اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٤ أب ٢٠٢٥
في تطور غير مسبوق، أعلنت الأمم المتحدة رسميًا أن قطاع غزة يواجه حالة مجاعة، لتتحول المعاناة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني إلى قضية سياسية عالمية.
هذا القرار لم يأتِ بمعزل عن السياق الميداني، بل يمثل تتويجًا لشهور طويلة من الحصار المشدد والدمار واسع النطاق الناتج عن الحرب المستمرة، وما تبعها من انهيار شبه كامل في المنظومة الصحية وانعدام الأمن الغذائي.
القرار الأممي يعدّ وثيقة قانونية وسياسية بالغة الأهمية، لأنه يسقط ـ بحسب خبراء ـ كل الدعاوى الإسرائيلية التي أنكرت وجود مجاعة أو اتهمت التقارير الحقوقية بالمبالغة.
إسقاط الرواية الإسرائيلية
الخبير في الشأن السياسي الدكتور أحمد رفيق عوض، يرى أن التقرير 'مهني وموضوعي وعالمي، ويسقط كل الأكاذيب التي تقولها (إسرائيل) بعدم وجود مجاعة'.
وأوضح عوض لصحيفة 'فلسطين' أن أهمية هذا التقرير تكمن في أنه سيساعد في محاصرة الاحتلال ونزع الشرعية عنه والمطالبة بوقف الحرب، وتكذيب الرواية الإسرائيلية أمام الرأي العام الدولي.
وأكد أن التأثير قد لا يكون سريعًا، لكنه يمثل 'انتصارًا للضحية' وورقة ضغط قوية ستجعل (إسرائيل) تشعر بأنها أمام مخالفات إنسانية كبيرة لا يمكن تبريرها ولا يمكنها تجاوز التقرير أو تكذيبه، مشددًا على أن 'الإدارة الأمريكية ستضطر للاعتراف به، ومن ثم الضغط على (إسرائيل) لإدخال مساعدات إنسانية بشكل أكبر'.
ضغوط متنامية على الحلفاء
التقرير الأممي لا يضع (إسرائيل) وحدها في دائرة الاتهام، بل يحرج أيضًا الدول الداعمة لها، خاصة الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأوروبية. ويشير عوض إلى أن 'الداعمين للاحتلال سيكونون في موقف محرج ولن يقدروا على الدفاع عنه، إذ ستطالب كل الدول بزيادة إدخال المساعدات وإشراك هيئات دولية أخرى في الإغاثة'.
وبيّن أن مثل هذه الخطوات الأممية 'تشكل ضغطًا هائلًا على الاحتلال وتجعل من الصعب على الحكومات الحليفة له الاستمرار في تبرير سياساته'.
من جانبه، يصف الدكتور أحمد فارس عودة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، القرار بأنه 'سابقة في العصر الحديث، إذ لم تُعلن الأمم المتحدة من قبل عن حالة مجاعة في سياق حرب إبادة بهذا الشكل'. ويرى أن لهذا الإعلان 'أثرًا سياسيًا عاليًا على القضية الفلسطينية، إذ يعزز الإجماع الدولي على إدانة إسرائيل باعتبارها دولة مارقة'.
وأوضح عودة لـ'فلسطين'، أن البعد التاريخي للقرار بالغ الأهمية، 'فالحركة الصهيونية لطالما استخدمت مبرر ما تعرض له اليهود في ألمانيا كذريعة لإسكات الانتقادات، لكن إعلان الأمم المتحدة أسقط هذه الورقة من يد (إسرائيل)، وأثبت أن القضية لم تعد مرتبطة بالاتهامات الجاهزة بمعاداة السامية'.
حتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من الإدارة الأمريكية على إعلان المجاعة. لكن عودة يرى أن واشنطن 'لن تجرؤ على معارضة القرار، لأنها بنفسها أقرت سابقًا بوجود جوع في غزة وطلبت من إسرائيل إدخال مساعدات'. ورجح أن يقود القرار الجديد إلى موقف أمريكي أقوى باتجاه 'المطالبة بوقف الحرب وضمان تدفق المساعدات'.
وأضاف: 'تصريحات نتنياهو الأخيرة التي قال فيها إن (إسرائيل) لا تجوع أحدًا وإنها تسمح بدخول المساعدات، باتت أكاذيب مكشوفة بعد صدور تقرير أممي بهذا الحجم'.
تغيّر المعادلة
يتفق الخبراء على أن القرار الأممي لن يبقى حبرًا على ورق، بل ستكون له تبعات سياسية كبيرة خلال أسابيع قليلة. إذ يتوقع عودة أن 'بداية سبتمبر قد تشهد دخول أكثر من 650 ألف إنسان في مرحلة الجوع، ما سيجعل الضغط الدولي على (إسرائيل) لا يُحتمل'.
ويذهب عوض إلى أن 'الاحتلال، رغم استعداده لمواصلة عملياته العسكرية، سيضطر إلى وضع المساعدات الإنسانية كأولوية حتى لا يُتهم رسميًا بتجويع الفلسطينيين'، فيما يرجح عودة أن تشهد المرحلة المقبلة 'تحركًا دبلوماسيًا يقوده بعض أعضاء الجمعية العامة للمطالبة بطرد (إسرائيل) من الأمم المتحدة أو تعليق عضويتها، نتيجة لارتكابها جرائم إبادة ومجاعة بحق المدنيين'.
ومن المتوقع أن تترك هذه السابقة أثرًا واضحًا على مواقف بعض الحكومات الأوروبية. فبينما تبقى الولايات المتحدة الأكثر تمسكًا بدعم إسرائيل، إلا أن دولًا مثل ألمانيا وبريطانيا ـ بحسب تقديرات عودة ـ ستجد صعوبة في تبرير مواقفها السابقة، وقد تبدأ بالانضمام إلى المطالب الداعية إلى وقف الحرب.
أما على مستوى الشعوب، فإن الإعلان الأممي عزز ـ كما يقول عودة ـ مناصرة الرأي العام العالمي للقضية الفلسطينية، 'فحتى الحكومات التي ترفض اتخاذ مواقف ضد (إسرائيل)، تواجه ضغطًا شعبيًا متناميًا يجعل استمرار الصمت أمرًا غير ممكن'.

























































