اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ١٩ حزيران ٢٠٢٥
مئات الأطفال السوريين اللاجئين في العراق محرومون من حقّ الحصول على الجنسيّة السورية، مما يضعهم في مصير مجهول، ويجعلهم تحت رحمة اللجوء، من دون مستمسك ثبوتي يربطهم بـ'الوطن'. في هذا التحقيق ترصد 'العالم الجديد' وتوثّق ما يعيشه الأطفال السوريون في مخيّمات اللجوء في العراق.
التحقيق من إعداد أسعد حسين وموقع 'العالم الجديد' وينشره 'درج' بالتزامن
'بينما رحل نظام الأسد قبل نهاية العام الماضي، تاركاً خلفه إرثاً من الأزمات السياسية والاجتماعية، يعيش الآلاف من السوريين بعيداً عن أرض الوطن. ويواجه المئات من أطفالهم اللاجئين في مخيّمات إقليم كردستان شمال العراق، التي تؤويهم منذ سنوات، مصيراً مجهولاً حتى بعد رحيل النظام. ورغم مراجعات ذويهم السابقة، لم يحصلوا على الجنسيّة السورية، مما يفاقم من مستقبلهم المجهول. هذه المشكلة تضاف إلى باقي ظروف الحياة الصعبة التي يعانون منها في ظلّ اللجوء، هرباً من ويلات الحروب والتطرّف وصعوبة العودة'.
بين جيلين… معاناة الهروب وحرمان الجنسيّة
ليس نقص مستلزمات الحياة الأساسية هو ما يؤرق مضاجع اللاجئين السوريين في مخيّمات دوميز في محافظة دهوك (نحو 480 كلم شمال بغداد) فالكثير من أطفال المخيّم وُلدوا وكبروا من دون امتلاكهم جنسيّة بلدهم الأمّ، رغم كلّ محاولات ذويهم.
قرب أبواب مخيّم دوميز1، يقف نوّاف محمّد مع أحفاده الخمسة، وبالرغم من فرحه برحيل النظام، يجد نفسه حائراً تجاه مصير الأطفال الذين وُلدوا داخل أسوار المخيّم، وعاشوا من دون أي مستمسك يربطهم بالوطن. في عام 2012، جاء نوّاف (61 عاماً) وولده صلاح الذي يعمل عامل بناء إلى العراق، هرباً من ظروف الحرب والعصابات المتطرّفة، وتزوّج ابنه بإحدى لاجئات المخيّم.
لكن بعد 13 عاماً من محاولات عديدة لمنح أحفاده (أكبرهم 10 سنوات، وأصغرهم 3 سنوات) الجنسيّة، لم يحصل أي منهم عليها. يقول نوّاف إنه لا يعلم مصير أحفاده من دون أي مستمسك، فبلدهم الأمّ في أيّام النظام رفض منحهم الجنسيّة برغم توكيله محامياً ورفع دعوى داخل سوريا لمنح أحفاده الجنسيّة، لكنّ كلّ محاولاته انتهت بالفشل، وحالياً لا يعلم ما هو مصيرهم، ولا كيفية العودة بهم من دون أية أوراق ثبوتية تثبت انتماءهم إلى الوطن.
ينظر نوّاف بحسرة إلى أحفاده وهم يلعبون، قائلاً: 'لا أعلم على ماذا أحزن: على مصير عائلتي؟ أم على ظروفها الصعبة التي ترزح تحتها داخل المخيّم؟ فابني يخرج من الصباح حتى المساء ليعمل في البناء من أجل توفير لقمة العيش لأولاده، والأدهى من ذلك هو مصير هؤلاء الأطفال؛ فهم من دوّن هوية ولا وطن، يلعبون اليوم لكنّهم لا يعلمون ما ينتظرهم غداً في ظلّ البقاء مجرّد رقم في مخيّم من دون هوية أو مستمسك'.
