اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
دير البلح، وسط قطاع غزة، المدينة التي كانت تُعرف بهدوئها النسبي ومساحاتها الخضراء المتزينة بأشجار النخيل اليافعة، باتت اليوم رمزًا للألم والاختناق الإنساني، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي وتزايد موجات النزوح، تواجه المدينة أزمة صحية وإنسانية غير مسبوقة تنذر بانهيار شامل لمقومات الحياة الأساسية.
وتحوّلت الشوارع والمرافق العامة إلى أماكن سكن مؤقتة، حيث يفترش الناس الأرض بلا مأوى أو خصوصية، وتشهد المطابخ الخيرية 'التكايا' طوابير طويلة، فيما يحصل المواطنون على وجبات بالكاد تكفي فردًا واحدًا، فما بالك بعائلة كاملة مكونة من عدة أفراد.
كما تعيش المدينة واحدة من أصعب مراحلها الإنسانية والصحية في ظل تزايد أعداد النازحين وتدهور الخدمات الطبية، ما جعل المستشفيات والمراكز الصحية تعمل فوق طاقتها في ظروف بالغة الصعوبة، وسط نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الأساسية.
وتعاني المدينة من حالة عطش كبيرة بسبب حاجة محطة تحلية المياه إلى كميات ضخمة من الوقود لتوفير الحد الأدنى من المياه الصالحة للشرب، ومع تزايد عدد السكان، باتت الكمية المتوفرة غير كافية، حيث يتم إيصال المياه إلى المنازل مرة واحدة أسبوعيًا فقط، كما أن محطة معالجة الصرف الصحي مهددة بالتوقف، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض والأوبئة.
الوضع كارثي بكل المقاييس
رئيس بلدية دير البلح نزار عياش، قال إن وسط قطاع غزة منطقة مكتظة بالكامل، ولا توجد مساحات متاحة لنصب خيام جديدة، مضيفًا أن البنية التحتية متهالكة تماما، ومحطة التحلية بحاجة إلى كميات كبيرة من الوقود لتوفير كميات محدودة من المياه.
ووصف الوضع في دير البلح بأنه كارثي بكل المقاييس، 'فالمدينة مكتظة تماما بالسكان، ولم يعد هناك أي مجال لإقامة خيام جديدة أو استيعاب المزيد من النازحين، أما الشوارع والمرافق العامة فقد تحولت إلى أماكن سكن مؤقتة، والناس يفترشون الأرض بلا مقومات للحياة'.
وأشار عياش إلى أنه مع عودة موجات النزوح من جديد، أصبحت دير البلح منطقة مختنقة تحت وطأة الأعداد المتزايدة من العائلات، ومعها تتفاقم المعاناة الإنسانية يوما بعد يوم، مبينا أن موجات النزوح السابقة تسببت بأزمات صحية وبيئية، وأن الوضع الحالي أكثر صعوبة لأن مدينة دير البلح لم تعد آمنة ولا تصلح للعيش.
وحذر عياش من كارثة إنسانية وبيئية بسبب استمرار الضغط العسكري والنزوح الذي ينذر بانهيار شامل لمقومات الحياة كافة، داعيا إلى تحرك دولي عاجل لحماية المدنيين والبنية التحتية ووقف العدوان فورا.
وأوضح أن النازحين يواجهون تحديات متعددة ومتشابكة، أبرزها انعدام الخصوصية وغياب المأوى اللائق، إضافة إلى النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب، وانعدام النظافة العامة، وتكدس النفايات، مما يهدد بانتشار الأمراض والأوبئة، وكذلك تعاني العائلات من نقص الغذاء والدواء، وتفاقم المشكلات النفسية، خاصة لدى الأطفال والنساء نتيجة الضغط المتواصل والعيش في ظروف غير إنسانية.
