اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٩ أيلول ٢٠٢٥
شهدت الساحة الدولية في الأسابيع الأخيرة موجة من الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، وُصفت بأنها خطوة رمزية تحمل دلالات سياسية وأخلاقية، لكنها تظل منقوصة ما لم تُترجم إلى أدوات ضغط فعلية على الاحتلال الإسرائيلي.
يرى خبراء سياسيون أن هذه الاعترافات لم تأتِ إلا تحت وقع الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة، ونتيجة لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، لكنها تبقى مهددة بأن تتحول إلى 'وعود مؤجلة' شبيهة بقرارات الأمم المتحدة السابقة.
وخلال الأيام الماضية، اعترف 11 بلدا بدولة فلسطين، وهي: بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال ولوكسمبورغ وبلجيكا وأندورا وفرنسا ومالطا وموناكو وسان مارينو، ليرتفع بذلك عدد المعترفين إلى 159 من أصل 193 دولة عضو بالأمم المتحدة.
ومع أن نحو 80% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باتت تعترف بفلسطين، إلا أن هذه الخطوة وحدها لا يمنحها العضوية الكاملة، إذ يتطلب ذلك موافقة مجلس الأمن لدولي، التي يتوقع مركز 'ستراتفور' الاستخباراتي الأميركي أنها ستصطدم حتما بحق النقض (الفيتو) الأميركي.
خطوة رمزية
ترى أستاذة العلوم السياسية والقانون الدولي د. لينا الطبال أن اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين لا يمكن اعتباره تحولًا جذريًا في الموقف الغربي، بقدر ما هو 'تصحيح متأخر لمسار سياسي مختل استمر لعقود طويلة'.
وتوضح الطبال لصحيفة 'فلسطين'، أن الغرب، الذي طالما احتكر خطاب حقوق الإنسان والشرعية الدولية، ظل مترددًا أمام الحق الفلسطيني في إقامة دولته، 'لكن ما جرى من جرائم إبادة في غزة فضح ازدواجية المعايير وأجبر أوروبا على خطوة رمزية'.
وتشير إلى أن هذه الاعترافات جاءت 'تحت ضغط الجرائم اليومية في غزة، من قتل للمدنيين والأطفال وقصف المستشفيات والمدارس'، ما جعل الصمت الأوروبي 'مستحيلًا أخلاقيًا'، لكنها تشدد على أن 'الاعتراف وحده لا يكفي، بل يجب أن يتبعه ضغط حقيقي وعقوبات على (إسرائيل)، وإلا سيتحول إلى مجرد قرار يضاف إلى سجل قرارات الأمم المتحدة غير المنفذة'.
وتصف الخطوة الأوروبية بأنها 'صحوة ضمير متأخرة'، بل 'تكفير سياسي عن تاريخ مثقل بالمسؤولية تجاه الفلسطينيين منذ اتفاقية 'سايكس بيكو' و'وعد بلفور' مرورًا بكل المجازر'. وتؤكد أن الاعتراف، مهما كان وزنه الرمزي، 'لن يغسل أيدي أوروبا من دماء الفلسطينيين'.
وأضافت أن 'وحشية الإبادة جعلت حتى حلفاء (إسرائيل) الغربيين عاجزين عن تبرير ما يجري أخلاقيًا وسياسيًا'، وأن الرأي العام الأوروبي بات مختلفًا عن الموقف الأمريكي 'المتمسك بالدعم غير المحدود لـ(إسرائيل)'، معتبرة أن هذا التباين قد يقود إلى عزلة لواشنطن في مجلس الأمن، حيث تجد نفسها وحيدة في استعمال حق النقض (الفيتو).
وترى الطبال أن (إسرائيل) 'لم تعد خطًا أحمر سياسيًا أو أخلاقيًا' أمام العالم، وأنها تتجه إلى عزلة شبيهة بما واجهه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لكنها تلفت إلى أن 'تحقيق ذلك مرهون بفرض عقوبات فعلية، لا بالاكتفاء بخطوات رمزية'.
