احتلال إسرائيل أراضي سورية يهدد أمن الأردن القومي والمائي

ضغط عسكري - لوجيستي على جبهتين وآخر سياسي يتمثل بإضعاف خيارات البلاد في مواجهة تل أبيب

يواجه الأردن وضعاً جيوسياسياً خطراً يشبهه مراقبون بـ'كماشة' إسرائيلية تطبق على حدوده الغربية والشمالية، وذلك بعد التطورات الأخيرة في سوريا، بخاصة في محافظتي درعا والقنيطرة المحاذيتين لحدوده الشمالية واحتلال بعض أراضيهما من قبل إسرائيل.

ويضع هذا الواقع الجديد المملكة أمام تحديات سياسية وعسكرية معقدة، إذ يشكل الاحتلال الإسرائيلي أراضي سورية قريبة من الحدود الأردنية، أو تنامي نفوذه العسكري والاستخباراتي هناك، تهديداً مباشراً لأمنه القومي.

هذا التحدي قوبل رسمياً بإدانة وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي 'العدوان' الإسرائيلي على سوريا، داعياً مجلس الأمن الدولي إلى التحرك 'فوراً' لتطبيق القانون الدولي، واعتبر الصفدي ما حدث خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وتصعيداً خطراً لن يسهم إلا في تأجيج التوتر والصراع، وذلك بموازاة زيارة قام بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الأردن والتقى خلالها العاهل الأردني عبدالله الثاني، وكان من بين الملفات التي بحثت، وفق ما رشح من معلومات، الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي السورية.

تهديد مباشر

يعتقد مراقبون أن احتلال إسرائيل أراضي سورية قريبة من الحدود الأردنية، أو حتى زيادة نفوذها العسكري والاستخباراتي هناك، قد يفرض على الأردن وضعاً أمنياً معقداً، بحيث تصبح الحدود الشمالية أكثر عرضة للاختراق أو تحركات عسكرية غير معلنة، أو حتى تصعيد محتمل ضد الجماعات المسلحة في الجنوب السوري، مما قد يعرض الأردن لأخطار التورط غير المباشر في صراعات إقليمية.

وأمام التعرض لضغط عسكري - لوجيستي على جبهتين مع الحاجة إلى زيادة الانتشار والتأهب هناك، إضافة إلى ضغط سياسي يتمثل بإضعاف خيارات الأردن السياسية في مواجهة إسرائيل، يدعو مراقبون إلى ضرورة أن تعيد عمان ترتيب أولوياتها الدفاعية والسياسية.

مخططات توراتية

وفي السياق رأى المتخصص العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد أن ما يجري في سوريا ينعكس بصورة مباشرة على الأردن، ويؤثر في ديناميكياته السياسية والأمنية، ولفت إلى أن 'الترتيبات الداخلية في سوريا لها انعكاسات حتمية على الأردن إلا أن التوغل الإسرائيلي المتصاعد في جنوب غربي سوريا خطر، وتجاوز خطي ألفا وبرافو اللذين يفصلان مناطق فض الاشتباك، إذ تقدم إلى حوض اليرموك وسيطر على موارد مائية استراتيجية، مثل سد الجولان وسد المنطرة، والمزيريب ووادي زيزون'، وقدر أبو زيد هذه التحركات الإسرائيلية بنحو 15 كيلومتراً قرب الحدود الأردنية - السورية، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن المائي الأردني، 'لكن الأخطر هو أن إسرائيل تقترب تدريجاً من الطريق الدولي الرابط بين جنوب سوريا (درعا) وشمالها، وهو طريق حيوي يسعى الأردن إلى الحفاظ على انسيابية الحركة التجارية عبره'، مشيراً إلى تصريحات مقلقة لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية، أفصحت فيها عن نيات التمدد البري الإسرائيلي حتى مسافة 60 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وصولاً إلى السويداء، وفق طموحات توسعية توراتية.