يأمل نوّاف واللاجئون الآخرون في الحصول على جنسيّة لأولادهم، أملاً في الحصول على جواز سفر، والسفر يوماً للهروب من ويلات الحروب ومعاناة اللجوء.
يُعتبر مخيّم دوميز1 من أكبر مخيّمات اللاجئين في العراق، أُنشئ في العام 2012 على شكل خيام، ثم تحوّل إلى ما يشبه المنطقة المغلقة بأسوار، ويضمّ حالياً 13 حيّاً، وفي السنوات الأولى لتأسيسه، استقبل أكثر من 50 ألف لاجئ، لكنّ العدد انخفض مؤخراً ليصل إلى قرابة 30 ألف لاجئ وأكثر من ستة آلاف عائلة، ويوجد في دهوك وحدها خمسة مخيّمات للاجئين السوريين.
وبحسب آخر تقارير الأمم المتّحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، يستضيف العراق أكثر من 327 ألف لاجئ وطالب لجوء، 90 في المئة منهم من السوريين، ويعيشون في إقليم كردستان العراق، فيما يعيش أكثر من 70 في المئة من اللاجئين في المناطق الحضرية، ويُقيم 30 في المئة في تسعة مخيّمات في الإقليم، ويشكّل الأطفال تحت سن 18 عاماً 41 في المئة من اللاجئين. وبحسب المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، فإن العدد الإجمالي للسوريين اللاجئين في العراق، بلغ حتى نهاية العام الماضي أكثر من 303,500 شخص.
معاناة مشتركة وجنسيّة مفقودة
ويعيش في عموم العراق أكثر من 240 ألف لاجئ سوري، يعتمدون على بطاقة اللجوء التي تقدّمها المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، وتُعرف بـ'الفورمة' كهوّية تعريفية، لكنّ هذه البطاقة لم يتمّ تجديدها لهم منذ قرابة العام، كما أبلغنا من التقينا بهم من النازحين.
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتّحدة، هناك 247,302 لاجئ سوري ضمن 74,484 أسرة لجأت إلى العراق منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011، معظمهم يقطن في محافظات إقليم كردستان، وبالأخصّ في أربيل ودهوك. يعيش القسم الغالب منهم في مخيّمات للاجئين وسط ظروف صعبة، أغلبهم يعتمد على المعونات التي تقدّمها المنظّمات الدولية، بينما يُسمح للبعض الآخر بالعمل وإعالة نفسه وعائلته، في حين يعاني جزء منهم من عدم حصول أبنائهم على الجنسيّة بعد زواجهم في المخيّمات، ويكتفون بورقة من الأمم المتّحدة تثبت عدد الأفراد الساكنين داخل المخيّم، لكن حتى هذه الورقة لم تجدّد مؤخّراً بسبب الظروف الصحّية تارة، والروتين تارة أخرى. كما أن أبناء المخيّمات لم يحصلوا في 2024 على مساعدات سوى مرّة واحدة، بلغت قيمتها قرابة 100 ألف دينار (70 دولاراً) المفروض أن تساعدهم في التغلّب على ظروف الحياة.
مصير مشترك مجهول
في داخل مخيّم دوميز1 ودوميز2، يقطن أكثر من 10 آلاف عائلة سورية، تضمّ أكثر من 42 ألف لاجئ، وفقا لإحصائيات الأمم المتّحدة. ليس أحفاد نوّاف هم الوحيدون في المخيّم الذين حُرموا حقّ الحصول على الجنسيّة السورية، بل هناك العشرات من قصص الأطفال الآخرين الذين وُلدوا وعاشوا في المخيّم من دون أي وثيقة تثبت انتماءهم إلى بلدهم الذي حُرموا من رؤيته ومن جنسيّته.
