اخبار فلسطين
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
ألا يدهشكم انسحاب ترامب وإسرائيل فجأة من الحرب دون تنازلات علنية من إيران؟
ألا يبدو من المدهش، بل من الغريب، أنه بعد عقود من الضغط وبعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي 5+1 مع إيران، وبعد الهجوم الإسرائيلي المباشر على إيران، أن ينسحب ترامب وإسرائيل برغم تصريحات إيران حول الحفاظ على البرنامج النووي، وبرغم الحفاظ على النظام والبلد نفسه، وبرغم أننا رأينا بوضوح كيف حدد نتنياهو وترامب لأنفسهما علنا هدف الإطاحة بالنظام؟ يأتي ذلك وإيران قد التزمت بكل ما طلبته منها الولايات المتحدة في اتفاقيات 5+1 التي مزقها ترامب، ولم تتمكن من تحقيقه خلال حرب الإثني عشر يوما، ومن الواضح أن واشنطن لن ترضى الآن. ويأتي ذلك برغم أن إسرائيل، ولا سيما الولايات المتحدة، لم تتكبد أية أضرار عسكرية أو اقتصادية أو حتى بشرية ملحوظة، ولديها القدرة على مواصلة الحرب.
بمعنى أن الانطباع السطحي هو أنهم، ولسبب غامض، تركوا إيران حتى على مستوى الدبلوماسية والتصريحات. الوضع معلق، بينما ننظر إلى صورة محاربين تجمدوا وهم يرفعون سيوفهم، وتوقف القتال في ذروة الأحداث. وحدها سذاجة الأطفال تصدق أن هذا سيستمر طويلا.
كان ذلك ممكنا وضروريا لو كانت الولايات المتحدة على وشك الدخول في صراع عسكري مع روسيا، ولم ترغب في تشتيت قواتها. ورغم فشل ترامب في الانسحاب من أوكرانيا، فإن الحرب المباشرة مع روسيا هي آخر ما يحتاجه، وهو لا يستعد لها، وهي بالتأكيد ليست سببا كافيا لوقف الحرب ضد إيران.
هناك ثلاثة تفسيرات محتملة وواقعية نسبيا لهذا الوضع الغريب:
1- طهران أقرت بالهزيمة في المفاوضات السرية مع واشنطن، وتعهدت بالتزامات تفوق بكثير اتفاق 5+1، ومن المتوقع أن تطبق هذه الالتزامات قريبا. إلا أن هذا الخيار هو الأقل ترجيحا لأسباب عديدة، منها أنه لن يكون كافيا لإسرائيل.
2- لدى إٍسرائيل أولويات أكثر إلحاحا على جبهة أخرى. من الواضح أن الجبهات الأخرى ليست ساخنة بعد، بل أقول إن لدى إٍسرائيل الكثير لتفعله في فلسطين ولبنان وحتى سوريا بينما يتم تجميد الحرب مع إيران، لكن لا توجد حاجة ملحة لذلك. يمكننا افتراض أن نتنياهو يقايض تجميد الحرب مع إيران بالتزام ترامب بالمساعدة في قضية لا تقل أهمية. ربما يكون تهجير الفلسطينيين هدفا بنفس الأهمية لنتنياهو، يمكنه مقايضة تجميد الحرب مؤقتا بدعم ترامب في هذه القضية، أو بوعد الانضمام إلى الحرب إذا حاولت إيران منع تدمير 'حزب الله' نهائيا. سنرى قريبا ما إذا كان هذا الخيار سيتحقق.
3- مع بداية كتابة مقالاتي، منذ عام 2018، وربما قبل ذلك، وأنا أتحدث عن حتمية الصدام العسكري بين الولايات المتحدة والصين. اليوم، أصبح الأمر واضحا وضوح الشمس، ويتحدث عنه الجميع. وما أقوله الآن هو أن الحرب الصينية الأمريكية ستبدأ على الأرجح ليس بسبب تايوان، بل بسبب إغلاق مضيق هرمز، وهو ما يعادل بدء الحظر النفطي الأمريكي على الصين. ومهمة الولايات المتحدة هي القيام بذلك بأيدي إيران، حتى تلغّم إيران نفسها مضيق هرمز أو تغلقه بطريقة أخرى. بل والأفضل من ذلك أن تدمر إيران البنية التحتية للنفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي، هذا هو الحلم والخيار النموذجي للولايات المتحدة. لذلك أرى أن حربا إسرائيلية أمريكية واسعة النطاق ضد إيران تجعل النظام والبلاد عرضة للزوال، وتجبر الإيرانيين على استخدام 'الأسلحة النووية الإيرانية'، أي إغلاق مضيق هرمز، هي مسألة وقت لا أكثر، شريطة أن تقرر الولايات المتحدة حينها خوض الحرب مع الصين.
بل إن هذا النهج، علاوة على ذلك، يعمل في كل الاتجاهين: فإغلاق مضيق هرمز قد يستغل من قبل الولايات المتحدة لشن الحرب على الصين، والعكس صحيح، حيث سيجر ذلك الولايات المتحدة إلى حرب مع الصين عند إغلاق المضيق. ويعتمد هذا التفسير على ما إذا كانت الولايات المتحدة بحاجة إلى حرب مع الصين عند إغلاق المضيق.
