اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
داخل خيمة بسيطة نُصبت على أرض ملعب برشلونة، تعيش إسراء محيسن (27 عامًا) مع طفلتها الرضيعة 'إيمان'، التي لم تُكمل شهرها الخامس بعد، وسط ظروف إنسانية مأساوية فرضتها حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على سكان قطاع غزة.
وُلدت الطفلة 'إيمان' في بداية الشهر الثامن من الحمل، بوزن لا يتجاوز 900 جرام، بعد أن عانت والدتها من حمل خطِر بسبب سوء التغذية والمجاعة التي ضربت جنوب قطاع غزة قبيل إعلان وقف إطلاق النار في منتصف يناير الماضي، وانعدام الرعاية الصحية خلال العدوان.
حالة إسراء دفعت الأطباء إلى تحويلها للولادة المبكرة، بعد ملاحظتهم انخفاض نبضات الجنين، حيث تم نقلها إلى مستشفى ناصر في مدينة خانيونس لإجراء الولادة العاجلة، خوفًا على حياتها وحياة جنينها.
تقول إسراء بصوت خافت، وهي تحتضن صغيرتها النائمة لصحيفة 'فلسطين': 'بعدما نزحت أنا وزوجي من حي الشجاعية إلى جنوب قطاع غزة، كنت أملك طفلة واحدة تبلغ من العمر شهرين، هي نهلة، وبعد عودتنا إلى غزة، كنت أحمل بين يديّ طفلتي الثانية، إيمان'. وتوضح أن طفلتها الأولى تعاني هي الأخرى من سوء تغذية، لكن بدرجة أقل من أختها الصغرى.
تستذكر إسراء فترة حملها، وتُبين أنه لم تكن هناك أي رعاية صحية يمكن تلقيها من المراكز الطبية، كما أن المجاعة التي اجتاحت جنوب القطاع أثّرت بشدة على صحتها وصحة جنينها، ما تسبب في ولادتها المبكرة ووزن الطفلة الضئيل الذي لم يتجاوز الكيلو.
اليوم، تعاني 'إيمان' من سوء تغذية حاد، في ظل انعدام الحليب الخاص بحالتها، وغياب الغذاء الكافي للأم التي لم تعد تملك حتى ما يُنتج من حليب طبيعي، بسبب الحصار الخانق، وتدمير المخابز والمراكز الصحية، ومنع إدخال المساعدات. كلها عوامل ضيّقت الخناق على حياة الرضّع والأمهات في غزة.
مأساة إسراء لا تتوقف عند 'إيمان'، فطفلتها الكبرى، ذات العام والنصف، تعاني هي الأخرى من سوء تغذية، بحسب تشخيص الأطباء، إذ لا يتجاوز وزنها 9 كيلوغرامات، وهو ما يقل كثيرًا عن المعدل الطبيعي لعمرها.
وتشير إسراء إلى أنها تستيقظ يوميًا دون أن تعرف ماذا ستأكل أو تُطعم طفلتيها. وتقول: 'أُسكت الصغيرة بالرضاعة أحيانًا، لكن الطفلة الكبرى، نهلة، تُغرس في صدري كخنجر حين تطلب الطعام ولا تجده'.
وتتابع الأم، وقلبها يعتصر ألمًا: 'قلبي ينكسر عندما تطلب قطعة خبز ولا أجد ما أُعطيها. صوتها وهي تقول (جوعانة) يكسر ظهري وظهر والدها الذي لا يجد عملًا ولا يملك المال لنشتري ما نحتاجه'.
'لا أملك طحينًا، ولا خبزًا، ولا أرزًا أو معكرونة، لا شيء. ليس لديَّ في خيمتي سوى بعض الملابس التي خرجنا بها من منزلنا في الشجاعية، بعد نزوحنا تحت القصف وإطلاق الصواريخ في أول أيام عيد الفطر، عقب صمود امتد طوال شهر رمضان ورفضنا مغادرة المكان'.
وتضيف: 'لكن الوضع ازداد سوءًا، فاضطررنا إلى التوجه نحو ملعب برشلونة حيث نقيم اليوم في خيمة خانقة في هذا الحر، أنا وطفلتاي الصغيرتان'. وتردف: 'أصعب ما أمرّ به الآن هو عدم توفر رغيف خبز.. لا أعرف ماذا نأكل، والخوف يتملكني دائمًا'.
في محاولات يائسة، تضطر إسراء إلى الاتصال بأقاربها بين الحين والآخر، تسألهم إن كان لديهم ما يسد رمق صغيرتها، بينما تترك نفسها وزوجها للجوع. 'أنا وزوجي نصبر، لكن البنت الصغيرة؟ شو ذنبها؟ ما بتفهم شو يعني حصار أو حرب، هي بس بدها تاكل'.
المشهد داخل الخيمة لا يصلح لعيش أي إنسان، فكيف بطفلتين؟ إحداهما رضيعة وُلدت بوزن لا يتجاوز الكيلو، والأخرى بالكاد تمشي على قدميها؟ لا ثلاجة لحفظ الحليب، ولا مياه نظيفة، ولا طعام يكفي الأم لتبقى واقفة على قدميها.
يعيش سكان غزة، منذ أكثر من سبعين يومًا، تحت سياسة تجويع ممنهجة يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، عبر إغلاق المعابر بشكل كامل، ومنع إدخال أي نوع من المواد الغذائية أو الأدوية أو الوقود. سياسة لم تترك مجالًا للشك بأن ما يجري هو عملية قتل بطيء لمليوني إنسان، بينهم مئات الآلاف من الأطفال والنساء والمرضى، وسط صمت دولي خانق.
هذه القصة ليست استثناءً في غزة اليوم، بل باتت تمثّل واقع آلاف العائلات التي تُحارب من أجل البقاء، في ظل حرب إبادة شاملة تستهدف الإنسان قبل الحجر، حيث الجوع فيها سلاح لا يقل فتكًا عن القنابل.