الدرامية) لواقع عام هي الأكثر حضوراً في مسلسل (ولاد بديعة)، والتي كانت نتاج صراعات لأبناء المجتمع في زمن ما اختصرت أو تكثفت بصراع (الأخوة – الأعداء).. وربما من هنا نتفهم سرد زمنين في آنٍ معاً في هذا المسلسل، وهذا ما وفّر لفتح المجال لعرض سيّر جيلين معاً ودفعةً واحدة، حيث تُبيّن السير الأولى للشخصيّات المآلات الحالية لشخصيّات اليوم، وكأن ثمة جزأين للمسلسل يسيران معاً بين الماضي والحاضر، وهذه ميزة أخرى لمسلسل (ولاد بديعة)..

(6)

يأتي مسلسل (ولاد بديعة)، سابعاً كتابةً في عمل الثنائي علي وجيه، ويامن حجلي، اللذين أثبتا في كلِّ مرة نجاحاً مختلفاً، لاسيما بتسليط الضوء على شرائح شبه متوارية في المجتمع، أو نمرُّ بجوارها دون أن ننتبه إليها، إضافة لطرح قضايا لاتزال تفعل فعلها الحارق والجارح في جسد مجتمعاتنا، وذلك من خلال طرح قضايا أقرب للتحقيقات الاستقصائية، وهو الأمر الذي كان على الجميع أن يُقدمه في المسلسل، وهو الأمر أيضاً الذي انتفى من خلاله وجود البطولة المطلقة المحركة للأحداث التي تقوم على الجشع والطمع والخيانة والغدر، فيما الحبُّ كان منزوياً وخجولاً لا يتعدى النظرات والتردد والخوف بين (نظمي – هافال حمدي) و(وولاء عزّام – زهور).. أو لحظات الحب السريعة في الحلقة السابعة من المسلسل بين عبير – روزينا لاذقاني) و(مختار – محمود نصر) الذي أشعل بداخله العودة لاتقاد شعلة الفن والرسم التي كادت تموت في داخله وسط طغيان الصراعات عليه وعلى من حوله..

(7)

ربما من أجمل ما في مسلسل (ولاد بديعة)؛ هو الاشتغال – على ما يبدو كان طويلاً – على قضيتي (الخير والشر)، وهذا ما لم نجده في الدراما على أنواعها (دراما تلفزيونية، مسرح، وسينما)، ربما فقط في أفلام المخرج عبد اللطيف عبد الحميد.. والذي أكدّ عليه مسلسل (ولاد بديعة)، ومن هنا، أقول أنه جاء كأجمل ما في المسلسل من وجهة نظري.. حيث هنا لا شر مطلق ولا خير مطلق، وليس هناك من هو شرير بالخالص، كما ليس هناك من كائن خيّر صرف، وكما الخير موزّع عند كل البشر بنسب متفاوتة، كذلك الشّر موزع عند كل البشر بالنسب ذاتها، ومن هنا كان من الصعوبة لأي مشاهد أن 'يتعاطف' مع أي شخصية، بما فيها الشخصية التي يُجسدها 'نجمه المُفضل' إن وجد، وكذلك لا توجد تلك الشخصية التي هي 'حمّالة' لكلِّ هذا الشّر وحدها، ومن هنا لم تتوفر الشخصية التي يُمكن لها أن تتحمل 'الكره' أو النفور، وهذا ما يُحسب لمسلسل (ولاد بديعة)، فالمتلقي مضطر لأن يتعاطف مع الشخصيّات كلها، ونتفهّم ردود أفعالها بخيرها وشرها.