سيطر عليه النظام المخلوع.. أحفاد عائلة العظم يستعيدون منزلاً لهم في دمشق

استعاد أحفاد عائلة العظم المبنى الخاص بهم في منطقة الجبة بدمشق يوم الأحد الماضي، وذلك بمساعدة أعضاء الهيئة الشرعية في مخفر منطقة الصالحية، بعد مرور 61 عاماً على استيلاء حزب البعث ونظام الأسد عليه.

المبنى الذي تعود ملكيته لورثة برهان العظم والمحامي أسامة المؤيد العظم وإخوانه، كان قد تم الاستيلاء عليه في عام 1963 عبر عقد إيجار قسري فرضه النظام السابق على العائلة، بحسب ما ذكره حفيد العائلة، أحمد العظم، في منشور له على فيس بوك. كما أعرب عن امتنانه للإدارة العامة بقيادة أحمد الشرع، لمساعدتهم  في استرداد الحق.

وأفاد المصوّر صالح المعراوي لموقع تلفزيون سوريا، أنه في أثناء مروره اليوم أمام منزل العظم، لاحظ أنه قد كتب على حجر كبير أمامه، تاريخ انتصار الثورة السورية وأن المبنى هو ملكية خاصة لعائلة العظم.

تواصلنا مع بديع العظم، أحد الورثة المباشرين للمنزل، وفي حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا، أوضح أن المنزل، الذي يتألف من أربعة طوابق، تم بناؤه بين عامي 1925 و1930، وهو لا يحمل صفة أثرية لأنه يقع خارج المدينة القديمة. وأضاف أنه تم تحويله خلال السنوات الماضية إلى مبنى لإدارة المشاريع الإنتاجية التابعة لوزارة الدفاع.

وأشار العظم إلى أن المنزل كان مملوكاً لجدته لوالده وإخوانها، ثم سكنه والده وتزوج فيه عام 1957، قبل أن تغادره العائلة تماماً في عام 1960 وتؤجره لأمانة العاصمة التابعة للدولة السورية في تلك الفترة. وأوضح أن تأجير العائلات لمنازلها للدولة قبل عام 1963 كان أمراً شائعاً، نظراً لعدم وجود سوق للإيجارات في القطاع الخاص، ولحاجة الدولة إلى هذه الأبنية لتحويلها إلى منشآت خدمية ومؤسسات.

وفيما يتعلق بالإيجارات قبل عام 1963، يقول العظم: ' قبل أن يأتي البعث إلى السلطة ويستولي على كل شيء، بما في ذلك بيوت الناس، كانت الإيجارات طبيعية بين المؤجر والمستأجر سواء كان جهة حكومية أو مواطن عادي، إذ يغادر المستأجر العقار بعد سنة إذا لم يرغب في التجديد. لكن بعد عام 1963، تغير كل شيء وأصبح التأجير مفروضاً على المالك بعقود قسرية وبمبالغ زهيدة. ثم في الثمانينيات، تم إصدار قانون 'العقد السياحي' الذي يحدد مدة العقد بسنة واحدة، وبعدها يُطلب من المستأجر مغادرة العقار أو تجديد العقد، لكن العقارات التي تم تأجيرها قبل الثمانينيات لا يخضع نظامها لهذا القانون'.

محاولات استعادة المنزل على مر السنين

ذكر السيد بديع العظم أنه 'من المعروف أنّ لا يمكن لأي شخص طلب إخلاء عقار حكومي واستعادته، ونحن على دراية تامة بعدم وجود أي بناء تم إخلاؤه وإعادته إلى مالكه خلال الخمسين سنة الماضية، سوى بناء واحد في دمشق'.

ويتحدث العظم عن محاولات الحصول على الإيجار المستحق في السنوات الماضية، قائلاً : ' في عام 2000 كان الإيجار يبلغ 7000 ليرة، ثم تم إصدار قانون يسمح بزيادته خمسة أضعاف، ليصل إلى 35 ألف ليرة. ثم بدأ العمل بقانون يسمح بتقديم دعوى 'تخمين' كل ثلاث سنوات لرفع الإيجار. ومن عام 2003 حتى عام 2024، أي لمدة 21 عام  قدمنا سبع دعاوى لتعديل الإيجار، حتى وصل في عام 2024 إلى 13 مليون و700 ألف ليرة، أي أقل من 1000 دولار وهو مبلغ ضئيل مقارنة بمساحة المبنى التي تبلغ 1600 متر مربع في قلب دمشق'.

كما يشير إلى أنه في عام 2023 تم إصدار قانون يسمح بإنهاء 'العلاقة الإيجارية' واسترجاع العقارات المستولى عليها مقابل دفع 40% من قيمة العقار الأصلي وغالباً ما لا تنتهي الأمور عند هذا الحد، بل قد تصل النسبة إلى 50%، ليتم تقسيم قيمة العقار بشكل 50/50، أي مناصفة بين الدولة والمؤجر الصاحب الأصلي للعقار.

