اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الثاني ٢٠٢٥
مع اشتداد الحرب والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تغيّرت حياة السكان جذريًا؛ فلم يعد الذهاب إلى البنوك ممكنًا، ولا السحب النقدي متاحًا في ظل إغلاق الفروع ونقص السيولة.
وفي هذا الواقع القاسي، أصبحت تطبيقات الدفع الإلكتروني – مثل 'بال باي'، و'جوال باي'، وتطبيقات البنوك الفلسطينية – شريان حياة للعائلات؛ تُصرف عبرها الرواتب، وتصل المساعدات، وتُجرى التحويلات المالية.
وبحسب تصريحات سابقة لضابط في المباحث الإلكترونية، تلقت الوحدة أكثر من 300 شكوى نصب واحتيال إلكتروني خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن غالبية القضايا بقيت دون حل بسبب تدمير مقرات الشرطة وصعوبة الإجراءات القانونية، إضافة إلى ضعف تعاون بعض البنوك خلال فترة الحرب.
وسط ازدحام يومها في مدينة غزة، تلقت المعلّمة إبتهال شريف اتصالًا بدا رسميًا: صوت هادئ عرّف نفسه بأنه موظف في البنك، وطلب منها 'تأكيد بيانات الحساب لتثبيت الدفعة المالية'.
ولأن المعاملات كلها أصبحت تُجرى عبر الهاتف، صدّقته. تقول لصحيفة 'فلسطين': 'ما إن أرسلت رمز التفعيل حتى اختفى رصيدي كاملًا خلال دقائق، وانتقل إلى ثلاثة حسابات مجهولة دون أن نتمكن من إيقاف التحويل.'
وتضيف بأسى: 'هذا راتبي الوحيد، كنا نعتمد عليه لشراء الطعام.' جرى تجميد الحساب لاحقًا، لكن بعد فوات الأوان.
أما سامح الخليلي (55 عامًا)، فكان يحتفظ بمدخراته على حسابه البنكي؛ 22 ألف دولار جمعها بجهده لتأمين مستقبل أسرته. لكن رسالة واتساب واحدة غيّرت حياته. وصلته رسالة تحمل شعار 'بنك فلسطين'، جاء فيها: 'سيتم تجميد حسابك خلال ساعات ما لم تُحدّث بياناتك فورًا.'
يقول الخليلي: 'فتحت الرابط المصمّم باحتراف والمتطابق مع تصميم موقع البنك… أدخلت البيانات، ثم تبخر رصيدي بالكامل وتحول إلى حساب خارج غزة.'
لم يخسر الخليلي المال فقط، بل سنوات ادخار طويلة، ومع إغلاق البنوك أثناء الحرب، لم يعد أمامه سوى الانتظار.
وتروي سمر شحيبر (45 عامًا) أنها استلمت تحويلًا بقيمة 1,000 شيكل من برنامج الغذاء العالمي عبر 'بال باي'. تقول: 'المبلغ صغير، لكنه يعني الكثير لعائلة فقدت منزلها وزوجها.'
وتضيف: 'فقدت كلمة المرور، فلجأت – كغيري – إلى صفحات دعم فني مزيّفة على فيسبوك. أرسلت لهم رمز التأكيد، فاختفى المبلغ فورًا، ثم حُظر حسابي.'
لم تخسر سمر نقودًا فقط، بل فرصة لإطعام أطفالها لمدة أسبوع كامل.
إعلان مزيّف
مع الانقطاع المتكرر للإنترنت، بدت فكرة تطبيق بنكي يعمل دون اتصال 'مغرية' بالنسبة لحنان يوسف (40 عامًا). إعلان مموّل على فيسبوك قدّم هذا الوهم، وأرفق رابطًا لتفعيل الخدمة.
تقول يوسف: 'أدخلت بيانات حسابي كاملة، وفي الصباح اكتشفت المصيبة: 6,000 شيكل و665 دولارًا – لي ولأفراد من عائلتي – سُرقت بالكامل. تواصلت مع البنك لتسجيل عملية النصب لعلّي أجد حلًا يعيد لي أموالي، لكن كل ما فعله البنك كان تجميد حسابي لأشهر دون استرداد أي مبلغ.'