منذ 2014، يعيش عماد صبري داخل المخيّم، وهو الآخر حُرم أبناؤه من جنسيّة بلدهم الأمّ. هذا اللاجئ الذي وصل إلى كردستان العراق في 2013، هرباً من الظروف الأمنية الصعبة في بلدته ديريك التابعة لمحافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سوريا، على الحدود العراقية السورية، يعاني من وضع مشابه. أبناء عماد الثلاثة الذين وُلدوا بين 2016 و2020 لم يحصل أي منهم على الجنسيّة السورية، ولا يعلم عماد مصيرهم أو مستقبلهم في ظلّ اعتمادهم على بطاقة اللاجئ، التي منحتها المفوضيّة السامية للاجئين لعائلته.
يجلس عماد في المخيّم بالقرب من أولاده متسائلاً: 'أنا سوري أباً عن جدّ، لكنّ أولادي وُلدوا وهم يكبرون بعيدين عن الوطن، ومن دون ما يثبت انتماءهم له، لست أنا وحدي من لديه أطفال من دون جنسيّة، فالكثير من أطفال المخيّم الذين وُلدوا هنا لم يحصلوا عليها، ولم يراجعنا أي ممثّل للحكومة السورية للسؤال عن أحوالنا أو ترتيب أوضاعنا القانونية، رغم أننا لاجئون إنسانيون ولسنا سياسيين'.
صور عماد وأطفاله
أمام محلّ صغير في المخيّم، التقينا محمّد عبدو (48 عاماً) مع بناته الخمسة وزوجته.
يعمل محمّد بشكل غير منتظم، أحياناً في مجال البناء وأحياناً أخرى في البيع في السوق. هاجر بعد أحداث 2011 وجاء إلى العراق مع ابنته الوحيدة وزوجته، استقرّ في المخيّم كحال باقي اللاجئين الآخرين، وهناك رزق بأربع بنات أخريات يعشن حتى اليوم من دون مستمسكات ثبوتية.
يسأل محمّد عن مصير بناته في ظلّ التغيرات الجديدة، تقول إحداهن (لولاف) وهي في السادسة من عمرها، إنها لا تريد سوى الحصول على جنسيّة تثبت اسمها وتثبت فيها أنها سورية.
يقول محمّد إنه لا يعلم ماذا يفعل هو وبناته، وحتى اليوم، لا أمل يلوح في الأفق ليحصلن على مستمسكات ثبوتية، تمكّنهن من الخروج من جدران المخيّم إلى العالم الكبير بهوّية وجواز يثبت اسماءهن ووطنهن، ويمنحهن الحقّ في السفر والتنقّل.
لاجئ مكتوم الهوّية
على أطراف مخيّم دوميز2، قابلنا أبو إيّاس (70 عاماً) الذي جاء إلى العراق في 2011 ويعمل في رعي الأغنام. لا يستغرب الرجل من عدم حصول أحفاده أيضاً على الجنسيّة، فهو الآخر عاش محروماً منها طوال حياته بعد أن وُسم بمكتوم الجنسيّة، وهي صفة أطلقها النظام السوري على كثير من أبناء القومية الكردية لمنعهم من الحصول على الجنسيّة. واليوم، لا يبدو المستقبل أكثر تفاؤلاً، فالحروب التي تجري بين المسلّحين الكرد في 'قسد' والفصائل المسلّحة التي تولّت الحكم تجعله يشعر بغياب الأمل في حلّ مشكلته.
يروي أبو إيّاس، قصّته مبتدئاً بابتسامة تداري جراح سنين طويلة، فرضتها ظروف قاهرة ليس له ذنب فيها سوى أنه كردي وُلد في سوريا في ظلّ قوانين فرضها نظام الأسد، فهو من بين والديه وإخوته، اختارت الحكومة السورية أن توسمه بمكتوم الجنسيّة، بينما حصل أفراد عائلته على الجنسيّة والجواز وتمتّعوا بحياة طبيعية وبحقّ التنقّل والسفر. عاش أبو إيّاس طوال حياته محروماً منها، وأورث تلك الصفة لأولاده وأحفاده، حتى بعد الهروب من معاناة الحرب واللجوء إلى العراق.
