اخبار فلسطين
موقع كل يوم -راديو بيت لحم ٢٠٠٠
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
بيت لحم 2000 -أصبح فقدان الطلاب لشغف التعلم في المدارس الفلسطينية قضية حيوية يشغل بال الأهل والمعلمين والمجتمع ككل، حيث يظهر واضحًا أن العديد من الطلاب يدرسون بلا رغبة ويحضرون الحصص الدراسية بقلق، وكأن التعليم تحول من رحلة شغف واكتشاف إلى واجب ثقيل يُنجز من أجل الدرجات فقط. وتبرز هذه الظاهرة بشكل واضح في ظل تسارع التكنولوجيا وتغير أساليب التعليم، ما أدى إلى تحول تجربة التعلم التقليدية إلى عملية يهيمن عليها الضغط النفسي والتحصيل الأكاديمي، دون الاهتمام بتطوير مهارات الطلاب أو بناء فضولهم واستكشافهم للمعرفة.
وفي هذا الإطار، أكدت الدكتورة تمارا مصطفى أبو طاعة، الخبيرة في الإدارة التربوية، أن هذه المشكلة لا تعكس كسلاً أو افتقارًا للقدرات لدى الطلاب، بل هي نتيجة لضغوط متعددة تشمل المناهج التقليدية، وتوقعات الأهل العالية، والاهتمام المفرط بالدرجات، ما يجعل الطلاب يشعرون بفقدان المعنى الحقيقي للتعلم.
وأوضحت أبو طاعة في لقاء خلال برنامج 'يوم جديد' مع الزميلة سارة رزق، الذي يبث عبر أثير راديو 'بيت لحم 2000': أن الشغف للتعلم يولد من بيئة داعمة، ومن معلم يؤمن بالطالب ويقدّر قدراته، ومن تجربة تعليمية متكاملة تصل القلب والعقل معًا.
وأضافت: 'التركيز على التحصيل الأكاديمي فقط يؤدي إلى تراجع الفضول ويقلل الحماس، فالتعلم عند الطالب يجب أن يكون تجربة متكاملة تجمع المعرفة بالمتعة والاكتشاف'.
وأشارت أبو طاعة إلى أن ضغط المناهج وكثرة المسؤوليات الإدارية للمعلمين، بالإضافة إلى حجم الصفوف الكبير، يجعل العملية التعليمية تركز بشكل أساسي على الإنجاز والتحصيل، ما يؤدي إلى إهمال الجانب العاطفي والإنساني للطالب، وهو ما ينعكس سلبًا على شغفه. وقالت: 'اهتمام المعلم بالطلاب، وسؤاله عن حالهم، وابتسامة صغيرة أو كلمة تشجيع تصنع فرقًا كبيرًا في تفاعل الطلاب ومشاركتهم داخل الصف'.
كما أكدت أن الطلاب اليوم يعيشون في عالم سريع، حيث تتوفر المعلومات بشكل فوري من خلال التكنولوجيا ووسائل التواصل، ما يجعل الطرق التقليدية في التدريس غير كافية. ولفتت إلى أهمية ربط التعليم بحياة الطالب اليومية، عبر تجارب عملية، وأنشطة تفاعلية، أو قصص قصيرة، أو استخدام أدوات تعليمية مبتكرة مثل الدمى والأغاني، لتعزيز الفضول وإضفاء المتعة على التعلم. وأضافت: 'حتى تغيير بسيط في أسلوب الدرس، مثل إدخال دمية صغيرة لتقديم المفاهيم أو استخدام أغنية قصيرة، يصنع فرقًا كبيرًا في قدرة الطالب على استيعاب المعلومة وتذكرها'.
