اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٧ نيسان ٢٠٢٥
خاص/ شهاب
مع استمرار الحرب التي دخلت شهرها الثامن عشر، تتفاقم الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة، وعلى رأسها أزمة السيولة المالية التي حوّلت حياة السكان إلى سباق يومي للبقاء وسط الغلاء، ونقص النقد، وعمولات 'تكييش' تُنهك جيوبهم.
في أحد أزقة مدينة غزة المُدمّرة، يفتح الخمسيني أبو مصطفى محله الصغير بهدوء، يضع ما تبقى من المواد التموينية القليلة على رفوفه، ويحدّق في الزبائن بعينين مثقلتين بالتعب.
يقول أبو مصطفى، في حديثه لـ'شهاب': 'كنت أبيع على التطبيق عشان أساعد الناس وأخفف عنهم أزمة الكاش، بس التاجر صار ما يبيعنا إلا نقدي، فبطّلت أقدر أكمل، ورجعت أبيع كاش فقط'.
ويضيف: 'يا ريت أقدر أشتغل على التطبيق. الناس ما عندها كاش، واللي بده كاش بيدفع دم قلبه بالعمولة، لكن للأسف البضاعة نفسها غالية وبنشتريها نقدًا'.
عمولات خانقة وسط الحصار
أزمة السيولة المالية أصبحت كابوسًا يوميًا يثقل كاهل المواطنين في غزة، ويُفاقم من مآسي الحرب. ويُوضح الخبير في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، في حديثه لـ'شهاب': 'أزمة السيولة تشتد يومًا بعد يوم، خاصة في ظل رفض إسرائيل إدخال أي كميات نقدية إلى القطاع'.
ويضيف أبو قمر أن الأمور تعقّدت أكثر مع انتشار العملة التالفة التي يرفض البائعون والزبائن التعامل بها، فأصبحت 'شيكلًا خاملًا'.
وبحسبه، وصلت نسبة التكييش – أي عمولة الحصول على النقد – إلى قرابة 32% من إجمالي المبلغ، ما يعني أن المواطن يضطر لخسارة ثلث ماله فقط ليستلمه كاشًا، وهذا مرهق جدًا في ظل ارتفاع الأسعار وشح الموارد.
'أخسر لأعيش'
محمد، موظف حكومي من غزة، يصف كيف أصبحت الحياة اليومية 'رحلة بحث عن النقد' لا تقل قسوة عن مواجهة القصف:
ويقول: 'للأسف، كثير من المتاجر الكبيرة اللي كانت تبيع عبر التطبيقات سكّرت، بسبب شح البضائع وإغلاق المعابر. أنا مجبر آخد كاش بعمولة عالية، وبشتري من البسطات بأسعار أغلى. بس شو أعمل؟ بدي أعيش'.
أما أم يزن، وهي أم لثلاثة أطفال، فتقول إن الأزمة دفعتها كما غيرها الكثير، لتغيير عاداتها الشرائية: 'صرت ألف السوق على المحلات اللي بتبيع عبر التطبيق، عشان ما أضطر أسحب كاش وأخسر بالعمولة. بس للأسف، المحلات هاي صارت قليلة جدًا بعد ما أغلقت معظم المتاجر الكبيرة'.
وتضيف بحسرة: 'حتى أولادي بطلت أقدر أعطيهم مصروف. إذا ما عندك كاش، ما بتقدر تشتري أي شيء'.
غياب سلطة النقد
يؤكد أبو قمر أن تفاقم الأزمة يرجع بالأساس إلى غياب البنوك الفلسطينية وضعف دور سلطة النقد منذ بداية الحرب، وهو ما فسح المجال أمام السوق السوداء لتزدهر.
ويقول: 'غياب الدور الرسمي والرقابة البنكية ساهم في خلق بيئة مناسبة لتجار الأزمات. المواطن لا يملك خيارًا سوى الرضوخ للعمولة، في ظل غياب البدائل'.
ويشير إلى أن التعامل بالمحافظ الإلكترونية والتطبيقات البنكية قد يخفف من الأزمة، لكنه يحتاج إلى: بنية تحتية تكنولوجية قوية، وثقافة مالية تجنّبهم من عمليات النصب والاحتيال.
أزمة مركبة
أزمة السيولة في غزة ليست فقط مشكلة مالية، بل انعكاس مأساوي لانهيار المنظومة الإنسانية بفعل الحصار وحرب الإبادة والتجويع التي يشنها الاحتلال على القطاع.
ويرى خبراء أن الحل لا يكمن فقط في تجاوز الأزمة، بل في الضغط على الاحتلال للسماح بإدخال النقد والاحتياجات الأساسية، وإعادة فتح المعابر، وتمكين السكان من العودة إلى حياة طبيعية بعيدًا عن الابتزاز المالي اليومي.