وعن حدود الموقف الأوروبي، أوضحت أن اعتراف بعض القادة مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ترافق مع دعوات للانتقال من الرمزية إلى الفعل، لكن هذه الدعوات تصطدم بواقع معقد 'أبرز ملامحه غياب الإرادة السياسية المستقلة لأوروبا، وبقاؤها رهينة للهيمنة الأمريكية والارتباط الأمني والاقتصادي مع (إسرائيل)، فضلًا عن العجز البنيوي للاتحاد الأوروبي في صياغة سياسة خارجية مستقلة'.
وخلصت الطبال إلى أن 'ما لم يتم كسر هذا الثلاثي: واشنطن – (تل أبيب) – العجز الأوروبي، ستبقى الاعترافات الأوروبية خطوة معنوية، بلا أدوات ضغط، ومصيرها مثل قرارات الأمم المتحدة التي بقيت حبرًا على ورق'.
خطوات عملية
من جهته، خبير الشؤون السياسية والعلاقات الدولية د. نعيم الريان يرى أن موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية تمثل 'خطوة مهمة في مسار نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه'، لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن تبقى هذه الاعترافات 'شكلية' إذا لم تتبعها خطوات عملية لتضييق الخناق على الاحتلال وانتزاع الحقوق الفلسطينية.
ويؤكد الريان أن هذه الاعترافات لم تأتِ من فراغ، بل هي 'نتيجة مباشرة لتضحيات الشعب الفلسطيني وثمرة مقاومته للاحتلال، خاصة خلال العامين الماضيين'، مشددًا على أن غزة وشعبها ومقاومتها كان لهم الدور الأبرز في فرض هذه الاعترافات على الأجندة الدولية.
مع ذلك، ينبه الريان إلى أن 'الاعترافات لا تعني أن الاحتلال سينتهي قريبًا'، فالشعب الفلسطيني يواجه 'احتلالًا إحلاليًا واستيطانيًا على أنقاض أرضه وحقوقه، ويستميت في فرض واقع يمنع قيام الدولة الفلسطينية'، وهو ما يفسر حجم الإبادة الجماعية الجارية في غزة وما يرافقها من عدوان وقسوة.
ويضيف: 'لا يجوز الرهان على الاعترافات فقط والاكتفاء بها، فقد سبق أن كانت لفلسطين حكومة قبل قيام دولة الاحتلال، وسبق أن صوتت الأمم المتحدة على قرار التقسيم الذي كان يعني قيام دولتين، ومع ذلك لم تر الدولة الفلسطينية النور. كل هذه الاعترافات قد تذهب أدراج الرياح كما حدث سابقًا إذا تخلينا عن عناصر القوة الفلسطينية وركنا إلى الوعود'.
ويربط الريان الاعترافات الأخيرة بحسابات أوروبا الاستراتيجية، مبينًا أن 'المنطقة كلها باتت على كف عفريت من حيث الاستقرار ومن حيث شرعية النظم السياسية، بعد عجزها عن نصرة الشعب الفلسطيني'، معربًا عن اعتقاده بأن هذه الاعترافات قد تمنح تلك الأنظمة 'جرعة دعم سياسي لتخطي الحرج الذي وقعت فيه أمام شعوبها'.
ومع ذلك، يخشى الريان أن تكون الخطوة الأوروبية مجرد 'استجابة للضغط الشعبي الداخلي ووسيلة لإراحة الضمير الغربي بعد أن ضُرب في الصميم'، محذرًا من أن يقف الأمر عند هذا الحد في ظل صلف الاحتلال وتمسكه بمواقفه وتعويله على دعم الإدارة الأمريكية.
وأكمل حديثه: 'التاريخ مليء بالوعود التي لم تُنفذ. الفلسطينيون تعرضوا للخداع والمراوغة أكثر من مرة، وأُدخلوا في دوامة انتظار طويلة بلا نتائج. نأمل ألا يتكرر المشهد ذاته اليوم، فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين، ونحن لُدغنا أكثر من مرة'.
وتأتي الاعترافات بدولة فلسطين بالتزامن مع إبادة جماعية بقطاع غزة ترتكبها (إسرائيل) بدعم أمريكي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خلّفت 66 ألفا و5 شهداء و168 ألفا و162 مصابا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 442 فلسطينيا بينهم 147 طفلا.