وفي حالة أخرى رصدتها 'فلسطين' في خان يونس، تلقى والد الشاب محمد رامي رسالة من حساب ابن عمه الحقيقي يقول فيها: 'معاك تطبيق؟ بدي أحولك مبلغ ضروري واقف مع بياع وما معي كاش.'
اشتبه الأب قليلًا لأن 'كل العيلة بتعرف إن معاه تطبيق'، لكن الضغط النفسي جعله يرد: 'آه.'
ولحسن الحظ، اتصل عمه في اللحظة ذاتها محذّرًا: 'الحساب مخترق.. لا ترد على أي رسالة!'
أما حامد بيومي من خان يونس، الذي نزح إلى خيمة بعد تدمير منزله، فقد سُرق هاتفه، فلجأ إلى صفحة على فيسبوك تدّعي أنها الدعم الفني لبنك فلسطين لتفعيل التطبيق على الهاتف الجديد.
يقول بيومي: 'طلبوا رقم هاتفي الجديد، ثم تواصل معي شخص عبر واتساب وسألني عن بعض الحركات الأخيرة بالحساب للتحقق.'
ويتابع: 'أرسل شخص آخر، يدّعي أنه زميل للموظف الأول، رابطًا مطابقًا لموقع البنك، وما إن أدخلت رقم الحساب وكلمة المرور حتى تم اختراق الحساب وتفريغه بالكامل.'
ويكشف أن ابن أخيه تلقى محاولة مشابهة قبل أيام من الرقم ذاته لكنه لم يقع في الفخ.
تصاعد ملحوظ
ويقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر إن قطاع غزة يشهد مؤخرًا تصاعدًا ملحوظًا في عمليات النصب عبر المحافظ الإلكترونية، خصوصًا 'بال باي'، موضحًا أن المحتالين يستغلون ضعف الخبرة الرقمية لدى المواطنين.
ويشير أبو قمر لـ'فلسطين' إلى أن أسلوب المحتال يبدأ باتصال أو رسالة ذات طابع رسمي، غالبًا مستندة إلى حدث حقيقي، مثل صرف المساعدات بقيمة 1250 شيكل، ثم يجري جمع المعلومات تدريجيًا إلى أن يتمكن من السيطرة على المحفظة بالكامل.
ويؤكد أن خطورة هذه الجرائم تكمن في أن بعض المحتالين يملكون معلومات دقيقة عن الضحايا، مثل تاريخ فتح المحفظة أو طبيعة المشكلة التقنية التي واجهوها، ما يعزز الشكوك بشأن تسريب بيانات أو وجود تعاون داخلي لم يُحقق فيه بشكل جدي حتى الآن.
ويضيف أن هذه الوقائع تكشف فجوة واسعة بين توسّع الدفع الإلكتروني وقدرة المواطنين على استخدامه بأمان، موضحًا أن إدخال المحافظ الإلكترونية لم يترافق مع حملات توعية أو تدريب فعّال.
ويحمّل أبو قمر ضعف التوعية الرقمية المسؤولية المباشرة عن تضاعف الجرائم، إذ يعتمد المحتالون على ما يسميه 'أسلوب الخطوات الناعمة': يبدأون بمعلومات بسيطة، ثم يطلبون رموز التحقق، ما يمكّنهم من سحب الأموال والسيطرة على الحساب.
ويشدد على ضرورة فتح تحقيق رسمي في مصادر تسريب البيانات، مؤكدًا أن غياب أنظمة الحماية جعل المحافظ الإلكترونية هدفًا سهلًا.
ويختم أبو قمر: 'على المواطنين عدم مشاركة رموز التحقق مطلقًا، وعدم التجاوب مع أي اتصال غير موثوق، والتأكد من هوية الجهة عبر قنواتها الرسمية فقط'، داعيًا إلى حملات توعية واسعة لضمان أن يبقى الدفع الإلكتروني أداة مساعدة لا بابًا جديدًا للنصب.

























































