اخبار سوريا
موقع كل يوم -الوكالة العربية السورية للأنباء
نشر بتاريخ: ١٠ تموز ٢٠٢٥
دمشق-سانا
لأول مرة في سوريا، تحت رعاية رسمية من وزارة الثقافة، احتفت خشبة مسرح القباني بعرض مسرحي للأخوين ملص، حمل اسم كل عارٍ وأنتم بخير، وذلك بعد 14 سنة من ولادته للمرة الأولى في دمشق.
العرض الذي قام الأخوان محمد وأحمد ملص بتأليفه، وتمثيله وإخراجه، انطلقت فكرته مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، في مسرح الغرفة، ثم توقف مع قمع النظام البائد لكل الأعمال الثقافية التي ترتكز على الحرية والكرامة، لكن العرض ظل متواصلاً خارج سوريا طيلة تلك المدة، ليعود إلى بلده بعد التحرير، وبعد عرضه في منزل الأخوين منذ فترة.
ولاقت المسرحية تفاعلاً واسعاً من الجمهور المتعطش لرؤيتها على المسرح الرسمي، فشخصيتاها المثقف والجندي لا تزالان تجسدان نبض الشارع وتقيسان حرارته بأسلوب تراجيدي كوميدي، وبحوارات تم تحديثها قليلاً لتحاكي الزمن الراهن، فيما امتزجت السينوغرافيا مع الفكرة والهدف، في سبيل تشكيل درامي هادف يعيد للمسرح دوره الحقيقي، الذي كان مختبئاً في غياهب الخوف، القمع، السخافة والسفاهة.
من أجواء المسرحية
وفي غرفة بسيطة، وبألحان هادئة في توقيت أحد أيام العيد، تنبثق المسرحية بشخصيها نزار الجندي ويوسف المثقف، الأخير يوظف دقائق حياته كلها للشعر والأدب المعجون بألم حب لم يكتمل، فبقي وحيداً متشبثاً بمبادئه، بينما يعتمد صديقه نزار في غرفتهما المستأجرة على اللهو والضحك والفرفشة سبيلاً للهروب من الأوقات العصيبة التي يواجهها في حياته العسكرية، والتي طحنته بحبٍ آخر لم ير النور بعد.
المثقف هو معارض سياسي بامتياز، دفع ضريبة مواقفه بالمعتقلات، ما يؤدي إلى صراعه مع الجندي الذي يصف نفسه بالبطل الخارق ضمن كتيبته، بينما يعيش على وعود وآمال زائفة، ولا يملك سوى ما يسد رمقه، بجسد هزيل.
ومن خلال أحاديثهما، تُنسج هموم الشعب المنهك، كرباط مشترك بينهما، يلهث وراء ارتفاع الأسعار، وفقدان أو ندرة الغاز والمازوت، والمواصلات وغلاء مواد المعيشة، نعيش أحلام الشباب المتكسرة على صخرة الواقع الأسود، كما تتكسر فرحة العيد بالقهر والغصات والاكتئاب.
هذه الكوميديا السوداء النازفة ترافقها معركة التضاد في الحياة، بين صراع المثقف والجندي، طموح الشباب ومثاليات العجوز، الجدية والتفاهة، العلم والجهل، والأغاني الهادفة وأخرى الهابطة، فيما تصرخ الثورة ضد الطغاة والقتلة وخونة الأوطان الذين قتلوا الأطفال، واغتصبوا النساء، وذبحوا المدنيين على الهوية، ودمروا المساجد والكنائس.
وتتصاعد حدة الصراع بينهما، ليكشف الجانب الإنساني في وجدانهم، فيشهر الجندي نزار سلاحه بوجه يوسف، ويجبره على الاتصال بحبيبته ميس التي لم يرها منذ 50 عاماً، ثم يتحول السرد بشكل دراماتيكي سلس، حيث يصبح الكهل شاباً، والجندي عجوزًا، ويصبح السلاح بيد المثقف، طالبًا منه الاتصال بحبيبته حلا، ويتصالحان كضحيتين نجتا من واقع مؤلم.
وتبلغ حبكة المسرحية ذروتها حين يقرران قتل بعضهما، لكنهما لا يستطيعان، لينسدل الستار بصراخ تحذيري، ممزوج بالهلع، من سنوات القتل والدمار التي عانت منها سوريا:
'كيف بدي اقتلك وتقتلني؟ شوف دمك وتشوف دمي، هون بالمكان يلي أكلنا وفرحنا ورقصنا وضحكنا ونمنا وفقنا فيه'، فيعودان لإنسانيتهما المجردة، ويجلسان بجانب بعض، برفقة: ما أحلى أن نعيش في خير وسلام.
أحمد ملص: لأول مرة تدعمنا جهة رسمية في بلدنا
وفي تصريح لمراسلة سانا الثقافية، أكد الفنان أحمد ملص أن المسرحية تُعرض لأول مرة برعاية وزارة الثقافة السورية، ما يبشر بخطواتٍ أفضل تجاه المسرح في المستقبل، مضيفاً: 'لأول مرة تدعمنا جهة رسمية في سوريا، ولأول مرة نكون على مسرحٍ رسمي.. إنها لحظة عظيمة بحياتنا المسرحية'.
ولفت أحمد إلى أن 'كل عارٍ وأنتم بخير' تواكب التحديث دائماً حسب معطيات الواقع، ولكن بنسبة ٢ بالمئة فقط إخلاصاً للعرض الرئيسي، وذلك تطبيقاً لفكرة (الآن وهنا)، وتكون المسرحية لكل زمان ومكان.