يتحدّث أبو إيّاس قائلاً: 'هل أبكي أم أضحك على معاناتي التي أورثتها لعنة لأولادي وأحفادي؟ فأنا من دون أفراد عائلتي أُصبت بلعنة منذ الولادة اسمها مكتوم الجنسيّة'، مضيفاً: 'لم أدرس، ولم أسافر، ولم أشعر بأي من حقوق الحياة، ها أنا أقضي أرذل العمر، مورثاً لأولادي وأحفادي لعنة سترافقهم مدى الحياة، من دون ذنب أو جريمة اقترفتها أنا أو هم، نحن مجبورون على البقاء داخل هذا المخيّم رغم كلّ الظروف الصعبة التي نعيشها'.
العشرات حالهم كحال أبو إيّاس في مخيّم دوميز من مكتومي الجنسيّة، ينتظرون أن تؤدّي التغيرات الجديدة في سوريا بعد زوال نظام الأسد، إلى إغلاق صفحة مكتومي الجنسيّة الذين عانوا من الحرمان منها لمجرّد قوميتهم الكردية.
بشّار يوسف (65 عاماً) يحكي قصّته مع كتم الجنسيّة، قائلاً إن 'الآلاف من كرد سوريا، وبالأخصّ في كردستان سوريا (المناطق السورية التي يتركّز فيها الكرد) حُرموا من الجنسيّة واعتُبروا أجانب لمجرّد قوميتهم الكردية، وأُطلق عليهم مكتومو الجنسية'، وهو منهم.
ويضيف أنه قبل وصولهم إلى مخيّمات اللجوء، كانوا يحصلون فقط على تأييد من مختار المحلّة التي يسكنون فيها، وعند مراجعتهم للدوائر الحكومية يتمّ اعتقالهم من قِبل استخبارات النظام البعثي السابق، موضحاً أنهم كانوا يضطرّون للبقاء 24 ساعة بين جدران المنزل أحياناً.
بشّار يقول إنه بعد الانتقال إلى العراق بسبب الظروف الأمنية واللجوء في المخيّمات، رافقتهم 'اللعنة' واستمرّت معاناتهم، كما أنهم استمرّوا في توريثها لأولادهم، خاتماً حديثه بأمل أن تمنحه الإدارة الجديدة الجنسيّة وتنتهي رحلة عمر قضاها مجهول الهوّية هو وأولاده.
من هم المكتومون؟
منذ أكثر من 60 عاماً، جرّدت الحكومة السورية، إثر إحصاء استثنائي أجرته للسكان، أكثر من 500 ألف شخص كردي من جنسيّتهم، ومنذ ذلك التاريخ، عانت هذه الفئة التي بات يُطلق عليها 'مكتومو القيد' من تمييز من السلطة، حتى في أبسط الحقوق، مثل استصدار بطاقة شخصيّة والحصول على تعليم في المدارس والجامعات الرسمية.
وكان النظام السوري قد نفّذ الإحصاء الاستثنائي في عام 1962، وسحب بموجبه الجنسيّة من عشرات الآلاف من المواطنين الكرد، مما حرمهم من حقوقهم وواجباتهم المدنية والعسكرية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن حقوقهم الاقتصادية.
وبعد اندلاع الاحتجاجات السورية، أصدر النظام المرسوم رقم 49 لعام 2011، الذي منح الجنسيّة للأجانب الذين يملكون إخراج قيد (بطاقة حمراء) في محاولة لاستقطاب الكرد السوريين، لكنّ هذا لم يحدث، إذ إن أغلب الموسومين بمكتومي الجنسيّة واجهوا عراقيل وصعوبات حالت دون حصولهم على الجنسيّة، ويُعتقد أن القرار اتُّخذ فقط لتهدئتهم وإبعادهم عن المشاركة في الثورة، ومع تطبيقه استُحدث العديد من العراقيل.
