اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٥ أيار ٢٠٢٥
في كل زاوية من زوايا غزة الملحمة، تتجسد صور من الثبات والصبر الذي لا ينتهي. إن غزة، بأرضها وشعبها، لا تعرف الهزيمة. مع كل قسوة، مع كل دمعة، مع كل دماء تسيل، يبقى الشعب الفلسطيني صامدًا، معتقدًا أن النصر ليس في كثرة العدد أو العدة، بل في قوة الإيمان والإرادة. كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وها هو داوود الفتى، القادم من أزقة غزة المدمرة، يُسقط جالوت الطاغي. إن فلسطين تُعلمنا الصبر والثبات، وتُعلمنا أن الموت في سبيل الله ليس هزيمة، بل هو الفوز الأبدي. ورسالة هذه الأرض هي واحدة: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} (الإسراء: 7)، مهما طال الزمن، ومهما كانت التضحيات.
معارك تحرير فلسطين قاسية وصعبة ولا نظير لها، كانت اختبارًا للإيمان والثبات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} (الأنفال: 45).
فريقٌ ثبّتهم الله، فخاضوا المحرقة بشقيها، هجومًا ودفاعًا، فريق الثبات الذين اعتصموا جبل الرماة ولم يغادروا ساحة الميدان، وقدموا ملحمة عظيمة، هؤلاء الذين آمنوا بقدر الله الغلّاب وواصلوا القتال رغم تخلي البشرية: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (آل عمران: 146).
الثبات والصبر يحققان النصر وليس العدد والعدة: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} (البقرة: 249)، وداوود يتجدد في مواجهة جالوت: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} (البقرة: 251).
ومن هؤلاء الفئة الأكثر رفعة من لقي ربه، ومنهم من ينتظر: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب: 23).
وهؤلاء هم الذين واجهوا الجيش الذي لا يُقهَر بأعداده وعتاده وعربدته من نقطة الصفر: {وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} (الأنفال: 65)، وآمنوا بقدرهم، الموت في ميدان النزال: {وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} (آل عمران: 142).
حيث الموت كتاب مؤجل، ولا يخضع للأسباب: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (آل عمران: 154).
وأخيرًا، تتجسد في عصابات الإبادة هزيمة مدوية حين: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} (البقرة: 251)، والعالم يرى كيف أن عددًا قليلًا من المقاتلين: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} (البقرة: 249).
ورغم ذلك، يخرج داوود الفتى من أزقة غزة وبيوتها المدمرة ليقتل جالوت المتغطرس، المدرع بكل أشكال القوة والظلم، بالتأكيد كل هذا يقود إلى المشهد الأخير الذي نحيا على أنغامه ونرقبه جميعًا: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} (الإسراء: 7)، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} (الإسراء: 51)، {إنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} (هود: 81).