اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ نيسان ٢٠٢٥
قال الخبير الاقتصادي الدكتور ثابت أبو الروس إن الصين بدأت بالفعل بتوجيه ضربات اقتصادية قوية للولايات المتحدة الأميركية، عبر سلسلة من الخطوات المالية والإعلامية التي تعكس تحولًا استراتيجيًا في ميزان القوى العالمي، ولا سيما في أعقاب قرار واشنطن الأخير رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية.
وأوضح أبو الروس لصحيفة 'فلسطين' أن الصين تُعد ثانية أكبر دولة في العالم من حيث امتلاك الديون الأميركية، وأن قرار التخلص من سندات الخزانة، إن اتخذته بكين، سيكون له تأثير كبير في الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي على حد سواء.
وأضاف أن مساعي بكين إلى استبدال الذهب بالدولار تشير إلى فقدان تدريجي للثقة في العملة الأميركية، ومحاولة لتقليل الاعتماد على النظام المالي الذي تهيمن عليه واشنطن. وأشار إلى أن هذه السياسة تُضعف مكانة الدولار عالميًا، وتزيد الضغوط على الاقتصاد الأميركي، في وقت تشهد فيه الأسواق الأميركية حالة من التذبذب بفعل التضخم وتراجع النمو.
وفي ضربة أخرى، أكدت الصين – عبر وسائلها الرسمية ومؤسساتها الإعلامية – أن العديد من الماركات الأميركية الكبرى لا تعكس بالضرورة الجودة أو التفوق التقني كما يُروّج لها، معتبرةً أن هناك 'وهمًا تجاريًا' صنعه النفوذ الإعلامي الأميركي العالمي.
وبيّن أبو الروس أن هذه الحملة تأتي في إطار الرد الإعلامي والتجاري على محاولات واشنطن النيل من المنتجات الصينية عبر فرض قيود جمركية وتشويه السمعة.
وأكد أن الصراع الحالي لم يعد مجرد حرب تجارية تقليدية، بل هو صراع شامل يشمل الاقتصاد والنقد والإعلام، حيث تسعى الصين إلى تفكيك الهيمنة الأميركية باستخدام أدوات 'ناعمة' لكنها فعالة.
وأشار إلى أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بدأت عام 2019، خلال حملة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانتخابية، لكن المواجهة الفعلية تصاعدت في فترته الرئاسية. وأوضح أن الصين تعاملت مع هذه التهديدات بجدية واستعدت لها اقتصاديًا وسياسيًا.
وأكد أبو الروس أن الصين تتجه منذ عام 1978 نحو نموذج اقتصادي يجمع بين الاشتراكية والرأسمالية، وهو نهج مغاير لما تتبعه الولايات المتحدة التي اعتمدت الرأسمالية المطلقة لعقود، لكنها بدأت مؤخرًا تميل إلى تدخل الدولة في بعض جوانب الاقتصاد، في تحول نحو ما وصفه بـ'الرأسمالية الاشتراكية'.
ونوّه إلى أن العالم يشهد إعادة تشكيل للنظام الاقتصادي العالمي، وتبدو الصين عازمة على قيادة هذا التغيير بمزيج من القوة الاقتصادية والبدائل المالية للدولار.
وأوضح أن الصين تخوض حاليًا 'حربًا ناعمة' على مستوى العالم، تهدف إلى فرض هيمنة اقتصادية شاملة دون صدام مباشر، مشيرًا إلى أن هذه الاستراتيجية تختلف عن الهيمنة الأميركية التقليدية التي ترتكز على القوة السياسية والعسكرية.
وأضاف أبو الروس أن هذا التحول أكدته تقارير اقتصادية حديثة، أبرزها ما نُشر عام 2025، حيث تعتمد الصين على منهج علمي واقتصادي موضوعي في إدارة النمو والتنمية، مستندة إلى قاعدة بشرية كبيرة ونسبة بطالة منخفضة، ما يجعلها مؤهلة لقيادة منظومة اقتصادية متماسكة.
وأوضح أن الصين لم تكتفِ بالنمو المحلي، بل وقعت اتفاقيات استراتيجية مع أكثر من 190 دولة حول العالم، ضمن ما يُعرف بمبادرة 'الحزام والطريق'، وسيطرت من خلالها على موانئ ومواقع استراتيجية في آسيا وإفريقيا وأوروبا، مما يتيح لها تأثيرًا اقتصاديًا غير مباشر يشبه 'الاحتلال الناعم'.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تتبع سياسة الهيمنة عبر أدوات اقتصادية وسياسية، كالعقوبات والضغط من خلال المؤسسات المالية الدولية، بينما تعتمد الصين على الهيمنة الاقتصادية الصافية، عبر الاستثمار والتجارة وبناء الثقة مع الدول الصاعدة والنامية.
وشهد الدولار الأميركي تراجعًا بنسبة 9% منذ بداية العام، بينما ارتفعت أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، متجاوزة 3,500 دولار للأونصة. وتأتي هذه التحركات الصينية في وقت حذر فيه صندوق النقد الدولي من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، حيث خفض توقعاته للنمو لعام 2025 إلى 2.8%، مشيرًا إلى أن التوترات التجارية المتصاعدة، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، تشكل خطرًا كبيرًا على الاستقرار المالي العالمي.
ويُعد الذهب ملاذًا آمنًا في ظل حالة الضبابية الاقتصادية، وقد ارتفع سعره بنحو 33% منذ بداية العام.
وقلّص صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2025 بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 2.8%، وبمقدار 0.3 نقطة مئوية لعام 2026 إلى 3%، مقارنة بتقديرات سابقة في يناير/كانون الثاني الماضي.
وارتفعت الرسوم الأميركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب بنسبة 145% على معظم المنتجات الصينية، وتصل إلى 245% على السيارات الكهربائية، في المقابل، فرضت الصين تعريفات جمركية بنسبة 125% على المنتجات الأميركية، وصرّحت رسميًا بأنها 'ستستمر في المواجهة حتى النهاية'، وهو ما يُنذر باستمرار أجواء عدم الاستقرار الاقتصادي.