اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٦ أب ٢٠٢٥
في حدث غير مسبوق منذ احتلال شرقي القدس عام 1967، شهد المسجد الأقصى المبارك اقتحامًا هو الأضخم من حيث عدد المشاركين وتنوع الطقوس التوراتية، بالتزامن مع ما يسمى ذكرى 'خراب الهيكل'، إذ تحولت المناسبة إلى استعراض ميداني لإحكام السيطرة الدينية والسياسية داخل الأقصى.
الاقتحام، الذي شارك فيه نحو أربعة آلاف مستوطن، بإشراف مباشر من وزراء في حكومة الاحتلال وأعضاء 'كنيست'، وتخللته طقوس علنية غير مسبوقة شملت السجود الجماعي، وصلوات توراتية، وطقوسًا مسجلة داخل ساحات المسجد وعلى أبوابه، في تصعيد يشير إلى محاولة مدروسة لفرض هوية توراتية في قلب الحرم الإسلامي.
وتقدم وزير ما يسمى الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير أفواج المقتحمين، للأقصى، وسط حراسة مشددة من قوات الاحتلال، ودعا لاحتلال قطاع غزة التي تشن (إسرائيل) حربا مدمرة ضده منذ 22 شهرا، كما شارك في الاقتحامات عضوا الكنيست عميت هليفي وشارين هاسكل، ووزير 'تطوير النقب والجليل' يتسحاق فاسرلاوف.
كما أظهرت صور وصول وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس إلى حائط البراق غربي المسجد الأقصى.
فرض الهوية اليهودية
الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص، قال إن الاقتحام الذي شهده المسجد الأقصى، يُعدّ الأكبر عددياً والأشد من حيث فرض الطقوس التوراتية منذ عام 1967، مشيرًا إلى أن ما جرى يؤشر إلى تحول نوعي وخطير في مسار تهويد المسجد، يهدف إلى فرض هوية دينية يهودية موازية لهويته الإسلامية، تمهيدًا للسيطرة الكاملة عليه وتحويله إلى 'هيكل'.
وأوضح ابحيص، لـ 'فلسطين أون لاين'، أن عدد المقتحمين بلغ 3,969 مستوطنًا بحسب إحصاءات الأوقاف، وهو أعلى رقم يسجل منذ بداية الاقتحامات المنظمة للأقصى، متجاوزًا الرقم القياسي السابق في ذات المناسبة عام 2023، والذي بلغ ثلاثة آلاف مقتحم، وتسجيل رقم 2,200 مقتحم على مدى عامي 2022 و2023.
وأضاف أن جماعات 'الهيكل' المتطرفة حرصت على تحويل ذكرى 'خراب الهيكل' من مناسبة للبكائيات والأحزان حسب المعتقد التوراتي، إلى يوم لإثبات السيطرة وتجديد العهد ببناء الهيكل المزعوم، عبر تسجيل أكبر عدد من المقتحمين وتنفيذ الطقوس بشكل علني ومكثف.
ولفت إلى أن الطقوس التوراتية التي أُديت داخل الأقصى هذا العام وصلت إلى ذروتها من حيث التنوع والانتشار المكاني، إذ شملت قراءة 'المراثي'، وصلاتي الصباح والمساء التوراتيتين، وحلقات الغناء والرقص الجماعي، و'صلاة شماع' جماعية على سطح المصلى المرواني.
وبين أن الطقوس امتدت إلى الساحات الشرقية والغربية، وأُديت عند مختلف أبواب المسجد، ما يعكس سعيًا حثيثًا لفرض الهيمنة المكانية، مشيرًا إلى أن هذه الطقوس باتت تجري تحت رعاية مباشرة من شرطة الاحتلال منذ عام 2024، بقرارات من بن غفير.
