اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
على أنقاض عيادة شهداء الشيخ رضوان الصحية شمال غرب مدينة غزة، ترتسم واحدة من أكثر صور المأساة الإنسانية قسوة، فقد تحوّل المكان، الذي كان يومًا ملاذًا للمرضى والجرحى، إلى ساحة مليئة بالركام والعظام البشرية، بعد أن جرفت آليات الاحتلال الإسرائيلي المنطقة خلال حربه المدمرة على قطاع غزة.
لم تكن تلك العظام المبعثرة إلا بقايا جثامين شهداء دفنهم أهاليهم في فناء العيادة، بعد أن حالت ظروف الحرب والقصف المكثف دون الوصول إلى المقابر الرئيسة في المدينة.
ومع انسحاب قوات الاحتلال في الثالث عشر من أكتوبر الجاري، عاد السكان ليجدوا أن العيادة تحولت إلى ركام، وأن قبور الشهداء المؤقتة نُبشت وأُخرجت منها الجثامين.
رفات في العراء
ويقول المواطن أحمد دحلان، أحد سكان الحي، لصحيفة 'فلسطين': تفاجأنا حين عدنا بأن الاحتلال نبش قبور الشهداء وأخرج الجثامين من الأرض وتركها مكشوفة، لم يراعِ حرمة الموتى ولا مشاعر ذويهم'.
ويضيف دحلان، الذي فقد منزله بالكامل في القصف، أن الأهالي سارعوا إلى جمع الرفات وإعادة دفنها في المقبرة المؤقتة نفسها، رغم صعوبة المشهد ورائحة الموت التي ملأت المكان.
ويؤكد أن الاحتلال دمّر المقبرة والعيادة عمدًا، في محاولة لطمس معالم الحياة في غزة وجعلها غير صالحة للعيش'، لكنه شدد على أن السكان متمسكون بالبقاء قرب أنقاض منازلهم مهما اشتدت المعاناة.
ولا يختلف الحال كثيرًا لدى المواطن إياد البرعاوي، الذي فقد منزله أيضًا في الحي نفسه، ويقول بصوت يملؤه الأسى: 'وجدنا قبور الشهداء مفتوحة والجثامين مكشوفة، حتى أن الكلاب الضالة التهمت أجزاءً منها، مضيفاً: رأيت بأم عيني عظامًا متناثرة على الأرض، فعملنا مع عدد من الجيران على جمعها وإعادة دفنها'.
ويشير البرعاوي، لصحيفة 'فلسطين' إلى أن العديد من أهالي الشهداء حضروا إلى الموقع بعد انسحاب الاحتلال بحثًا عن جثامين أبنائهم، لكنهم لم يتمكنوا من التعرف على أي منها، بعدما دمرت الآليات العسكرية الإسرائيلية كل شيء في المكان، بما في ذلك شواهد القبور التي كانت تميز مواقع الدفن.
ويضيف متسائلًا: 'إذا كان الاحتلال يخشى الأموات في قبورهم، فلماذا هذا الحقد حتى على من فارقوا الحياة ؟!، أين العالم من هذه الجريمة؟، وأين اللجان الحقوقية التي تزعم الدفاع عن الإنسانية؟'.
سرقة الجثامين
أما المواطن محمد حنونة، فيذهب إلى أبعد من ذلك، معتبرًا أن ما جرى لا يقتصر على التدمير فحسب، بل يشير إلى احتمال سرقة بعض جثامين الشهداء.
ولم يستبعد حنونة وفق ما قاله لصحيفة 'فلسطين' أن يكون جيش الاحتلال قد سرق عددًا من الجثامين، فهذه ليست المرة الأولى.
ومنذ بداية الحرب المدمرة على قطاع غزة وخلال الحروب السابقة وثقت صحيفة 'فلسطين' حالات مشابهة لنبش القبور وسرقة الجثث.
ويؤكد حنونة، أن عدداً من الأهالي الذين حاولوا مؤخرًا نقل جثامين أبنائهم إلى المقابر الرئيسة في غزة عادوا خاليي الأيدي، بعدما لم يعثروا على أي أثر لموتاهم.
وأضاف: 'ربما نقل الاحتلال الجثامين إلى أماكن مجهولة، أو ربما جرفتها آلياته الثقيلة خلال اقتحام الحي مطلع أكتوبر، في كل الأحوال، ما حدث جريمة تضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات'.
جرائم ممنهجة
تتطابق روايات السكان في حي الشيخ رضوان، مع مشاهد الدمار الشامل التي خلفتها الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، حيث طالت الغارات والمجنزرات كل مظاهر الحياة، المنازل والمستشفيات والمدارس وحتى المقابر.
ويرى مراقبون أن استهداف المقابر ونبش القبور يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر المساس بحرمة الموتى أو التعدي على أماكن دفنهم.
ومع ذلك، لم يصدر أي موقف حازم من المجتمع الدولي، رغم حجم الفظائع التي وثقتها عدسات الصحفيين وشهادات الأهالي.
ويؤكد سكان الحي، أن ما جرى أمام عيادة شهداء الشيخ رضوان ليس حادثًا عابرًا، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين ومحو ذاكرتهم الجمعية، عبر تدمير كل ما يرمز إلى الحياة والاستقرار وحتى الموت الكريم.
ورغم حجم المأساة، يواصل الأهالي الصمود في وجه الدمار، ويقول محمد دحلان، وهو ينظر إلى بيته الذي صار كومة من الحجارة: 'قد يدمّرون بيوتنا ومقابرنا، لكنهم لن يستطيعوا أن يدفنوا إرادتنا، سنبقى هنا، بجانب شهدائنا، حتى تعود غزة للحياة'.

























































