اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
لم تكتمل فرحة عائلة الجعفراوي بالإفراج عن نجلها 'ناجي' من سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ تزامنت لحظة تحرره بعد نحو عامين من الاعتقال مع فاجعة استشهاد شقيقه الصحفي 'صالح'، الذي قضى برصاص عملاء للاحتلال في أثناء تغطيته حجم الدمار الذي خلفه العدوان العسكري الإسرائيلي وجريمة الإبادة الجماعية في مدينة غزة.
بين مشهدين متناقضين، عاشت عائلة الجعفراوي ساعات من الدهشة والوجع، جمعت بين زغاريد الحرية ودموع الفقد، بين لحظة احتضان ناجي لأطفاله بعد غياب طويل، ولحظة وداع شقيقه صالح إلى مثواه الأخير.
وجع لا يوصف
يقول ناجي، وقد بدت عليه علامات الصدمة: 'السجن لا تستطيع الكلمات أن تصفه، ولا يقدر على روايته البلغاء. كنا في الموت، بل في قاع الجب، مغيبين تحت الأرض. كنا بين شعورين متناقضين؛ الخوف من ألا نعود، واليقين بأن الله لن يضيعنا أبدًا'.
ويستعيد المحرر جزءًا من معاناته داخل سجون الاحتلال قائلاً: 'اعتُقلت وأنا على سرير المرض، وكان مقرّرًا لي عملية جراحية. قال لي أحد جنود الاحتلال ساخرًا: (خذوه زيادة.. هدية فوق البيعة). مكثت مكبل اليدين معصوب العينين لأكثر من مئة يوم'.
ويضيف بصوت موجوع: 'كنا ندخل بيت الخلاء مرة واحدة في اليوم إن سُمح لنا، وكنا نُداس بالأرجل. لا طعام ولا شراب، كنا نعيش على رغيفين من خبز التوست يوميًا. والله لو أُلقي هذا الطعام لحيوان لكان أكرم مما يُلقى للبشر'.
ويتابع حديثه: 'مرارة السجن لا يصفها أحد، ولا يعرفها إلا من ذاقها. أسأل الله ألا تبقى في جفن أم أسير دمعة واحدة، فالأسرى مغيبون في الظلام، لا يسمع صوتهم أحد، وواجب على كل مسلم أن يدعو لهم'.
لكن فرحة العائلة بالحرية ما لبثت أن اختلطت بدموع الحزن. فبينما كانت تستعد لاستقبال ناجي، جاءها نبأ استشهاد ابنه الآخر صالح الجعفراوي، الصحفي المعروف بتوثيق جرائم الاحتلال ونقل معاناة الناس خلال حرب الإبادة.
والد المحرر ناجي والشهيد صالح، عبر عن مشاعر متناقضة جمع فيها الألم بالفخر قائلاً: 'خروج ناجي خفف عنا بعض الألم، لكن فراق صالح لا يُنسى. صعب أن أستعيد مشهد دفنه وتغسيله ووداعه. كنت على يقين أن ناجي سيخرج يومًا، وكنت أسأل الله فقط أن يحفظ له صحته وعقله. هذا قدر الله، ورضينا بما رضي لنا'.
مشاعر متداخلة
أما علي الجعفراوي، شقيق الشهيد صالح والشيخ ناجي، فعبر عن مشاعر متداخلة تجمع بين الفقد والفرح قائلاً: 'صباحًا فُجعنا باستشهاد أخي صالح، ومساءً استقبلنا أخي ناجي محررًا من السجن. دفنّا صالح، ثم انطلقنا إلى مستشفى ناصر بخان يونس نستقبل ناجي. شعور ممزوج بالفرح والحزن معًا، لكننا نقول: الحمد لله رب العالمين، هذا قدر الله وخياره لنا'.
وأضاف: 'صالح كان مؤمناً برسالته، وكان يقول دائمًا: لا تسقطوا الكلمة ولا الصورة، فهي التي تنقل وجع الناس للعالم. رغم التهديدات التي تلقيناها من الاحتلال ومن بعض الحاقدين، ظل ثابتًا على مبدئه حتى آخر لحظة. نحسبه عند الله شهيدًا'.
وصالح (27 عامًا) حافظ لكتاب الله تعالى، وعرف بترتيله العذب -كأبيه- على منصات التواصل الاجتماعي، وإنشاده الذي كان يرفع معنويات الغزيين أثناء حرب الإبادة، وكان من أبرز أناشيده أغنيته الشعبية 'قوية يا غزة'.
وفي آخر رسائله عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد إعلان وقف إطلاق النار بغزة، قال: 'بدكم مليون سنة حتى تكسروا إرادة الشعب الفلسطيني، ومش رح تكسروها، إحنا شعب بنحب الحياة وبنستحقها'.
وواجه صالح حملة إعلامية إسرائيلية واسعة هدفت إلى تقويض مصداقية ما ينقله من جرائم وانتهاكات في غزة، وسخّرت موارد إعلامية ودبلوماسية كبيرة لمواجهة روايته التي وصفتها في تقاريرها بأنها 'ادعاءات كاذبة'.
وشن حساب (إسرائيل) الرسمي، الذي يعرّف نفسه بأنه تابع لحكومة الاحتلال، حملة سخرية واسعة ضد الجعفراوي، ونشر عنه قائلا 'الشيطان يعمل بجد، لكن صناعة السينما في غزة تعمل بجد أكبر. تعرفوا على صالح الجعفراوي: مذيع حماس، الأب المريض، المغني والصحفي'.
ونشر الجعفراوي -عبر حسابه على إنستغرام- صورة من النشرة الحمراء الإسرائيلية، وعلق عليها بالقول: 'تفاجأت بانتشار هذا الخبر على الكثير من المجموعات والقنوات العربية والعبرية، مصحوبا بالكثير من التهديدات الأخرى. على ما يبدو أن الاحتلال موجوع جدا من فضحنا حقيقة وجهه الدموي'.