إن إنهاء الحرب ضد إيران دون تحقيق نصر واضح لإسرائيل والولايات المتحدة هو علامة على أن ترامب غير مستعد لبدء حرب مع الصين في الوقت الراهن.
من بين التفسيرات المحتملة أيضا هو الشعار الذي ابتكره الديمقراطيون لوصف ترامب 'تاكو' TACO، والذي يعني 'ترامب دائما يتراجع' Trump Always Chickens Out، ما يمكن شرحه بأن ترامب دائما ما يتراجع قبل رد خصمه على تحديه.
قد يبدو هذا صحيحا، إلا أنه في هذه الحالة لا يعتمد كل شيء على ترامب، إذا تحظى لمواجهة مع الصين بدعم الحزبين في الولايات المتحدة، ويشير المسار العام للتاريخ إلى حتمية الصراع العسكري، حيث تخسر الولايات المتحدة المنافسة الاقتصادية في أي سيناريوهات أخرى، وتغرق في أزمة اقتصادية كارثية، وسوف تنهار على الأرجح.
إن مسار التاريخ حتمي، وعلى المستوى الكلي، فإن إمكانيات السياسيين محدودة للغاية، بينما يدفعنا التاريخ دفعا نحو مسار ضيق للغاية. ومع ذلك، وكقاعدة عامة، وفي أي موقف تقريبا، دائما ما يوجد سيناريوهان للأحداث: السيناريو الثوري وسيناريو القصور الذاتي. ففي حالة عجز الموازنة طويل الأجل على سبيل المثال، يمكن للحكومة نفسها الإقدام على خفض الإنفاق ومحاولة الطفو في بحر هائج من الاحتجاجات والثورات وغيرها من المشكلات، أو الانتظار حتى ينهار كل شيء تلقائيا ويعود الدخل والنفقات إلى التوازن في ظل انهيار اقتصادي وربما احتجاجات وثورات أكبر إلى آخره.
حرب الولايات المتحدة ضد الصين هي السيناريو الثوري الذي يمنح الولايات المتحدة فرصة ضئيلة لتغيير مجرى التاريخ، أما سيناريو القصور الذاتي هو انهيار الولايات المتحدة في وقت لاحق على خلفية صعود الصين.
دائما ما تميل الشعوب، أي عامة الناس، إلى إطالة الأمور حتى النهاية، أي إلى سيناريو القصور الذاتي. بالنسبة للسياسيين فإن السيناريوهات الثورية غالبا ما تكون انتحارية. قلة قليلة من السياسيين يملكون القدرة على اتباع السيناريوهات الثورية، وهم من لا يطلق عليهم سياسيون، بل رجال دولة عادة ما يدخلون التاريخ بعد ذلك بوصفهم شخصيات تاريخية عظيمة.
عادة ما تستند توقعاتي إلى افتراض أن صانعي القرار سيتصرفون كما كنت لأتصرف لو كنت في موقعهم، أي أنهم سيتبعون سيناريوهات ثورية كطريق وحيد للنجاة. ولكن، يجب ألا ننسى أبدا، حرصا على اكتمال الصورة، أن سيناريوهات القصور الذاتي هي الأخرى ممكنة، وربما تتحقق في كثير من الأحيان.
فيما يتعلق بترامب، كنت أتصور حتى وقت قريب أنه ينتمي إلى شخصيات السيناريوهات الثورية، إلا أنه يثبت مع الأيام تردده.
وتجميد الحرب مع إيران هو إما تأجيل للحرب مع الصين إلى وقت أنسب (وهو أمر مستبعد لأن الغرب يزداد ضعفا مع الأيام، بينما تزداد الصين قوة، وفرص الولايات المتحدة وترامب في الانتصار تتضاءل مع الوقت). أو أنه رفض ترامب للسيناريو الثوري أي الحرب مع الصين. ربما يترك الأمر لخليفته، أما هو فسيواصل اللعب على مسألة التعديلات الرسوم الجمركية فيطبقها ثم يلغيها بعد أسبوع.
هناك تفسير رابع لتجميد الحرب الإيرانية: هو أن ترامب مهرج. حينها لن يكون هناك جدوى من البحث عن أية تفسيرات منطقية لخطواته. لكننا لن نفكر في هذا التفسير الآن، وإلا لكانت مقالاتي جميعا عن الولايات المتحدة ستقتصر على العبارة السابقة.
على أي حال، وكما ذكرت، فإن مجرى التاريخ حتمي، ومنطق الأحداث أقوى من منطق النوايا. وفيما يتعلق بالحرب الإيرانية، لا ينبغي أن ننسى نتنياهو، الذي يفضل بلا شك السيناريوهات الثورية على سيناريوهات القصور الذاتي. في النهاية، أعتقد أن تجميد الحرب في إيران لن يدوم طويلا.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة 'تلغرام' الخاصة بالكاتب
https://t.me/futurecrimean
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب