اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣ أيلول ٢٠٢٥
لم يكن القرار التاريخي الذي اتخذته الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية باعتبار ما يجري في غزة جريمة إبادة جماعية مجرد حدث عابر في المشهد الدولي، بل يمثل نقطة تحول فارقة في الخطاب القانوني والسياسي حول الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت الجمعية العامة قد أقرّت بأن المعايير القانونية تثبت أن سياسات (إسرائيل) وأفعالها في غزة تستوفي التعريف القانوني لـ 'الإبادة الجماعية' الوارد في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948.
وجاء القرار متزامناً مع موجة متصاعدة من التضامن الشعبي الدولي، من حملات السفن التضامنية إلى المظاهرات المليونية في العواصم الغربية، وصولاً إلى التحولات الواضحة في استطلاعات الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث باتت الأغلبية ترى (إسرائيل) دولة معتدية وليست ضحية.
هذه التطورات تطرح أسئلة جوهرية: هل نحن أمام مرحلة جديدة ستقود إلى عزل (إسرائيل) على المدى القريب؟ وهل يمكن أن تُترجم هذه الضغوط إلى محاكمات فعلية لقادة الاحتلال؟ والأهم: هل تسهم هذه التراكمات في وقف الإبادة الجماعية الجارية بحق الفلسطينيين؟
خسارة متسارعة
يؤكد عضو اللجنة الفلسطينية لمقاطعة (إسرائيل) د. مازن قمصية، أن الاحتلال يتعرض لخسارة متسارعة على المستوى الإعلامي والقانوني والدولي.
ويقول قمصية لـ 'فلسطين أون لاين': 'بعد عقود من تمسك (إسرائيل) بصورة 'الضحية' أمام العالم، نشهد اليوم تغيراً جذرياً في الخطاب الحقوقي؛ إذ لم تعد المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وحتى منظمة بتسيلم الإسرائيلية تتردد في وصف ما يحدث بأنه إبادة جماعية ممنهجة'.
وأشار إلى أن حملات المقاطعة العالمية بدأت تؤتي ثمارها في الاقتصاد الإسرائيلي، فيما بدأت المحاكم الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية، تتعامل بجدية مع ملفات جرائم الحرب. ومع ذلك، يطرح تساؤلاً مركزياً: هل يحدث هذا بالسرعة الكافية لوقف المجازر الجارية؟
ورأى قمصية أن الضغط الشعبي في الغرب – من المظاهرات المليونية إلى سفن التضامن التي يشارك فيها نواب وفنانون من 44 دولة – أحدث تشققات حقيقية في جدار الصمت الدولي، مستدركاً 'لكن الوضع الفلسطيني 'حرج للغاية'، والوقت ليس في صالح الضحايا، ما يفرض الحاجة إلى تسريع وتيرة الضغط السياسي والقانوني، سواء من خلال المحاكم الدولية أو عبر تفعيل الدور العربي والفلسطيني الرسمي، الذي يراه ما يزال غائباً أو متردداً'.
تحول تاريخي
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح د. رائد نعيرات أن من أهم نتائج العدوان الإسرائيلي الأخير كانت تحويل (إسرائيل) لأول مرة في التاريخ الحديث إلى دولة منبوذة في الوعي الغربي.
وقال نعيرات لـ 'فلسطين أون لاين'، إن (إسرائيل) التي تأسست على ذاكرة المحرقة واحتكرت سردية 'الضحية'، باتت اليوم في نظر المجتمع الدولي دولة ترتكب الفظائع ذاتها التي طالما ادعت أنها عانت منها.
هذا التحول لا يعني بالضرورة تغييرات سريعة على الأرض، لكنه يمثل تآكلاً عميقاً في الفلسفة التي قامت عليها دولة الاحتلال. فالعزل، كما يصفه نعيرات، أصبح واقعاً، يتجلى في تحركات عدد من الحكومات الأوروبية، وفي التحولات داخل المؤسسات الدولية، رغم أن هذه الخطوات ما تزال عاجزة عن وقف الإبادة اليومية بسبب الفيتو الأمريكي المتكرر.
ويضيف أن نزع الشرعية عن الاحتلال لا يقتصر على البعد القانوني، بل يمتد إلى البعد الرمزي والفلسفي، حيث تتحول (إسرائيل) من 'الدولة الضحية' إلى 'الدولة الجلاد'. وهذا التحول يرسخ في الذاكرة السوداء للبشرية، وقد ينعكس على المدى البعيد في عزلة شاملة تقوض أركان وجودها السياسي والمعنوي.
التحولات الجارية في الرأي العام الغربي، والمواقف الدولية القانونية، وحملات المقاطعة، كلها تشير إلى مسار واضح نحو تضييق الخناق على (إسرائيل). لكن التحدي يكمن – كما يشير الخبراء – في أن هذا المسار لا يزال بطيئاً مقارنة بحجم الكارثة الإنسانية اليومية في غزة.
وقال الخبيران 'على المدى القريب قد نشهد إصدار مذكرات توقيف دولية بحق شخصيات إسرائيلية، مثل نتنياهو ووزراء آخرين، وهو ما سيشكل ضربة رمزية وسياسية قوية، أما على المستوى المتوسط سيزداد الضغط الاقتصادي بفعل المقاطعات والانسحابات الاستثمارية، خاصة مع تأثر صورة إسرائيل لدى الأجيال الجديدة في الغرب'.
وعلى المدى البعيد، يتوقع الخبيران أن يؤدي تراكم هذه الضغوط إلى نزع الشرعية الكاملة عن (إسرائيل)، وتحويلها إلى دولة مارقة على غرار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً.
هل توقف الإبادة؟
يرى الخبيران أن هذا الأمر لن يكون في الوقت الآني، فبينما تُحدث القرارات الدولية وحملات التضامن تشققات جدية في جدار الدعم الغربي لـ(إسرائيل)، إلا أن استمرار الدعم الأمريكي، العسكري والسياسي، يظل العائق الأكبر أمام ترجمة هذه التحركات إلى إجراءات ملزمة توقف المجازر.
ومع ذلك، فإن مسار العزلة الدولية بات مؤكداً، وقد بدأت بالفعل المحاكم الدولية والإعلام العالمي في تسجيل الجرائم وتوثيقها. هذه الخطوات لا تعني فقط محاكمة قادة الاحتلال مستقبلاً، بل أيضاً إعادة صياغة موقع (إسرائيل) في النظام الدولي.
يقول قمصية: 'الجدار يتشقق ونحن نقرع عليه بقوة؛ سيأتي اليوم الذي ينهار فيه لا محالة'. فيما يرى نعيرات إلى أن انكشاف (إسرائيل) كجلاد هو بحد ذاته انتصار استراتيجي للفلسطينيين، حتى وإن تأخر في إنتاج نتائجه العملية.