اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٦ تموز ٢٠٢٥
وجود 'ذاكرة السمك' هي عبارة تستخدم في سياق نسيان المعلومات المكتسبة في وقت قصير جداً. وفي حياة الفرد والمجتمع، إذا لم يكن هناك بناء للمستقبل في ضوء الخبرات المكتسبة من التاريخ وتكررت الأخطاء نفسها، فهذا يعني أن الفرد أو المجتمع المعني لديه ”ذاكرة السمك“.
ينسى الإنسان بسرعة بسبب طبيعته. وفعلا قد ورد أن كلمة ’الإنسان‘ مشتقة من الجذر ”نسي“ الذي يعني النسيان. ولذلك فإن من أسماء القرآن الذي هو الهدى الهادي ”الذكر“ أي التذكير. وعلى وجه الخصوص، فإن نسيان أحداث المنعطفات التاريخية التي تؤثر على حياة الإنسان سيؤدي إلى ارتكاب نفس الأخطاء في المراحل التالية. في واقع الأمر، نرى في حياتنا اليومية أفرادًا وهياكل اجتماعية لا تكترث بأخطاء الماضي وبالتالي لا تستطيع تحقيق النجاح.
حالة الأمة الإسلامية
لقد مرت الأمة الإسلامية في فترات كثيرة من تاريخها بمراحل من الضعف والتشرذم والاضطهاد. وعندما نحلل هذه الأحداث، نرى أن السبب في تكرارها مرارًا وتكرارًا يتجلى في التعبير عن وجود ”ذاكرة سمكية“.
فعلى سبيل المثال، كان ينبغي أن يكون حدث كربلاء درساً للأمة، وكان ينبغي أن لا تتكرر أحداث مثل الظلم ومجزرة أهل الحق مرة أخرى. ولكن بعد هذا الحدث بفترة وجيزة جدًا، وقعت مذبحة الحرة. ذُبح فيها الآلاف من الصحابة، وانتهك شرف المدينة المنورة، وقضي على أهل الحق. إن أبسط هذه الأحداث يكشف لنا أنه إذا لم يتم أخذ العبرة اللازمة من بعض الأحداث وباختصار إذا تم التصرف ”بذاكرة السمك“ فإن الظلم سيتكرر، بل وأشد.
الانتقال من الذاكرة الحديدية وغزة
نعم، أمتنا لديها ”ذاكرة سمكية“. لكنها ليست محكومة بهذه الذاكرة. يمكن إنقاذها. يمكنها التحول من ذاكرة السمك إلى ذاكرة حديدية. وبهذا النوع من الذاكرة، يمكنها حماية مبادئها وقيمها وبالتالي بلادها. ولا يمكن تحقيق هذا النوع من الذاكرة إلا من خلال التعليم الواعي وربط الحاضر بالماضي وحماية القيم الدينية. وفي مناهج التعليم اليوم يتم تعليم أبناء المسلمين بطريقة تتلاعب بالتصورات على النمط الذي يريده الغربيون، فتستمر حالة الذاكرة السمكية.
وفيما يتعلق بأهمية الذاكرة الحديدية، ينبغي أن نذكر حصار غزة. فمنذ عقود وغزة تنزف تحت حصار وحرب بشعة. ويواصل الصهاينة المحتلون فظائعهم. ويتخذ الكثير من أبناء الأمة موقفًا متخاذلًا في مواجهة هذا الظلم والاضطهاد، بل لا يستطيعون أن يقاطعوا منتجات الشركات الداعمة للمحتل!
يُراد لغزة أن تتحول إلى حدث عادي يُذكر في نشرات الأخبار. وهذا أوضح مظهر من مظاهر امتلاك ذاكرة السمك. نسيان ما تم عمله والاعتياد على الوضع الراهن. وفي هذا السياق، فإن أولئك الذين يرفضون النسيان، أولئك الذين لا يرضخون للأمر الواقع هم الذين يؤدون أكبر خدمة في الانتقال إلى امتلاك ذاكرة حديدية. هؤلاء هم نواة الذاكرة الحديدية التي نحتاجها. إنهم يذكروننا كيف يجب أن تكون الأمة. يجب أن لا ننسى أن غزة اليوم ليست جرحاً نازفاً فحسب، بل هي بوابة حرجة ستقرر فيها الأمة كيف تكون.
ذاكرة السمك ليست قدرا محتوما
ذاكرة السمك ليست قدراً. إنها إرادة. لقد شاءت الأمة واختارت هذا النوع من الذاكرة مع الضعف الذي هي فيه. واجبنا هو أن تكون لدينا ذاكرة يقظة وأن نبذل قصارى جهدنا للتحول إلى ذاكرة حديدية. وفي هذه المرحلة علينا أن نجيب على الأسئلة المصيرية مثل من نحن، ومن أين جئنا، وإلى أين نحن ذاهبون، ونبرمج حياتنا على هذا الأساس. نعم، الذاكرة القوية هي نقطة تمس جوهر هويتنا. فالهوية هي المصدر الوحيد للشرف والكرامة على حد سواء.
لقد آن الأوان أن نتخلص من كوننا حاملي ”ذاكرة السمك“ الذين يكررون نفس الأخطاء في كل حادثة تقع. وبسبب هذه الذاكرة، لا يوجد هناك مانع من أن تتكرر مثل حادثة المجزرة في غزة في بلدة إسلامية أخرى غداً. دعونا لا ننسى أن كل مجتمع لا يستطيع الحفاظ على ذاكرته محكوم عليه بأن يكون في مزبلة التاريخ.