وبموازاة الحصار الإسرائيلي للأردن من جهة سوريا أشار أبو زيد إلى حصار آخر من جهة الضفة الغربية، 'عبر مخططات ضم المنطقة ’ج‘ التي تمتد على طول ما يعادل 93 في المئة على طول الحدود الأردنية - الفلسطينية'.

زيارة الشرع

بدوره قال المحلل السياسي ماهر أبو طير إن اللقاء بين العاهل الأردني والرئيس السوري أحمد الشرع تلمس تحديات الجوار الجغرافي والأمن الحدودي، إذ عرض الأردن على سوريا تقديم الدعم الفني والتدريب العسكري لتشكيل فرق قادرة على مواجهة هذه التحديات لكن على ما يبدو أن تركيا تسيطر على هذه الملفات.

ولا يخفي أبو طير المخاوف الأردنية من الاستفزازات الإسرائيلية وتوغل إسرائيلي في بعض مناطق الجنوب السوري، خشية استغلال إسرائيل وجودها هناك لتهجير الفلسطينيين إلى بعض البؤر والمناطق الفارغة، في الجنوب السوري، فضلاً عن مخاوف من حدوث فوضى حدودية داخلية في سوريا مع الطائفة الدرزية في السويداء المجاورة للأردن، وتحدي وجود بعض الفصائل المتطرفة.

تهديد مائي

وفقاً لـ'معهد السياسة والمجتمع للدراسات' وهو مركز أردني، فإن التوسع الإسرائيلي على شريط طويل من القرى السورية، ومنها ما هو على مقربة من الحدود الأردنية يثير كثيراً من المخاوف في الملفات المشتركة مع دول الجوار كملف المياه الذي يؤثر في الأردن.

وأضاف المعهد، في دراسة حديثة، أن القوات الإسرائيلية وصلت إلى مناطق قريبة من الحدود الأردنية، بما في ذلك قرية كويا السورية، وسد الوحدة في حوض اليرموك، إذ يشكل الحوض مصدراً مائياً حيوياً للأردن وسوريا، بما فيه اتفاقية المياه المشتركة التي لم تفعل، بصورة حقيقية، نتيجة تداعيات الثورة السورية، وتعنت النظام السابق في إعطاء الأردن حقوقه المائية.

على الطرف الآخر من الحدود، وفي إجراء وقائي، عزز الجيش الأردني من وجوده على طول الحدود مع جنوب سوريا، بعد توغل القوات العسكرية الإسرائيلية باتجاه القرى القريبة من الحدود الأردنية وعلى رأسها قرية كويا التي لا يفصلها عن لواء بني كنانة في الأردن سوى كيلومتر واحد.

وكان الأردن وسوريا وقعا عام 1987 اتفاقية لاستثمار مياه نهر اليرموك وتقاسم موارده، واشتملت بنوده على إنشاء سد من الجانب الأردني على نهر اليرموك بسعة تقدر نحو 220 مليون متر مكعب، بينما تنشئ سوريا نحو 25 سداً لري أراضيها.

وبموجب الاتفاقية، يحق للأردن الحصول على نحو 200 مليون متر مكعب من مياه اليرموك سنوياً، بينما تستفيد سوريا من المياه لتلبية حاجاتها الزراعية. وقد تضمنت الاتفاقية إنشاء مركز لتوليد الطاقة الكهربائية، بحيث تحصل سوريا على 75 في المئة من الكهرباء المنتجة، بينما يحصل الأردن على 25 في المئة منها، إلا أنها لم تفعل بشكلها الكامل نتيجة تحديات عدة من بينها الثورة السورية.

ويعاني الأردن أزمة شح في المياه، ويعتبر ثاني أكثر البلدان فقراً في مصادر المياه بالعالم.

ويعكس التوسع العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري، وما صاحبه من توغل باتجاه المناطق الاستراتيجية ومصادر المياه، أبعاداً تتجاوز الدوافع الأمنية الموقتة المعلنة من الجانب الإسرائيلي، واحتمال وجود أهداف واعتبارات إسرائيلية قد يكون لها تأثير طويل الأمد في المشهد الإقليمي.