وبالتزامن مع هذا القرار تم إصدار قانون آخر يعرف بقانون 'السعر الرائج' الذي يحدد سعر العقارات في دمشق بناءً على المنطقة والمساحة. ونتيجةً لهذا القانون، تم رفع قيمة العقار بشكل كبير بدلاً من القيمة الرمزية السابقة، مما جعل كلفة استرجاع العقار مرتفعة للغاية. وإذا أردت استرجاع العقار عليك دفع 40% من قيمته للدولة. وبحسب العظم، فإن بعض العائلات قامت بدفع هذا المبلغ بالفعل لاسترجاع عقاراتها لكن لم يكن بمقدور عائلته أن يدفعوا نصف سعر المنزل لاسترداده، ثم جاءت حكومة أحمد البشير واستطاعوا من خلالهم استعادة المنزل بعد انتظار دام 61 عاماً، حتى لحظة الفرج التي نشهدها اليوم، بحسب وصفه.

آخر خطوة في رحلة استعادة العقار

فيما يتعلق بطريقة استعادة المنزل مؤخراً، أوضح أنه تم توجيههم من قبل وزارة الداخلية إلى مخفر المهاجرين، حيث شرحوا وضعهم. وبعد التحقق من الملكية، تمكنوا من استرجاع العقار فوراً من دون دفع أي مبلغ إضافي. فقد سألهم المسؤول في المخفر: 'كم كانوا يريدون منكم (النظام المخلوع) لإعادة العقار؟ فأجابوا: نصف قيمته، عندها أخبروهم أنه يمكنهم استرجاع العقار فوراً من دون دفع أي مبلغ. وأضاف أنه تمت زيارة فريق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) للمنزل للتأكد من أنه لا يحتوي على أي شيء يشكل خطراً على الناس'.

كما أشار إلى أن الدولة لم تكن تحتاجه خلال الشهور الأخيرة إذ تم إخلاء المبنى منذ حوالي سبعة أشهر، ورغم ذلك، لم يكن بإمكانه استعادته من دون دفع نصف قيمته. وأكد أن تحرير دمشق كان العامل الحاسم في تمكينه من استعادة العقار.

وتطرق إلى أن كون المبنى غير شاغر في الوقت الحالي هو ما ساعده في استعادته، في حين أن العديد من العقارات الأخرى ومنها أملاك أخرى خاصة بعائلة العظم  تحولت إلى مؤسسات للدولة وتضم موظفين ولوجستيات، تحتاج إلى مزيد من الوقت لإخلائها، أو تنظيم وضعها قانونياً مع أصحاب العقار.

شعور العائلة بعد استعادة المنزل

أما عن شعور والدته بعد استعادة المنزل، فقال العظم إن أول جملة قالتها كانت 'معقول طلعوا !' مشيراً إلى أنها شعرت بفرح وانفعال شديد.

وأضاف: 'ما يمكنني قوله إننا كسوريين نتنفس الآن، كأن السماء نفسها تتنفس، وهذا فضل الله علينا'.

ويختتم حديثه بالقول:  'لطالما استهدف النظام السابق الأشخاص الذين لديهم أملاكاً وعقارات. حيث لم يكن يرغب أن يمتلك أحد غيره أي قوة اقتصادية. هذا هو جوهر قضية الاستملاك وأخذ بيوت الناس؛ وهذه ظاهرة لم أسمع أنها حدثت من قبل في بلد آخر في العالم سوى في سوريا'.

ويكمل: 'لا يوجد أي مواطن عادي في سوريا لم يتعرض للظلم، وإذا كان هناك شيء قد وزعه هذا النظام بالتساوي على الشعب، فهو الظلم نفسه. لكن بفضل الله تعالى وبدعم الإدارة الحالية، بدأ الناس يستعيدون حقوقهم الآن. وطالما يعملون بهذه الأخلاق العالية، فإن الله سيوفقهم ويوفقنا'. 

استعادة عقارات أخرى في دمشق واللاذقية

وفقاً لما أفادت به مصادر محلية مختلفة وأكده السيد بديع العظم، فإن هناك كثير من الدمشقيين الذين استعادوا عقاراتهم بمساعدة الشرطة بعد التحقق من الملكية، سواء تلك العقارات التي استولى عليها ضباط مع عائلاتهم أو التي استولت عليها الدولة . ومن بينها قصر الروضة الجمهوري في دمشق الذي عاد لأصحابه من عائلة الجرائي، بناء الاستعلامات التابع للقصر الجمهوري في المالكي عاد لأصحابه من عائلة  الحافظ، مبنى رابطة المحاربين عاد لعائلة كيّال، بيت في ساحة عدنان المالكي استولى عليه عدنان مخلوف ابن عم والد رامي مخلوف عاد لعائلة غيبة. 

وفي اللاذقية عادت كازية حيدرة لعائلة عثمان، ومطعم الدار في حي الأميركان عاد لعائلة رشو، و بناء فرع حزب البعث عاد لعائلة شريتح.  

بعد 61 عاما من الانتظار، استعاد أحفاد عائلة العظم والعائلات الأخرى عقاراتهم، لتصبح هذه اللحظة هي لحظة استرداد حق وأكثر من مجرد استعادة ملكية. إنها 'رمز للأمل والعدالة التي لطالما تأخرت'.