معاناة مشتركة بين المحروم والمكتوم
قصص مخيّمات اللجوء السورية في شمال العراق في إقليم كردستان متنوّعة، لكنّها اجتمعت في معظمها حول حقّ أساسي، وهو الحرمان من الهوّية بالولادة (الولادة في مخيّمات اللجوء) أو بالوراثة (مكتومو الجنسيّة).
أديب حسين موسى (44 عاماً) الذي يعمل كاسباً، جمع بين الاثنين، ليورث أولاده عِلّتين: الأولى ولادتهم في المخيّم من دون الحصول على الهوّية، والثانية أن أمّهم (مكتومة الجنسيّة) حيث إن بيانات التسجيل تتطلّب وثائق الوالدين، ولا يتمّ تسجيل الأطفال من دونها.
يقول موسى، إنه تزوّج بامرأة مكتومة الجنسيّة ثم هاجر إلى العراق عام 2013، لينتهي به المطاف لاجئاً في مخيّمات دهوك، وبعد أن رُزق بثلاثة أولاد، عانى لأجل حصولهم على هوّية بسبب ما ورثوه عن والدتهم، وبعد معاناة، دفع 600 دولار للجهات المعنيّة في محافظته لاستخراج دفتر عائلي له ولأولاده، وقد صدر الدفتر بشكل رسمي وأُرسل إليه، لكنّه اكتشف أنه مزوّر ولا يعترف به أحد في بلده، وعند التواصل مع الدوائر الرسمية، أبلغوه بأنه مسجّل كأعزب لديهم، ولم يتمّ الاعتراف بأولاده حتى اليوم.
يجلس أديب موسى اليوم مع أولاده الثلاثة ومعه دفتر العائلة المزوّر، على أمل أن تتغيّر الحال الجديد ويحصل أولاده على حقّهم في الجنسيّة.
قوانين دولية تضمن حقّ الجنسيّة
تنصّ القوانين الدولية على حقّ كلّ طفل يولد في الحصول على الجنسيّة، كما تنصّ القوانين العربية، ومنها قانون الجنسيّة السوري، على أن الطفل يحصل على جنسيّة والديه بغض النظر عن ظروف الإقامة أو السفر أو مكان الولادة سواء داخل البلد أو خارجه، طالما أنه ولد لأب سوري.
وتنصّ الفقرة 'أ' من المادّة الثالثة في قانون الجنسيّة رقم 276 لعام 1969 على ما يلي:
'المادّة 3: يُعتبر عربياً سورياً حكماً:
أ ـ من وُلِد في القطر أو خارجه من والد عربي سوري'.
ووفقاً للقوانين الدولية والمواثيق العالمية، لا يوجد أي قانون أو ميثاق يُتيح حرمان شخص من جنسيّته بغضّ النظر عن الظروف، بل بالعكس، يُلزم ميثاق حقوق الإنسان العالمي في الفقرة أوّلاً من المادّة 15، على حقّ التمتّع في الحصول على الجنسيّة لأي فرد، بينما تنصّ الفقرة ثانياً من المادّة نفسها على منع حرمان أي شخص من جنسيّته تعسفياً.
ووفقاً للتحقيق، فقد حُرم الأطفال السوريون من حقّهم في الحصول على الجنسيّة الأمّ تعسفياً، شأنهم شأن مكتومي الجنسيّة الذين حُرموا تعسفياً من جنسيّتهم داخل بلدهم سوريا وخارجه.
وتنصّ المادّة 15 من ميثاق حقوق الإنسان العالمي على ما يلي:
'المادّة 15:
1- لكلّ فرد الحقّ في التمتّع بجنسيّة ما.
2- لا يجوز، تعسفاً، حرمان أي شخص من جنسيّته ولا من حقّه في تغيير جنسيّته'.