ونوه إلى أن الاقتحام شهد للمرة الرابعة إدخال أدوات دينية يهودية بشكل متزايد ومنظم، منها لفائف 'التيفلين السوداء'، وشال 'الطاليت'، وقبعة 'الكيباه'، والزوائد القماشية 'تسيت تسيت'، إلى جانب لفائف التوراة التي حاول المستوطنون إدخالها من باب المغاربة. واعتبر أن ذلك يمثل مرحلة 'التأسيس المعنوي للهيكل'، تمهيدًا لفرضها لاحقًا بشكل دائم، متوقعًا أن تبدأ جماعات 'الهيكل' مساراً من الاحتجاج والقضايا أمام محاكم الاحتلال لتفتح الباب لهذه الاعتداءات الجديدة.
ضعف الردع
وحذر ابحيص من أن ما يجري في الأقصى يتم في ظل حالة انكشاف غير مسبوقة، مع غياب أدوات الردع الفاعلة التي كانت تؤخّر تنفيذ هذا المخطط، في وقت تواجه فيه غزة حرب إبادة تُضعف قدرة المقاومة على التدخل، بينما جرى قمع التفاعل الشعبي بالرصاص والاعتقالات، وانكفأ الضغط الخارجي باتجاه غزة فقط، وتراجع التأثير العربي والإقليمي تجاه القدس.
واعتبر أن استمرار هذا الوضع سيُتيح للاحتلال المضي قدمًا في تنفيذ مخططاته، ورفع سقف سيطرته على الأقصى، ما لم يتم إعادة إنتاج معادلة ردع جديدة، قادرة على كبح هذا المسار، الذي لن تنفع معه الإدانات الرسمية ولا الخطابات السياسية، بحسب تعبيره.
من جهته، أكد أستاذ دراسات بيت المقدس، د. عبد الله معروف أن جماعات 'المعبد' استغلت مناسبة ذكرى 'خراب الهيكل' هذا العام لإقرار واقع غير مسبوق في المسجد الأقصى، من خلال تسجيل أعلى رقم للمقتحمين في يوم واحد منذ احتلاله، وتمكنها من أداء كامل الطقوس التوراتية التي تسعى إليها، ما يجعل هذا اليوم محطة مركزية لانطلاق مرحلة جديدة في الأقصى.
وأوضح معروف لـ'فلسطين أون لاين'، أن هذه المناسبة تمثل الحدث السنوي الوحيد الذي يرتبط دينيًا وتاريخيًا بالأقصى من منظور الرواية التوراتية، ما يجعل التركيز الإسرائيلي العام – حكوميًا وشعبيًا – منصبًا بالكامل على الأقصى، في استغلال واضح لمكانته الرمزية.
وأضاف أن الاحتلال – وتحديدًا جماعات المعبد – بات يرى نفسه قادرًا على تغيير الوضع القائم في الأقصى، مع تكرار نتنياهو لتصريحات تحاول ذر الرماد في العيون حول 'الحفاظ على الوضع القائم'، في الوقت الذي يجري فيه استكمال مخططاته في الأقصى عبر إدخال أدوات الطقوس التوراتية.
وأبدى معروف خشيته من أن تكون هذه المرحلة مقدمة لمحاولة فرض التقسيم المكاني في الأقصى، وربما إقامة كنيس داخله، كما يطالب تيار الصهيونية الدينية وبن غفير، مرجّحًا أن يتصاعد هذا الخطاب خلال الفترة المقبلة.
وعن غياب رد الفعل الإسلامي والعربي، قارن معروف بين ما جرى عام 2000 حين أدى اقتحام أرئيل شارون للأقصى إلى اندلاع انتفاضة شاملة، وما يحدث اليوم من اقتحامات وأداء طقوس دينية كاملة دون رد يذكر. وأضاف: 'الجماعات المتطرفة باتت ترى أن الوقت مناسب لتحقيق مشروعها في الأقصى، بعدما ثبت لها أن ردة الفعل الإسلامية والعربية ضعيفة أو غائبة، وهو ما شجّع الاحتلال على التمادي'.
وحذر من أن استمرار هذا الصمت سيدفع الاحتلال إلى المضي قدمًا في تنفيذ بقية المخططات التهويدية، مؤكدًا أن الرد الجاد هو الكفيل فقط بإعادة الحسابات لدى الاحتلال، مضيفًا: 'إذا لم يشعر بالندم، فسيمضي بلا تردد، وكل تراجع في الموقف العربي والإسلامي هو تشجيع إضافي له'.