التنظيمات المتطرفة في سوريا تستأنف نشاطها الإرهابي

الفصائل المتشددة كونت غرفة عمليات مشتركة ومجموعة 'الانغماسيون' تنفذ هجوماً خاطفاً يومياً بينما تتزايد الاحتجاجات الشعبية

على وقع هتافات المتظاهرين في إدلب بإسقاط سلطة 'الأمر الواقع' والمتمثلة في هيئة تحرير الشام، النصرة سابقاً، تعالت على جبهات القتال أصوات أزيز الرصاص في ريفي إدلب وحلب، وبدا واضحاً الازدياد الملحوظ بهجمات الهيئة التي يتزعمها الملقب أبو محمد الجولاني، والمصنفة عالمياً على لوائح الإرهاب الدولي.

تجدد الهجمات

وتدفع غرفة عمليات مشتركة لفصائل المعارضة المتشددة التي أطلقت على نفسها 'الفتح المبين' بطواقم من أفراد المجموعة الانغماسية لتنفيذ عمليات خاطفة، بالتوازي مع هجمات وقصف صاروخي بشكل شبه يومي، إذ تستخدم الفصائل المتطرفة صواريخ مصنعة تحمل اسم 'الزؤام' يرد عليها الجيش النظامي بإطلاق رشقات صاروخية مستهدفاً مواقع شمال غربي سوريا.

وتدور التكهنات عن ارتفاع سخونة الجبهة القتالية كونها ناتجة من عملية محدودة وخاطفة، بينما يذهب خبراء بتوقعاتهم إلى امتدادها وتطورها لعملية واسعة النطاق، ترى فيها دمشق فرصة لاستعادة إدلب من الفصائل المتشددة، ولا سيما ما تمر به الهيئة من انتقادات وحراك شعبي.

وفي المقابل فمن اللافت عودة وتيرة العمليات الانغماسية منذ مطلع مارس (آذار) الجاري بشكل أوسع، إذ خاضت 'تحرير الشام' بالاشتراك مع المجموعة الانغماسية 'العصائب الحمر' ولواء 'المدرعات' اشتباكات عنيفة في ريف حلب الغربي في الـ 17 من مارس الجاري أسفرت عن استيلاء الهيئة على دبابة 'تي-72'، وفي مقابل ذلك ردت القوات الروسية والسورية بتنفيذ عمليات واسعة النطاق في ريفي حلب وإدلب استهدفت تحصينات لأفراد التنظيم المتطرف، وأودت إحدى الهجمات في ريف حلب الغربي إلى مصرع ثمانية عسكريين بعد التفاف خلف مواقعهم.  

وأطلّ قائد المدرعات في غرفة 'الفتح المبين' سليمان الحموي في تسجيل صوتي ليشرح عملية الحصول على المدرعة بعد سلسلة من عمليات الرصد وطبيعة المنطقة قبل تنفيذ الهجوم، والحصول على الآلية التي تحوي جهاز تشويش، مضيفاً 'أن القادم أعظم'.

وأشار مصدر ميداني إلى تمكن الجيش النظامي من القضاء على خمسة انغماسيين من جنسيات مختلفة وأغلبهم من الـ 'إيغور' الصينيين حين حاولوا التسلل نحو إحدى النقاط العسكرية في ريف اللاذقية الشمالي، وتشير المعلومات أن وحدة الاستطلاع في القوات النظامية اكتشفت تحركات للحزب التركستاني الإسلامي وتنظيم تحرير الشام على هذا المحور لخلق ثغرة من قبل غرفة عمليات تسمى 'الفتح المبين'، والتي تُقاد من قبل هيئة تحرير الشام.

جبهات التماس الباردة

في غضون ذلك تشير توقعات مراقبين إلى اشتعال جبهة إدلب حيث تسعى غرفة 'الفتح المبين' التي تضم كلاً من فصائل 'هيئة تحرير الشام' و'الجبهة الوطنية للتحرير' و'جيش العزة' إلى تفجير الأوضاع.

ويرى بدر حموي، وهو ناشط ميداني في شمال غربي سوريا، أن الأمور تتجه لتطور محتمل قد يؤدي لانفجار ما، وأضاف 'يريد الجولاني تحريك نشاط الانغماسيين عبر ’العصائب الحمر‘ ليقتنص نصراً أمام الجمهور الغاضب ويطالب بإسقاطه، ومن جهة ثانية يعطي رسالة فحواها لن نترك خطوط التماس باردة'، في إشارة إلى ثبات خطوط التماس منذ عام 2019، حيث بسط الجيش النظامي نفوذه بدعم روسي وإيراني على مناطق في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، وتمكن من فتح الطريق الدولي الواصل بين دمشق و حلب، والذي ظل مغلقاً طوال سنوات الحرب.

وتابع حموي، 'ليس من المستبعد أن ازدياد نشاط المجموعات الانغماسية مرده مسعى الجولاني إلى تشتيت الانتباه حول الجموع الشعبية والحراك المتواصل في الآونة الأخيرة، فقبل شهر رفعت شعارات مطالبة بعزله وإسقاط الجهاز الأمني للهيئة، وما عاناه أهالي إدلب من حملة اعتقالات واسعة، إضافة إلى فرض قوانين وأحكام عامة فيها كثير من التشدد وتتفق مع تعاليم ’القاعدة‘ و ’داعش‘'.

