اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
الكاتب:
اسماعيل جمعه الريماوي
انطلاق أكثر من خمسين سفينة ضمن ما بات يُعرف بـ'أسطول الصمود العالمي' يشكل علامة فارقة في مسيرة التضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، فالمبادرة ليست مجرد قافلة بحرية تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية بقدر ما هي فعل احتجاجي عالمي على فشل المجتمع الدولي في احترام القانون الدولي والإنساني، ورسالة بأن القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة في ضمير الشعوب رغم محاولات العزل والتطبيع والتواطؤ.
يشارك في الأسطول مئات النشطاء القادمين من عشرات البلدان، بينهم فنانين عالميين مثل الممثل الإيرلندي ليام كانينغهام والإسباني إدوارد فرنانديز، إضافة إلى شخصيات سياسية واعتبارية مثل آدا كولاو رئيسة بلدية برشلونة السابقة، وبرلمانيين أوروبيين من اتجاهات متعددة، وهو ما يضفي على المبادرة بعداً ثقافياً وسياسياً عابراً للحدود، ويؤكد أن التضامن مع فلسطين لم يعد مقتصراً على الحركات الشعبية أو منظمات المجتمع المدني بل بات يمتد ليشمل وجوهاً عامة قادرة على كسر الصمت الإعلامي الغربي .
الأسطول يمثل استعادة لذاكرة 'أسطول الحرية' الذي انطلق عام 2010 وتعرض لهجوم دموي من قبل البحرية الإسرائيلية أدى إلى سقوط شهداء على متن السفينة التركية مرمرة، ورغم مرور سنوات على تلك الواقعة إلا أن استمرار المبادرات البحرية يثبت أن الحصار على غزة لم يعد شأناً فلسطينياً داخلياً، بل قضية أخلاقية كبرى تمتحن بها الإنسانية جمعاء .
الرسالة الأبرز التي يحملها الأسطول هي أن استمرار الحصار يُعد جريمة جماعية ضد أكثر من مليوني إنسان يعيشون في ظروف مأساوية، وأن صمت الحكومات الغربية وتواطؤها يجعلها شريكاً في الجريمة، كما أن انطلاق هذا العدد الكبير من السفن في وقت تتعرض فيه غزة لعدوان غير مسبوق يفضح ازدواجية المعايير الدولية ويعري عجز الأمم المتحدة والمؤسسات الأممية عن القيام بدورها في حماية المدنيين .
من الناحية السياسية يضع الأسطول الحكومات الأوروبية أمام امتحان جديد، فوجود برلمانيين أوروبيين على متنه يعني أن أي اعتداء إسرائيلي لن يكون بلا كلفة سياسية داخل أوروبا، كما أن الحراك الشعبي العابر للقارات يضغط على العواصم الغربية التي تحاول الموازنة بين دعمها لإسرائيل من جهة وتنامي التعاطف الشعبي مع فلسطين من جهة أخرى، وهو ما يجعل من كل محاولة قمع أو منع للأسطول فضيحة إضافية تضرب صورة هذه الحكومات أمام شعوبها .
إن مبادرة 'أسطول الصمود العالمي' تطرح سؤالاً جوهرياً حول معنى القانون الدولي إذا كان عاجزاً عن ضمان حق شعب في الغذاء والدواء وحرية الحركة، كما أنها تفتح نافذة أمل أمام الفلسطينيين بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة آلة الحرب والحصار، وأن ثمة أصواتاً في العالم ما زالت تؤمن بالعدالة والحرية وتقاوم التطبيع مع الجريمة .
وفي المحصلة فإن الأسطول وإن فشل في كسر الحصار ميدانياً، فإنه ينجح في تعرية إسرائيل كدولة احتلال تمارس القرصنة في البحر وتفرض عقاباً جماعياً مخالفاً لكل الأعراف، ويكشف في الوقت ذاته خيانة النظام الدولي لصمته على مأساة غزة، ليبقى البحر شاهداً على أن إرادة الشعوب أوسع من الجغرافيا وأقوى من الأسلاك البحرية والجدران الإسمنتية .