اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٦ حزيران ٢٠٢٥
في زوايا الأهلي العربي 'المعمداني' بمدينة غزة، حيث يفترض أن تنعم الأرواح المكلومة بالأمان والشفاء، تحولت تلك الجدران إلى مسرح مأساوي لواحدة من أبشع الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين الفلسطينيين.
مع صباح يوم، أمس وقفة عرفة، كان الصحفيون سليمان حجاج مراسل فضائية فلسطين اليوم، وإسماعيل بدح مصور القناة ذاتها، وزميلهم سمير الرفاعي من وكالة شمس نيوز، يعملون بشجاعة لنقل الحقيقة التي حاول الاحتلال أن يخفيها، يوثقون المجازر التي ترتكب بحق المدنيين الأبرياء في غزة.
لكن الطائرات الحربية الإسرائيلية اخترقت الحماية المفترضة للمستشفى، وأطلقت صاروخًا استهدف الصحفيين بشكل مباشر، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة منهم وإصابة العشرات، بينهم صحفيون ومرضى وجرحى الحرب.
كان هؤلاء الصحفيون يعتقدون أن وجودهم داخل المستشفى، وهو مكان محمي بموجب القانون الدولي الإنساني، سيمنحهم الحماية، خاصة مع وضوح هوياتهم الصحفية وارتدائهم الملابس التي تميزهم، لكن الواقع كان قاسيًا فلا قوانين ولا مواثيق دولية تحميهم من الاحتلال الذي يشن حرب إبادة جماعية ضد شعبنا.
لم يكن استهداف مستشفى المعمداني حادثة منفردة، بل هو الثامن من نوعه منذ بداية الحرب الضروس على قطاع غزة، لهو دلالة واضحة على أن قوات الاحتلال لا تعترف بحماية المستشفيات أو العاملين فيها، سواء كانوا مرضى، أو موظفي صحة، أو صحفيين يؤدون دورهم النبيل في نقل الحقيقة.
وودع الصحفيون زملاءهم الشهداء في مستشفى المعمداني بتكبيرات العيد، مؤكدين على مواصلة مسيرتهم في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين والأبرياء العزل في قطاع غزة
استهداف ممنهج
وقال الزميل الصحفي محمد طوطح، مراسل موقع فلسطين أون لاين، الذي كان على بعد أمتار قليلة من مكان القصف: إن الهجوم كان مقصودًا ومدروسًا لاستهداف الصحفيين الذين كانوا يرتدون ملابس الصحافة بشكل واضح.
وأضاف طوطح لمراسل 'فلسطين أون لاين' أن الاحتلال يسعى إلى كتم صوت الفلسطينيين، ومنعهم من إيصال معاناة شعبهم إلى العالم.
وتابع: أن الهجوم لم يقتصر على استهداف الصحفيين فقط، بل شمل تدمير معداتهم وأجهزتهم، ما يهدف إلى إغلاق كل أبواب الإعلام الفلسطيني، وتحويل أصواتهم إلى صمت قسري.
ويرى طوطح، أن ارتفاع عدد شهداء الصحافة إلى 225 منذ بداية الحرب المدمرة على القطاع، يؤكد أن الاحتلال يشن حربًا ضد الإعلاميين بشكل ممنهج، معتبرًا أن استهداف الصحفيين في مستشفى المعمداني هو رسالة واضحة بأن الاحتلال لا يريد أي شاهد على جرائمه.
دماء ودمار
فيما وصف محمد قريقع، مراسل فضائية الجزيرة، كان من بين الصحفيين الموجودين قرب المستشفى وقت الهجوم، اللحظات المروعة بعد القصف، قائلًا: 'آثار الدماء والدمار لا تزال واضحة في المكان.
وقال قريقع لمراسل 'فلسطين أون لاين': إن عددا من المرضى والجرحى أصيبوا بشظايا الصاروخ، ما يعكس مدى قوة القصف وتجاهل الاحتلال لكل الأعراف الدولية التي تحمي المدنيين وأماكن العلاج.
وأكد قريقع، أن الهدف الأول من القصف كان الصحفيون الذين كانوا يوثقون مجازر الاحتلال، وأن استهدافهم داخل مستشفى معمداني هو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وفي تصريحاتٍ صحفية، أكد الدكتور فضل نعيم، مدير المستشفى المعمداني، أن المستشفى تعرض للقصف المباشر للمرة الثامنة منذ بداية الحرب، وأن القصف أدى إلى استشهاد ثلاثة صحفيين وإصابة عدد كبير من الجرحى، مما يضاعف العبء على المستشفى التي تحاول تقديم الرعاية وسط نقص حاد في الموارد.
جريمة حرب
ويعد استهداف الصحفيين داخل المستشفى هو جريمة واضحة بموجب القانون الدولي الإنساني، الذي يجرم استهداف المنشآت الطبية والعاملين فيها، بالإضافة إلى استهداف الصحفيين، الذين هم جزء من الحماية التي تضمنها المواثيق الدولية أثناء النزاعات المسلحة.
من جهته، أدان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، بشدة هذه الجرائم، واعتبرها استهدافًا ممنهجًا للصحفيين الفلسطينيين، مطالبًا المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة الاحتلال.
كما طالب المكتب الإعلامي في بيان له، الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب، والأجسام الصحفية العالمية، بإدانة هذه الجرائم، وتحميل الاحتلال والإدارة الأمريكية والدول الداعمة له المسؤولية الكاملة عنها، داعين إلى حماية عاجلة للصحفيين في مناطق النزاع، وملاحقة الجناة قضائيًا.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر 2023م، ارتقى أكثر من 225 صحفيًا شهيدًا في غزة، في ظل حملة ممنهجة لإسكات الإعلام الحر.
وفي غضون 24 ساعة فقط من الهجوم الأخير، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن استشهاد 70 مدنيًا وإصابة 189 آخرين، فيما ترتفع حصيلة الضحايا منذ بداية العدوان إلى أكثر من 54 ألف شهيد و125 ألف جريح، من بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء وكبار السن.
واستأنفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي الحرب على القطاع في 18مارس 2025م، بعد توقف مؤقت، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى استمر أكثر من شهرين، مدعومًا من عدة دول.
ورغم الخطر الكبير، يواصل الصحفيون الفلسطينيون عملهم، متحدين الموت، لأن نقل الحقيقة هو أسمى رسالة يتحملونها، فهم لا ينقلون مجرد أخبار، بل يحكون قصص الألم والصمود، وينيرون عتمة الحرب بنور الكلمة والصورة.