اقتناص النصر المؤجل

وكانت القبضة الأمنية اشتدت في مدينة إدلب وعدد من القرى المحيطة التي تمسكت بها 'تحرير الشام' على خلفية اتهامات طالت 'أبو ماريا القحطاني'، أحد الشخصيات البارزة واليد اليمنى للجولاني، وأشارت التحقيقات بحقه إلى اتهامه بالتخطيط لانقلاب، مما دفع الجهاز الأمني إلى سلسلة اعتقالات لما لا يقل عن 10 شخص.

وإثر الضغط الشعبي رضخت الهيئة إلى الإفراج عن القحطاني في السابع من مارس الجاري بعد ثمانية أشهر من سجنه، وبعد ثبوت أنها وشاية.

وتفيد المعلومات الواردة أن الافراج أخيراً عن القحطاني من جهة وتحريك المجموعات الانغماسية من جانب ثان عملية مدروسة لضبط حال الانقسام والفوضى التي دبت في الجسد العسكري لـ 'هيئة تحرير الشام' التي تأسست في الـ 28 من يناير (كانون الثاني) عام 2017، بعد اندماج فصيل جبهة فتح الشام المعروفة بجبهة النصرة مع جبهة 'أنصار الدين' و'لواء الحق' و'جيش السنة' و'حركة نور الدين الزنكي'، وكذلك تراجع دعم القاعدة الشعبية التي طالبت أخيراً بتغييرات عاجلة، ولا سيما استخدام أسلوب متشدد في الحكم، وأن سلطة الأمر الواقع تعتبر تنظيم 'القاعدة' مصدر تشريعها.

انتحاريون وقوة السيف

وفي هذا السياق برز اسم 'الانغماسيين' عام 2014 مع بداية ظهور الجماعات المتطرفة، ولاسيما الأكثر تشدداً مثل 'داعش'، إذ اعتمدت على تدريب عسكريين لتنفيذ هجمات على النقاط الأمامية في الصفوف الأولى والالتفاف من خلف القوات بهدف خلق ثغرات لتتمكن القوات المهاجمة من التقدم، في حين يشكل تعداد الانغماسيين من جنسيات أجنبية مختلفة قوام هذا النوع من المجموعات المدربة على التصرف السريع والمهمات الخطرة، في وقت ذاعت شهرتهم بصورة سوداء ودامية إثر تنفيذهم عمليات ذبح وقتل وجز رؤوس المقاتلين ممن يقعون بأيديهم أسرى، أو بقطع وصلب المدنيين المعروفين بالمعارضة لهم، وتصويرها وبثها على وسائل التواصل، وهذا ما أشاع عنهم الوحشية في القتال، وهو ما ركزت عليها وحاولت نشره دولة الخلافة، إذ كانت التحصينات التي يهاجمونها تتهاوى فور سماع وصول 'الانغماسيين' الذين لا يملكون أية شفقة أو رحمة بحق من يقع في قبضتهم.

ويعتمد هؤلاء المقاتلون على أسلحة خفيفة، لكن معظمهم يحملون أحزمة ناسفة لتنفيذ مهمات انتحارية شديدة التأثير في خطوط التماس، أو يفجرون أنفسهم حين وقوعهم بالأسر، كما عرفت قيادتهم لمركبات مفخخة والانطلاق بها بسرعة شديدة لأهداف محددة وتفجيرها.

وكان الجيش الوطني التابع للمعارضة المسلحة حصل على صيد ثمين منتصف عام 2022 باعتقاله ما يوصف بـ 'أمير الانغماسيين'، واعترف قاسم محمد حسين الملقب بأبي عواد التدمري، المنحدر من مدينة تدمر في الريف الشرقي لمحافظة حمص وسط سوريا، عن عمله مع تنظيم 'داعش' ما بين عامي 2014 و2019، وبات بعد سقوط التنظيم المكلف بتسليم الكفالات المالية على النساء إلى أن ألقي القبض عليه في مدينة الباب بريف حلب.

وظهر في وقت سابق زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني في شريط مصور يرتدي عصبة حمراء مع مجموعة مدججة بالسلاح تسمى 'العصائب الحمر'، وهي مجموعة من الانغماسيين الذين تلقوا تدريبات عالية على يد خبراء أجانب، وخاضت حروبها في حماة وإدلب وحلب منذ تأسيسها عام 2014، ويعد أبرز هجوم لها على موقع مشترك للقوات السورية - الروسية في قرية الترابيع بريف حماة الشمالي، أسفر عن مصرع سبعة جنود من القوات الروسية.

ومع عودة 'العصائب الحمر' إلى نشاطها بات من المرجح شن القوات النظامية حملة عسكرية برية أمراً وارداً في مساع إلى السيطرة على إدلب، بالتوازي مع الواقع الداخلي للمدينة التي يحكمها الجولاني علاوة على الإمساك بالمدينة التي تتاخم الحدود التركية، قبل أن تضع أنقرة الخطوط الأخيرة لعملية تحاول بها استكمال منطقتها الآمنة العازلة، حيث إدلب جزء مهم في المعادلة.