اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢١ تشرين الأول ٢٠٢٥
يعيش تيار اليمين الصهيوني المتطرف أزمة حقيقية بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. فبالرغم من مشاعر النشوة والابتهاج التي عبّر عنها رموز هذا التيار، عبر تصريحات متكررة عن أن “اليوم التالي في غزة” سيكون خالياً من حركة حماس عسكرياً وسياسياً، إلا أن الواقع الميداني والحقائق المتراكمة على الأرض تكشف أن هذه الادعاءات ليست سوى أمنيات متهاوية وأوهامٍ سرعان ما تكسّرت على صخرة صمود المقاومة والشعب الفلسطيني.
لقد أثبتت الوقائع أن حركة حماس ليست مجرد فصيل عابر يمكن تجاوزه أو اجتثاثه بقرار سياسي أو عسكري؛ بل هي حالة وطنية متجذّرة في الوجدان الجمعي الفلسطيني، تمتلك رصيداً نضالياً عميقاً، وحاضنةً شعبية واسعة، أثبتت وفاءها وصبرها وإيمانها بعدالة قضيتها. وما أن بدأت ملامح الانسحاب الإسرائيلي من بعض مناطق القطاع حتى سارعت الأجهزة الأمنية التابعة للحركة إلى الانتشار المنظّم، وأعادت ضبط الأمن والنظام، ولاحقت العصابات والمتعاونين، لتؤكد أن غزة لم تسقط في الفوضى، بل بقيت متماسكة ومحصّنة بإرادة المقاومة.
ولعلّ الطريقة المنضبطة التي أدارت بها كتائب القسام ملف الأسرى الإسرائيليين — حيث سلّمت الأحياء وما توفر من جثامين القتلى بترتيبٍ منظمٍ فاجأ العدو قبل الصديق — تعكس درجةً عالية من التنظيم والمسؤولية السياسية والعسكرية.
في المقابل، تكشّف أن مشروع اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة نتنياهو، الهادف إلى تحويل قطاع غزة إلى ساحة استيطان زاحف على غرار الضفة الغربية بعد “تطهيره” من سكانه عبر التهجير القسري والطوعي، ليس سوى استعادة فاشلة لخطاباتٍ استعمارية عفا عليها الزمن. فحلم إخراج غزة من معادلة الصراع أو القضاء على حماس يشبه أحلام القوى الاستعمارية التي سعت لإبادة الشعوب الأصلية في القرون الماضية، متجاهلةً التحولات الكبرى في الوعي والواقع الإقليمي والدولي.
حتى الحليف الأميركي التقليدي، الرئيس دونالد ترامب، لم يتردد في القول إن “إسرائيل لا يمكنها أن تقف في وجه العالم كله كل الوقت”، معتبراً أن محاولات استئصال حماس تتنافى مع المنطق والواقع، بل رحّب بما تقوم به الحركة من ضبط للأمن وملاحقة الخارجين عن القانون في القطاع.
وفي قراءة تحليلية نشرها الصحفي عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس، أقرّ بأن “النصر المطلق الذي وعدت به حكومة نتنياهو لم يتحقق، وبقيت حماس”، مؤكداً أن “حلم اليمين المسيحاني بإعادة الاستيطان إلى غزة قد تلاشى، كما لم يتحقق سيناريو الحكم العسكري الذي روّج له بعض الوزراء، فيما تواصل حماس استعراض حضورها العسكري في مختلف مناطق القطاع”. هذه القراءة الإسرائيلية الداخلية تكشف حجم الفجوة بين الخطاب السياسي الشعبوي الذي يروّج له اليمين وبين الواقع الأمني والميداني الذي يفرض نفسه رغم آلة الدمار الهائلة.
لقد تحطّمت أحلام نتنياهو والتيار اليميني المتطرف عند أسوار صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته. فرغم التدمير الممنهج الذي طال البشر والحجر والبنية التحتية، إلا أن مشهد عودة مئات آلاف النازحين إلى شمال القطاع المدمّر مثّل صدمةً عميقة لصناع القرار في تل أبيب، وأكد أن هذا الشعب لا يُهزَم، وأن إرادته أقوى من دبابات الاحتلال ومن تواطؤ بعض الأنظمة.
إن 'اليوم التالي' في غزة، الذي تتحدث عنه الأوساط السياسية الإسرائيلية والغربية، لن تحدده المؤتمرات أو صفقات العواصم، بل سيفرضه الواقع الفلسطيني الجديد الذي أعادت المقاومة رسم معالمه بالدم والصبر والإصرار. فقد أثبتت التجربة أن أيّ محاولة لتجاوز حماس أو تهميشها في معادلة الحكم والأمن في القطاع ستؤول إلى الفشل، لأن الحركة لم تعد تنظيماً فقط، بل أصبحت عنصراً بنيوياً في الهوية السياسية الفلسطينية، لا يمكن إلغاؤه إلا بإلغاء فكرة المقاومة نفسها.
لقد أرادت 'إسرائيل' من حربها أن تُنهي حماس، فإذا بها تُعيد إنتاجها أكثر تنظيماً وحضوراً؛ وأرادت أن تُرهب الشعب الفلسطيني، فإذا به يعود إلى أرضه المدمّرة متحدياً القصف والركام؛ وأرادت أن ترسم “اليوم التالي”، فإذا بها تُدرك أن اليوم التالي لغزة لا يُكتب في تل أبيب، بل يُصاغ في شوارعها المهدّمة وبين أبنائها الصامدين.

























































