اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
الكاتب:
محمد علوش
في ردهات السياسة الدولية، حيث تختلط الحقيقة بالدعاية وتتماوج المصالح على أمواج التهويل، يبرز 'البرنامج النووي الإيراني' كمرآة تكشف أكثر مما تخفي، وتفضح أكاذيب صُنّاع القرار في البيت الأبيض الذين ما انفكّوا يلبسون رداء الحامي بينما يُضمرون في نفوسهم نية الكيل بمكيالين.
منذ عقود، تُصرّ واشنطن على أن طهران تهدد السلم العالمي بطموحاتها النووية، وتُلقي في روع الشعوب أن إيران تقف على شفا تصنيع القنبلة، متناسية – أو بالأحرى متناسية عمداً – أن إسرائيل، حليفتها المدللة، تمتلك ترسانة نووية غير خاضعة لأي رقابة دولية، وأن الولايات المتحدة نفسها هي أول وآخر من استخدم السلاح النووي ضد بشر عُزّل في هيروشيما وناغازاكي.
والخطاب الأمريكي يبدو كأنّه خطاب أخلاقي، لكنه في جوهره خطاب مصلحي، محكوم برغبة جامحة في تطويع الجغرافيا السياسية بما يخدم أجندة الهيمنة، فحين تسعى إيران إلى امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، تبدأ واشنطن بالعزف على وتر 'الخطر القادم من الشرق'، وتنشط أدواتها الإعلامية في نسج خيوط الخوف والرعب، بينما هي تغضّ الطرف عن مشاريع مماثلة في بلدان حليفة، حتى وإن كانت تلك المشاريع أقل شفافية.
لقد أثبتت سنوات من التفتيش، والتقارير الدورية للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران لا تصنع سلاحاً نووياً، وأنها تخضع لإشراف صارم وقيود ثقيلة فرضها الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015، ولكن حين قررت إدارة ترامب تمزيق ذلك الاتفاق بجرّة قلم، دون مبرر عقلاني، بدت الحقيقة جلية: المشكلة ليست في القنبلة، بل في من يحمل القنبلة، وإن السلاح النووي في يد الحليف مقبول، أما في يد من يرفض الانصياع، فهو خطرٌ داهم!
'البرنامج النووي الإيراني' ليس سلاحاً بقدر ما هو رمز للكرامة الوطنية، ورغبة شعب في امتلاك مفاتيح المعرفة والتقدم رغم الحصار والعقوبات، أما الخطاب الأمريكي، فما هو إلا ستار دخاني يخفي خلفه رغبة قديمة في السيطرة على الشرق الأوسط وإعادة تشكيله وفق خرائط جديدة، تلائم مصالح الشركات والساسة والجنرالات، وإذا كان ثمّة دروس من هذا المشهد المتكرر، فإن أبرزها أن الحقيقة ليست دائماً ما يقال في المؤتمرات الصحفية، بل ما يخفى في وثائق المخابرات، وما يسرب خلسة من دهاليز السياسة، وفي زمن الصورة والصوت، لم تعد الأكاذيب تقنع شعوباً اعتادت أن تقرأ ما بين السطور، وتفهم أن من يتحدث كثيراً عن الأمن، قد يكون هو نفسه مصدر الفوضى.
وفي عالم تتكاثف فيه الظلال وتتناسل فيه الأخطار، يلوح التهديد النووي ككابوس معلّق فوق رؤوس البشرية، فلم تعد القنابل الذرية مجرد رماد حكايات الحرب الباردة، بل صارت سيوفاً مسلولة في سباق محموم نحو الهلاك، سباق التسلح، وقد أدار ظهره للحكمة، لا يورث الأمم إلا الخوف والفناء المحتمل، وفي هذا المشهد المتأزم، تتجلى إسرائيل كلاعب منفلت من كل قيد، تمتلك ترسانة نووية سرية لا تخضع لرقابة دولية، ولا تنتمي إلى أي معاهدة لنزع السلاح، وهذا التفلت لا يهدد استقرار الشرق الأوسط فحسب، بل ينسف فكرة العدالة الدولية، ويكرّس منطق القوة على حساب الحق.
إن لجم إسرائيل عن مواصلة هذا التمادي النووي لم يعد خياراً أخلاقياً فقط، بل ضرورة وجودية لحفظ السلم العالمي، فالعالم الذي يسكت عن سلاح بيد طائش، هو عالمٌ يكتب نهايته بيده، وعلى الضمير الإنساني أن ينهض، قبل أن يُختطف المستقبل بلحظة إشعاع قاتلة، لا تُبقي ولا تذر.