تقرير الطفولة المحاصرة.. الجوع يفتك بصغار غزة تحت أنقاض الحرب

داخل مراكز الإيواء المنتشرة في قطاع غزة، يكافح الآباء والأمهات يوميًا لتوفير أبسط مقومات الحياة لأطفالهم، في ظل حصار خانق، ونقص حاد في المواد الغذائية، وتدهور غير مسبوق في الوضع الإنساني.

الأطفال الذين من المفترض أن تكون طفولتهم مليئة بالأمل واللعب، وجدوا أنفسهم أسرى للجوع والمرض والخوف، وسط مشاهد من الدمار والمآسي التي لا تنتهي.

في مركز إيواء الشارقة، غرب مدينة غزة، يرقد نعيم عوض (37 عامًا)، أحد النازحين من شمال القطاع، إلى جانب أسرته. يقول نعيم بحزن عميق لصحيفة 'فلسطين': 'بات شغلي الشاغل هو التنقل من طبيب إلى طبيب بحثًا عن علاج لابنتي ذات الثلاثة أعوام. وزنها ينقص يومًا بعد يوم، وتعاني من سوء تغذية حاد، ولم أعد أملك شيئًا لتقديمه لها'.

ويضيف: 'بالكاد أستطيع توفير لقمة لأفراد أسرتي، وإن توفرت فهي غير صحية. لا يوجد في الأسواق طعام جيد أو سيئ، وحتى إن وُجد، فأسعاره خيالية'.

يحاصر الجوع أطفال غزة من كل الجهات. تقول منظمة 'اليونيسف' إن أكثر من مليون طفل يعانون من آثار منع المساعدات الإنسانية، والذي دخل شهره الثاني، ليكون بذلك أطول حصار منذ بدء العدوان. وتؤكد أن النقص في الغذاء، والمياه الصالحة للشرب، والأدوية الأساسية، أدى إلى ارتفاع حالات سوء التغذية، وتدهور صحي واسع النطاق، قد يؤدي إلى وفاة الأطفال بسبب أمراض يمكن الوقاية منها.

حسام كلوب (35 عامًا)، أحد سكان مدينة غزة، فقد منزله بفعل القصف، ولم يتبقَّ له سوى غرفة محترقة قام بترميمها ليستقر فيها مع أسرته. يقول: 'ابني، الذي يبلغ من العمر ست سنوات، بات وجهه أصفر وشاحبًا. لا طعام جيد لدينا، وحتى الرديء لا نجده. أشعر بالعجز والخوف كلما نظرت في عينيه، كل ما يتمناه الآن هو وجبة بسيطة اعتاد عليها قبل الحرب، وأنا أعجز عن تلبيتها'.

في مراكز الإيواء، لا توجد وجبات صحية، ولا حليب للأطفال، وحتى المياه النظيفة باتت شحيحة. وتقول 'اليونيسف' إن الأغذية التكميلية، التي تُعد ضرورية لنمو الرضّع، نفدت تمامًا في وسط وجنوب القطاع، بينما لم يتبقَّ من تركيبة الحليب الجاهزة سوى ما يكفي لأربعمئة طفل فقط، رغم وجود ما لا يقل عن عشرة آلاف رضيع يحتاجون إلى هذه التغذية. وبسبب هذا النقص الحاد، تُجبر العائلات على استخدام بدائل غير آمنة، غالبًا ما تُخلط بمياه ملوثة، مما يعرض الأطفال لأمراض معوية قاتلة.

في مركز إيواء بالشاطئ الشمالي، يروي محمد أبو ريالة (45 عامًا) المأساة التي تعيشها أسرته. فقد منزله في القصف، ويقيم الآن مع زوجته وأطفاله الستة في غرفة صغيرة مكتظة. يقول: 'لديّ ولد عمره أربع سنوات، بنيته ضعيفة جدًا، ومناعته شبه معدومة. ازدادت حالته سوءًا مع الحصار. الحرب والخوف والجوع اجتمعت على أولادي، حتى باتوا يعيشون في رعب دائم، وجوع دائم، ومرض لا يفارقهم'.

ويتابع: 'أخاف أن أفقده في أي لحظة بسبب سوء التغذية، وأشعر بالعجز في كل مرة ينظر إليّ طالبًا طعامًا لا أملكه'.

تُظهر تقارير 'اليونيسف' أن 21 مركزًا لعلاج سوء التغذية في غزة توقفت عن العمل، وهو ما يمثل 15% من المرافق العاملة سابقًا، نتيجة القصف أو الإخلاء القسري. وتحذر المنظمة من أن نحو 350 طفلًا كانوا يعتمدون على هذه المراكز، معرضون الآن لمضاعفات صحية خطيرة قد تودي بحياتهم.

كما أن أزمة المياه تزداد حدة. فقد تسبب توقف محطة التحلية الرئيسية عن العمل في انخفاض إنتاج المياه بنسبة 85%، فيما أصبحت العائلات تعتمد بشكل كامل على شاحنات المياه، إن وُجدت. وتشير التقارير إلى أن نصيب الفرد من مياه الشرب انخفض من 16 لترًا إلى 6 لترات يوميًا، وقد يصل إلى أقل من 4 لترات إذا نفد الوقود، مما يعني الاعتماد على مصادر مياه ملوثة، وزيادة خطر تفشي الأمراض.

وبينما تتدهور الأوضاع يومًا بعد يوم، تواصل 'اليونيسف' الدعوة إلى وقف إطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية. وتشدد على أن توفير الغذاء، والمياه، والرعاية الصحية للأطفال في غزة ليس خيارًا، بل التزام قانوني بموجب القانون الدولي.

وفي خضم هذه المأساة، تبقى قصص نعيم، وحسام، ومحمد، مجرد نماذج من آلاف القصص التي تختزل وجع غزة، وخصوصًا أطفالها، الذين أصبحوا يواجهون خطر الموت البطيء وهم في أحضان أمهاتهم، لا لذنب اقترفوه، بل لأنهم وُلدوا في أرض محاصرة بالحرب والجوع والخذلان.