يرى الحقوقي العراقي نوزاد سعيد، عضو فريق المحامين المتطوّعين للدفاع عن القضايا الإنسانية في محافظة دهوك، أن 'حرمان هؤلاء الأطفال من مستمسكاتهم الثبوتية يتعارض مع جميع القوانين الدولية والمحلّية في المنطقة'، ويضيف أنه 'لا يوجد أي مبرّر يُتيح للنظام السابق أو الحالي حرمانهم من حقّهم، الذي يكفله القانون المحلّي السوري والدولي في الحصول على مستمسكات ثبوتية تنسبهم إلى وطنهم الأمّ سوريا، وبالأخصّ الجنسيّة التي توفّر لهم حرّية التنقّل، والمعاملات، والمراجعات المختلفة التي يحتاجونها في حياتهم'.
ويؤكّد سعيد لـ'العالم الجديد'، أن 'هؤلاء الأطفال لاجئون تحت المسمى الإنساني وليس الصفة السياسية، التي قد تتحجّج بها السلطات لحرمانهم من الجنسيّة'، مشيراً إلى أن 'المواثيق الدولية، ومنها حقوق الإنسان، نصّت بشكل واضح وصريح على حقّ الجنسيّة، ومنعت حرمان أي شخص من جنسيّته، حتى وإن كان لاجئاً، والأهمّ أن آباءهم يحملون صفة اللجوء الإنساني وليس السياسي، ولم يهربوا من سوريا بإرادتهم بل كان ذلك حفاظاً على أنفسهم وعائلاتهم من الصراعات والحروب التي لحقت بمناطقهم، لذا لا يوجد مبرّر لحرمان أبنائهم من جنسيّتهم'.
لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الأطفال الذين وُلِدوا في مخيّمات اللجوء وحُرموا من الحصول على جنسيّتهم، إذ تكتفي الجهات الأممية بإصدار بطاقات اللجوء التي تعتبرهم أرقاماً، بينما تتجنّب السلطات المحلّية في إقليم كردستان العراق، رغم العلاقات الطيبة مع النظام السوري السابق، متابعة قضايا اللاجئين أو التحرّك لمعرفة المتطلّبات المختلفة لتوفير حياة كريمة لهم، ومنها الجنسيّة، ويأتي ذلك في بلد عانى من نزوح 3 ملايين من مواطنيه هرباً من الظروف الأمنية، واحتلال تنظيم الدولة ثلث مساحته.
وفي مخيّمات دوميز حيث يعيش نوّاف وأبو إيّاس وأكثر من 50 عائلة ممن التقى بهم معدّ التحقيق أو بأقاربهم، خلال زيارته القصيرة للمخيّم في مطلع شباط/ فبراير 2025، تجد هذه العائلات نفسها أمام مصير مجهول، تجمعهم صفة 'لاجئ سوري' من دون هوّية رسمية.
ظاهرة خطيرة
لم تُفلح كلّ محاولاتنا للتواصل مع المنظّمات المسؤولة عن مخيّمات اللاجئين السوريين، وأبرزها مؤسّسة 'بارزاني الخيرية'، للحديث عن الظاهرة بحجّة حساسية الموضوع، لكنّ معدّ التحقيق تمكّن من التواصل مع أحد الناشطين العراقيين العاملين في إحدى المنظّمات الشريكة للمفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين والمسؤولة عن تلك المخيّمات، فوافق على الحديث شريطة عدم الكشف عن اسمه، ويقول (ر-أ) إن 'ظاهرة حرمان الأطفال اللاجئين المولودين في المخيّمات، هي ظاهرة كبيرة وخطيرة، فغالبية الأطفال الذين وُلِدوا في العراق ليس لديهم جنسيّة، ولا يملكون أي حقوق في بلدهم سوريا'، مشيرا إلى أن 'مستقبلهم قد يكون أسوأ في حال استمرار الوضع على ما هو عليه.