وأوضحت الدكتورة أن هذه الأساليب العملية لا تتطلب موارد كبيرة، بل تكفي المبادرات البسيطة، مثل زراعة شتلات صغيرة في المدرسة ومتابعة نموها على مدار الفصل الدراسي، لتعليم الطلاب المسؤولية والربط بين الدرس والتطبيق العملي، ما يزيد من شعورهم بالإنجاز ويحفزهم على المشاركة والتفاعل. وأكدت أن التجارب العملية والمناقشات الصفية والأنشطة التفاعلية تخلق لدى الطالب رغبة حقيقية في التعلم، وتجعل الصف مكانًا للتجربة والاكتشاف وليس مجرد حفظ وكتابة للمعلومات.
ولفتت أبو طاعة إلى الدور الحاسم للأهل في تعزيز حب التعلم لدى أبنائهم، مشيرة إلى أن تركيز الأهل على العلامات فقط وخلق ضغط لتحقيق التفوق يؤدي إلى تعلم بدافع الخوف وليس الفضول. وأضافت: 'التعلم عند الطالب يجب أن يكون تجربة ممتعة، والأهل لهم دور أساسي في هذا الأمر. عليهم أن يشعروا أبناءهم بالقيمة والاحترام، وأن يقدروا محاولاتهم وإنجازاتهم الصغيرة قبل كل شيء، وليس فقط العلامات النهائية'.
وشددت الدكتورة على ضرورة تنظيم وقت دراسة الطالب في المنزل بشكل يتوافق مع قدرته على التركيز، موضحة أن فترات الدراسة الطويلة المتواصلة تقلل من دافعية الطالب وتزيد من شعوره بالإرهاق والتوتر. وأشارت إلى أن تقسيم الدراسة إلى فترات قصيرة مع أنشطة متجددة مثل تناول وجبة خفيفة، أو الاستراحة، أو القيام بنشاط ممتع، يعيد الحيوية للطالب ويزيد من تحفيزه. وأكدت أن تعزيز أي إنجاز مهما كان صغيرًا، سواء بكلمة تشجيع، أو عرض العلامة على الثلاجة، أو مكافأة بسيطة، يساهم في بناء الثقة بالنفس لدى الطالب وتحفيزه على الإبداع والمشاركة في الصف.
كما ركزت الدكتورة أبو طاعة على أهمية الشراكة بين المدرسة والأهل، مشيرة إلى أن التواصل المستمر بينهما حول أداء الطالب، سواء فيما يتعلق بالنجاحات أو التحديات، يعزز شعور الطالب بالانتماء ويخلق بيئة تعليمية داعمة. وقالت: 'عندما يشعر الطالب أن المدرسة والأهل يعملان يدًا بيد، وأنهما يتحدثان بلغة واحدة وهدف مشترك، فإنه يصبح مرتاحًا نفسيًا ومستعدًا للابتكار والمشاركة'.
وحول مستقبل التعليم في فلسطين، أكدت أبو طاعة أن استعادة شغف الطلاب بالتعلم ممكنة من خلال تبني أساليب تعليمية مبتكرة، ربط التعليم بحياة الطالب اليومية، وتشجيعه على المشاركة والاكتشاف، وضمان الدعم النفسي والأكاديمي له. وأضافت: 'عندها يمكن للمجتمع الفلسطيني أن يواكب التطورات العالمية في التعليم، ويعزز قدرات الطلاب على الإبداع والابتكار، كما أن المعلمين المبدعين يمكنهم إشعال روح الإبداع لدى الطلاب، ما ينعكس على تطور المجتمع ككل'.
وأختمت حديثها بالتأكيد على أن التعليم في العصر الحديث يحتاج إلى قلب نابض بالشغف، وإدارة واعية، وأهل متفهمين، ليصبح الطلاب قادرين على التعلم من خلال الفضول والاكتشاف، وليس من خلال الخوف أو الضغط، مؤكدة أن هذه المنظومة المتكاملة هي الطريق لضمان مستقبل مشرق لأجيال فلسطين.
المزيد من التفاصيل في المقطع الصوتي التالي: