اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة البلاد
نشر بتاريخ: ١ أيلول ٢٠٢٥
قرأت مؤخرًا مقالًا مطولًا للخبيرة جوليا أوستن حول كيفية اختيار الشريك المؤسس المثالي، وقد وجدت فيه ثروة من الرؤى التي تستحق التأمل والنقل. فالموضوع لا يتعلق بمجرد شراكة في مشروع، بل هو أقرب إلى علاقة زواج طويلة الأمد، تتداخل فيها الرؤى والطموحات والأدوار والضغوط النفسية والمالية. ما كان في الأمس القريب يُبنى على زمالة دراسية أو صداقة مهنية، بات اليوم رحلة معقدة تتطلب تقييمًا عقلانيًا، وتجربة تعارف منهجية، وقرارات إستراتيجية محاطة بالمسؤولية.
في الماضي، كان العثور على شريك مؤسس يتم غالبًا بعفوية: صديق قديم، أو زميل دراسة، أو رفيق مشروع سابق. كانت الثقة تُبنى من خلال التراكمات اليومية. أما اليوم، ومع تعقيد بيئات العمل وتزايد متطلبات النجاح، أصبحت هذه الخطوة أشبه باختيار شريك حياة. فحتى لو جمعتكما صداقة أو معرفة سابقة، فإن الدخول في شراكة تجارية سيضع العلاقة تحت اختبارات جديدة؛ قد تكشف ما لم يكن ظاهرًا من قبل. ولهذا، تنصح أوستن بالمرور عبر 'مرحلة المواعدة المؤسسية”، من خلال العمل المشترك على مشاريع أولية، ومواقف عملية تحت الضغط، ونقاشات صريحة حول المال، والرؤية، والأدوار، والأهداف المستقبلية.
يطرح المقال سؤالًا محوريًا: هل أنت بحاجة إلى شريك مؤسس؟ وتجيب الإحصاءات بشكل متباين. بعض الدراسات تشير إلى أن الشركات ذات المؤسس الواحد تحقق عائدًا أعلى على المدى الطويل، بينما تؤكد أبحاث أخرى أن وجود شريك يقلل من المخاطر، ويزيد فرص النجاح المالي؛ لذا، ينبغي للمؤسس أن يقيّم نفسه بصدق في ثلاثة محاور: الشراكة، والخبرة، والتجربة. فالشراكة توفر دعمًا عاطفيًا وفكريًا، لكن تتطلب قدرة على حل الخلافات وتوزيع المسؤوليات. والخبرة مهمة لسد الفجوات المعرفية، وإن كان بالإمكان تعويضها بالتوظيف أو الاستعانة بمستشارين. أما التجربة، فهي رأس مال لا يُستهان به، خصوصًا في المراحل المبكرة التي تتطلب مرونة، وصبرًا، وقدرة على اتخاذ قرارات صعبة دون ضمانات.
في عالم اليوم، تغيّرت ملامح الحاجة إلى الشريك التقني. لم تعد البرمجة عقبة أمام رواد الأعمال، فبفضل أدوات بناء التطبيقات منخفضة الشيفرة، والذكاء الاصطناعي، وفِرَق العمل الخارجية، بات بإمكان المؤسس أن يُطلق منتجه الأولي دون الحاجة إلى شريك تقني. وهذا ما جعل المستثمرين أكثر مرونة في دعم المؤسسين الأفراد، شرط أن يكون لديهم فريق أولي قوي، ورؤية واضحة، والتزام طويل الأمد.
يؤكد المقال على ضرورة التمهل في اتخاذ القرار، والتعرف على مرشحين محتملين، وتقييم التوافق من خلال تجارب مشتركة. كما يشدد على أهمية الاتفاق المسبق على كل ما يتعلق بالأدوار، وحقوق الملكية، وآلية اتخاذ القرار، بل وحتى سيناريوهات الخروج. ويُحذّر من تجاهل السياق الشخصي، فالخلفية العائلية والقيم الشخصية تؤثر مباشرة على إدارة المال، والثقافة التنظيمية، واتخاذ القرارات.
لا يمكن اختزال قرار اختيار الشريك المؤسس في معادلة منطقية فقط، ولا الركون إلى العاطفة وحدها، بل هو توازن دقيق بين الرؤية المشتركة والقدرة على مواجهة العواصف معًا. فالشراكة المؤسِّسة قد تكون بوابة للنجاح أو بداية لتحديات لا تنتهي، بحسب من تختار أن يسير بجانبك في هذا الطريق. والسؤال الذي يفرض نفسه على كل رائد أعمال يقف أمام هذا المفترق: هل من تسعى لاختياره اليوم شريكًا لمشروعك، يمكن أن يكون شريكًا لمصيرك؟