ويضيف أن 'المفوضيّة السامية تكتفي بالمنصّات وإصدار تقارير عامّة، من دون التحرّك الكافي للضغط على الأطراف المعنيّة في سوريا، سواء كانت النظام السابق أو الحالي، من أجل منحهم الجنسيّة. حتى في العراق، وبالرغم من ولادتهم على أرضه، إلا أنهم لا يحصلون على جنسيّته'، لافتاً إلى أن 'وضعهم مشابه للفلسطينيين في العراق الذين وُلِدوا وعاشوا فيه من دون الحصول على جنسيّته تحت شعار حقّ العودة'.
يُشار إلى أن مؤسّسة 'بارزاني الخيرية' هي منظّمة غير حكومية تأسّست في العام 2005 في إقليم كردستان، وتعمل في المجال الإنساني داخل الإقليم، وتُعدّ مسؤولة عن إدارة مخيّمات النازحين واللاجئين، وتوفير المساعدات والاحتياجات لأولئك الذين تعرّضوا للأزمات، وكذلك مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصّة والأيتام داخل الإقليم.
مفوضية اللاجئين تردّ
وفي إطار البحث حول حقوق الأطفال اللاجئين وضمان حقّهم في الحصول على الجنسيّة، تواصلنا مع فرع المفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين في العراق، للسؤال حول معرفتهم بظاهرة حرمان هؤلاء الأطفال من جنسيّة بلدهم الأمّ سوريا، وبعد أشهر من الانتظار والدراسة القانونية، تلقّت هيئة التحقيق ردّاً عمومياً من المفوضيّة على شكل بيان رسمي.
وجاء في بيان المفوضية أن 'حرمان الإنسان من الجنسيّة له عواقب وخيمة على المتضرّرين في كلّ بلد تقريباً، وفي جميع مناطق العالم'.
وأكّدت المفوضيّة دعمها لطالبي اللجوء واللاجئين في العراق للحصول على الوثائق المدنية، بما في ذلك تسجيل المواليد، الذي يُعد إثباتاً لوجود الشخص بموجب القانون، ويضع الأساس لتكوين الهوّية القانونية للفرد، بما يشمل الجنسيّة، وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما أشارت إلى أن خطر انعدام الجنسيّة بين الأطفال السوريين، قد انخفض بشكل كبير في المنطقة، بعد توفير أساس أقوى لحمايتهم من المخاطر مثل الانفصال الأسري، والاتجار بالبشر، والتبنّي غير القانوني. وبيّنت أن 97 في المئة من الأطفال السوريين اللاجئين الذين تقلّ أعمارهم عن 12 شهراً في العراق، حصلوا على شهادات ميلاد من السلطات العراقية المختصّة خلال العام الماضي. وهنا توضح المفوضيّة أن المقصود هو شهادة الميلاد التي تصدرها المستشفيات العراقية، والتي تثبت فقط ولادة الطفل داخل الأراضي العراقية، من دون أن تمنحه الجنسيّة السورية تلقائياً.
وبرغم هذا التوضيح، إلا أن البيان تجنّب الحديث عن أعداد الأطفال السوريين في العراق، الذين لا يمتلكون جنسيّة بلدهم الأصلي، مكتفياً بالإشارة إلى أن المفوضيّة توفّر لكلّ لاجئ سوري بطاقة لجوء وشهادة ولادة عراقية، تساعد على تكييف وضعهم القانوني داخل العراق، كما لم يتضمن البيان أي إيضاح بشأن التحرّكات الرسمية أو الدبلوماسية، التي قد تقوم بها المفوضيّة لفتح مباحثات مع الحكومة السورية، بهدف ضمان منح هؤلاء الأطفال جنسيّتهم الأصلية.
السفارة تنتظر تحرّك اللاجئ… واللاجئون يواجهون المستحيل
في الأشهر الأخيرة قبل انهيار نظام الأسد، تواصل معدّ التحقيق مع السفارة السورية في العراق عبر بريدها الإلكتروني الرسمي، لطرح ما تمّ التوصل إليه من معلومات وحقائق حول أوضاع الأطفال السوريين المولودين في العراق، والمحرومين من جنسيّة بلدهم الأمّ.