تدمير البنية التحتية
وبين أن تدمير جيش الاحتلال للبنية التحتية في دير البلح أثر بشكل كبير على القدرات الخدماتية متهالكة إلى حد كبير، حيث أصاب الدمار شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرق، خصوصا في المناطق الشرقية والجنوبية التي اجتاحها الجيش ودمرها كليا، وهذا الانهيار جعل من الصعب جدا على البلدية تقديم الخدمات الأساسية.
وقال عياش: 'نحتاج إلى كميات كبيرة من السولار لتشغيل محطة معالجة الصرف الصحي، وإزالة النفايات، وتشغيل آبار المياه، كما أن تعديات المواطنين على الشبكة الرئيسية للمياه أعاقت قدرتنا على توصيلها بالشكل المطلوب'.
وبين أن العجز القائم في المياه بعد إعادة تشغيل محطة تحلية مياه البحر المركزية جنوب دير البلح عبر خط 24 الإسرائيلي، تراجع من 70% إلى 30%، مما أتاح توفير 10 آلاف كوب من المياه الصالحة للشرب يوميا في دير البلح، 'غير أنها لا تكفي بسبب تزايد أعداد النازحين'.
وأضاف: 'لدينا 22 بئر مياه، وخزانان من أصل أربعة بسعة 4 آلاف كوب، جميعها تعمل وتحتاج إلى ألفيْ لتر سولار يوميا لإنتاج 15 ألف كوب من المياه يوميا، وإيصال المياه للمنازل مرتين أسبوعيا، ونحن حاليا نحصل على نصف كمية السولار وهو ما يعني إيصال المياه للمنازل مرة أسبوعيا'.
ولفت عياش إلى قيام البلدية خلال الأشهر الأربعة الماضية، بحفر 6 آبار جديدة غرب شارع صلاح الدين ساعدت في تحسين التزويد بالمياه، لتعويض فقدان الآبار في المناطق الشرقية التي تتعرض باستمرار للاجتياحات والإخلاءات، منبها إلى أن الاحتلال قطع منذ 23 يناير/كانون الثاني الماضي وحتى الآن خط مياه 'مكروت' الإسرائيلية الصالحة للشرب، حارما المواطنين من المياه النقية.
تحذيرات من موجة النزوح
وحذر من موجات النزوح الجديدة من شأنها أن تتسبب بأزمات صحية وبيئية خانقة، أبرزها تراكم النفايات في الشوارع، وانسداد شبكات الصرف الصحي أو خروجها عن الخدمة، وبالتالي لجوء النازحون إلى حفر بئر امتصاصية بدائية أو قنوات سطحية بين الخيام لتصريف مياه الصرف، ما يخلق بيئة غير صحية تهدد بانتشار الأمراض والكوارث البيئية.
وقال: 'رصدنا قبل يناير الماضي تزايدا في حالات الإسهال والتسمم المعوي بين الأطفال، إضافة إلى أمراض جلدية مثل الجرب بسبب الازدحام، كما سُجلت إصابات بفيروس شلل الأطفال نتيجة انعدام النظافة الشخصية، وهناك تخوف من تفشي أمراض خطيرة أخرى إذا استمر الوضع دون تدخل صحي عاجل'.
ومضى بالقول، أنه إذا ما استمر الضغط العسكري، 'سنكون أمام انهيار شامل وكارثة إنسانية غير مسبوقة، فالمدينة لم تعد قادرة على استقبال المزيد من النازحين، واستمرار النزوح سيؤدي إلى تفشي الأمراض وانعدام الخدمات'.
ودعا إلى تدخل دولي عاجل لوقف العدوان وتوفير مقومات الحياة، وفتح المعابر لإدخال الوقود والمياه والمساعدات الإغاثية، ودعم البنية التحتية الأساسية خصوصا محطات المياه والصرف الصحي قبل أن تنهار تماما، ولتجنب الانهيار الشامل.
وطالب بإنشاء ممرات إنسانية آمنة لوصول المساعدات، فالمجتمع الدولي مطالب بالتحرك الآن، فكل دقيقة تأخير تعني مزيدا من الأرواح المهددة والمعاناة التي لا تحتمل