اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: د. منى أبو حمدية
حين تنتصر الكلمة على العزلة، وتصل الرواية إلى ضفة العالم حاملةً عبق فلسطين، يقف إبراهيم نصر الله شاهدا على أن الحكاية حين تُكتب بصدق، لا تعرف الحدود ولا الجدران. فها هو صوت الأرض والذاكرة يتوّج بجائزة نيوستاد العالمية، ليرفع الأدب العربي إلى فضاءٍ جديدٍ من الخلود.
صوت فلسطين في سماء العالم
في عالمٍ تتكاثر فيه الأصوات وتبهت فيه المعاني، يبقى الروائي إبراهيم نصر الله واحدا من أولئك القلائل الذين استطاعوا أن يجعلوا من الكلمة وطناً، ومن الأدب ذاكرةً تمشي على قدمين.
فها هو اليوم يضيف إلى مسيرته المضيئة وساما جديدا، بفوزه بجائزة نيوستاد العالمية للآداب، التي تمنحها جامعة أوكلاهوما ومجلة الأدب العالمي اليوم منذ ما يقارب القرن، فيُشار إليها بأنها “نوبل الأمريكية” لما تحمله من مكانة رفيعة واعتراف عالمي بقيمة الأدب الإنساني كثاني أهم جائزة أدبية في العالم.
إنجاز عربي بلغة الضاد
لم يكن هذا الفوز مجرّد تتويجٍ لكاتبٍ فلسطينيٍّ أردنيٍّ يحمل عبق المخيم ووجع الأرض فقط، بل كان انتصارا للذاكرة الفلسطينية في مواجهة النسيان، واعترافا عالميا بأن صوت فلسطين قادرٌ على أن يصل، وأن يلمس قلوب القرّاء في أقاصي الأرض.
والأهم من ذلك، أن إبراهيم نصر الله هو أول أديبٍ ومبدعٍ عربيٍّ يكتب بالعربية يفوز بهذه الجائزة المرموقة، في إنجازٍ يُعدّ سابقةً في تاريخ الأدب العربي الحديث، ورسالة فخرٍ لكل من آمن بأن العربية قادرة على أن تعبر القارات وأن تتحدث ببلاغة الإنسانية كلها.
وقد أعلن المدير التنفيذي للمجلة، روبرت كون ديفيس-أونديانو، أن مهرجان نيوستاد الأدبي في أكتوبر 2026 سيُقام على شرف نصر الله، ليكون مناسبةً للاحتفاء بمنجزه الإنساني والثقافي، ولإعادة النظر الغربية في الثقافة الفلسطينية بوصفها منارةً لا تُطفأ.
لقاءٌ في رام الله… ذاكرة ما قبل العاصفة
أتذكّر لقائي به في رام الله، على هامش ملتقى فلسطين للرواية العربية السادس، في أيلول عام 2023، والذي تم بتنظيم من قبل وزارة الثقافة الفلسطينية قبل أن تهدر طبول الحرب وتغمر الدماء ذاكرة المكان.
كان لقاءً وجيزاً، هو المرة الأولى التي أقابل فيها الروائي إبراهيم نصر الله بعد أن اعتدت أن أراه في صفحات رواياته، حيث كان قلمه بوابتي إلى عالمه الإبداعي.
عرفت بنفسي كأكاديمية وباحثة في التراث الفلسطيني، وحدثته عن اهتمامي بالبحث العلمي المتعلق بالهوية والانتماء للأرض، وعن انشغالي بالكتابة عن الموروث الثقافي الفلسطيني.
عبّرت له عن إعجابي برواياته التي تتوهّج بين سطورها روح الهوية الفلسطينية، وتشعّ منها ملامح الانتماء العميق للأرض.
وقد بدا عليه السرور الكبير، فرِحاً بأن يرى هذا التواصل الحيّ بين الأدب والبحث العلمي، بين الحكاية والذاكرة ، كانت كلماته كمن يزرع نبتة ضوءٍ في القلب، تُذكّرك أن الأدب ليس ترفاً ، بل فعل مقاومةٍ ناعم، وأن السرد يمكن أن يكون معول بناء في وجه الخراب.
فلسطين في قلب الأدب
إن فوز إبراهيم نصر الله بهذه الجائزة ليس احتفاءً بشخصه فحسب، بل احتفاءٌ بالهوية الفلسطينية ذاتها؛ بالقصيدة التي ما زالت تحرس الأرض، وبالرواية التي تعيد للذاكرة صوتها.
لقد حمل نصر الله قضيته كما يحمل الشاعر قنديله، لا يساوم على الحقيقة، ولا يُهادن في حضرة الجمال.
في كلماته يلتقي الشعر بالحلم، والمأساة بالكرامة، والوجع بالأمل الذي لا ينطفئ.
خاتمة: كلمة تتحدى النسيان
هكذا يثبت نصر الله مرةً أخرى أن الأدب الفلسطيني قادر على أن ينهض من تحت الركام، وأن فلسطين ليست مجرد جغرافيا مثخنة بالجراح، بل فضاءٌ يلد الجمال من الرماد.
فكل تهنئة له، هي في جوهرها تهنئة لفلسطين، التي تكتب نفسها عبر أبنائها، وتقول للعالم:
'ما زال فينا ما يستحق الحياة، وما يستحق الكتابة'.
* الكاتبة: أكاديمية وباحثة

























