وردّت السفارة بأنه: 'يحقّ لأي مواطن سوري يحمل جواز سفر ساري المفعول تسجيل واقعات الولادة لأبنائه، من خلال مراجعة الأب السفارة برفقة جواز سفره وجواز زوجته، وعقد الزواج أو دفتر العائلة، بالإضافة إلى شهادة الولادة المصدّقة، ليتمّ بعدها تسجيل الولادة، وإصدار وثائق سفر خاصّة بالأطفال مثل جوازات السفر أو تذاكر مرور مؤقتة بناء على طلب ذويهم'.
لكنّ هذا الرد لم يكن مقنعاً لغالبية اللاجئين الذين التقيناهم خلال التحقيق.
اللاجئ عماد صبري تساءل بسخرية مريرة: 'كيف أستطيع الوصول من دهوك إلى بغداد وأنا لاجئ، ولا أمتلك أي مستمسكات رسمية لأطفالي؟ هذا كان مستحيلاً قبل سقوط النظام، أما اليوم، فالسفارة متوقّفة عن العمل أصلاّ'.
أما أبو إيّاس، فارتسمت على وجهه ابتسامة بطعم القهر وهو يقول: 'إذا كنّا نحن وأولادنا وأحفادنا محرومين من الجنسيّة منذ عقود، فكيف نراجع السفارة بوثائق لا نملكها أصلاّ؟'.
ورغم محاولات معدّ التحقيق طرح أسئلة واضحة حول أوضاع مكتومي الجنسيّة، وظروف اللاجئين السوريين، وحرمان أبنائهم من الجنسية، اكتفت السفارة بالإشارة إلى أن بريدها مخصّص فقط للإجابة على 'استفسارات المواطنين'، ضمن نطاق ضيّق.
أضافت السفارة في ردّها أنها تسعى لتقديم التسهيلات للراغبين في العودة إلى سوريا، عبر خدمات قنصلية تشمل إصدار وثائق السفر، ومعاملات الأحوال المدنية، والتجنيد، وتسوية أوضاع المواطنين المغادرين بشكل غير شرعي، إضافة إلى إجراءات زيارة القطر للمطلوبين للخدمة الإلزامية.
لكنّها لم توضح موقفها أو إجراءاتها المباشرة تجاه مشكلة آلاف الأطفال المولودين في المنفى، المحرومين من هوّية وطنية تربطهم بسوريا.
في الوقت الحالي، تبقى السفارة السورية متوقّفة عن العمل فعلياً، في ظلّ شبه انقطاع للعلاقات الدبلوماسية الرسمية، مما يترك مصير الأطفال المولودين في المنفى معلّقاً.
خارطة اللجوء: أبناء بلا هوّية
خلال العمل على التحقيق، وثّق معدّه أكثر من 50 عائلة سورية لاجئة في جزء واحد فقط من مخيّم داخل إحدى محافظات إقليم كردستان العراق، لا يمتلك أبناؤها الجنسيّة السورية.
يعيش هؤلاء الأطفال تحت رحمة ظروف اللجوء القاسية، في ظلّ مستقبل مجهول، محرومين من أبسط حقوقهم، مثل الحصول على هوّية أو جواز سفر.
بعض هؤلاء حُرم من الجنسية منذ ولادته لاجئاً، وبعضهم الآخر ورث 'لعنة انعدام الجنسيّة' عن آبائه وأجداده.
جاءوا إلى العراق هرباً من الحرب، ليولدوا في بلد يعاني هو الآخر من نزوح أكثر من 3 ملايين من أبنائه بسبب التطرّف والظروف الأمنية وانهيار مؤسّسات الدولة بعد اجتياح 'تنظيم الدولة الإسلامية' ثلث أراضيه.
وفي خضم هذا كلّه، يولد الطفل السوري على أرض العراق موسوماً بصفة 'لاجئ مجهول الهوية'.