الشرق الأوسط الجديد.. رؤيا استعمارية بغلاف ديني مزيف

الكاتب:

د. محمد عودة

من خلال قراءة جادة لما يدور من حروب وصراعات ونزاعات داخلية في المنطقة عناوينها الرئيسة محاربة الإرهاب وإنجاز الشرق الأوسط الجديد وعلى مراحل:

المرحلة الأولى أدت الى تنظيمات تؤدي الدور نيابة عن النورانيين وتؤسس لأعمال يستخدمها هؤلاء لإيجاد أرضية لتعريف جديد للإرهاب يمكن القائمين على مشاريع الهيمنة على العالم من تبرير الحروب اللاحقة وهذا ما حصل عندما اوجدت الولايات المتحدة القاعدة لمحاربة الاتحاد السوفييتي ولتفكيك العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة وتلاها إيجاد تنظيم داعش الذي ينفذ بنود مشروع برنارد لويس الذي يقسم العالم العربي على أسس مذهبية وطائفية وعرقية.

المرحلة الثانية مرتبطة بالمرحلة الأولى وتعتبر استكمالا لها بحيث وبإيعاز من أجهزة الامن في أمريكا تقوم خلايا فرختها أمريكا في أفغانستان لتقوم بعمل من طبيعة 11/9 يؤدي الى تعريف جديد للإرهاب لا يملكه الا النورانيين وممثليهم على الأرض (صناع القرار في العالم الغربي). والتي أدت الى غزو العراق ولاحقا أفغانستان.

المرحلة الثالثة: استخدام الفوضى الخلاقة في تفتيت الدول العربية في كل من سوريا، مصر، ليبيا، اليمن وتونس والحبل على الجرار حيث تمهد الأجواء للمرحلة الرابعة والتي تقتضي استخدام القوة لتجسيد مشروع الشرق الأوسط الجديد (إسرائيل الجديدة) وفي هذا السياق يمكن فهم العدوان البربري على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني تلاها محاولة تحييد النظام الإيراني، هناك اعتقاد جازم بان العدوان على إيران لم يحقق أهدافه وبالتالي فان احتمال تجدد العدوان وارد جداً.

اما المرحلة الرابعة: فهناك اعتقاد سائد ان العقبة الرئيسية امام مشروع إسرائيل الجديدة (الشرق الأوسط الجديد) يحتاج الى تحجيم دور مصر عبر تقليص قدراتها العسكرية عبر عدوان كالذي حصل ضد إيران لكن يجب ان يسبقه محاولة لتأليب الشعب المصري على النظام السياسي وعندها تؤدي ضربة لمصر كالتي تلقتها إيران الى ثورة تؤدي الى تغيير النظام.

وبما ان كل المخطط يحتاج الى مشاركة الدولة العميقة التي تقود العالم والمتركزة أساسا في أمريكا فان المسيحية الصهيونية بحاجة الى تبرير موقفها مما يجري في المنطقة وتسويق فكرة الشرق الأوسط الجديد ضمن المعايير الإسرائيلية، ومن هنا يصبح توظيف المعتقدات الدينية ضرورة، هذه المعتقدات تبرر الدعم المطلق لمشروع إسرائيل الجديدة من اجل تسريع قدوم السيد المسيح الذي ستؤدي عودته الى الخلاص المسيحاني في اخر الزمان، قالها ترامب في أكثر من مكان ومناسبة أنه يملك مرسوما ربانيا.

في مقال بعنوان قد تكون النظرة الإنجيلية لمايك هاكابي هي المفتاح' للمحاضرة في جامعة كوينز الأستاذة تريستان ستورم نشرته على موقع 'فور وورد' تؤكد أن المسيحيين الصهاينة يرون في المواجهة الحالية بين إسرائيل وإيران تحقيقا لنبوءة توراتية بالغة الأهمية وتنقل ستورم عن المؤرخ الفرنسي فرانسوا هارتوغ قوله إن المؤشرات على نهاية العالم باتت كثيرة، وإن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران يعد خطوة في هذا الاتجاه.

وفي السياق ذاته اعتبرت افتتاحية لمجلة 'تريبيون كريتيان' (المنبر المسيحي) الفرنسية بعنوان: 'إسرائيل وإيران: هل تتحقق نبوءة حزقيال؟' نُشرت الثلاثاء الماضي تقول أن حدة المواجهة بين إسرائيل وإيران تدل على أن هذا الصراع أكثر من مجرد تنافس إستراتيجي 'إنها حرب ذات جذور توراتية، تنبأ بها النبي حزقيال قبل آلاف السنين (وتختار المجلة اقتباسات من هذه النصوص المزعومة جاء في أحدها: 'يا ابن آدم، وجّه وجهك نحو أرض مأجوج.. وتنبأ عليه.. واخرج أنت وكل جيشك.. معهم فارس وكوش كلهم بدروع وخوذ، إلى أرض مستعادة سأكسرك أنت وجيشك على جبال إسرائيل).

يشار الى ان نتنياهو يستخدم المبررات الدينية كما ترامب لتسويق مشروعه فقد صرح في مناسبات عدة انه بصدد انجاز نبوءة اشعياء التي تعتبر واحدة من أبرز النبوءات في الكتاب المقدس، تتألف من 66 إصحاحاً، ويعود تاريخها إلى القرون الأولى قبل الميلاد، إشعياء كان نبياً يهودياً بارزاً في المملكة الجنوبية ليهوذا -أحد أبناء النبي يعقوب (إسرائيل) الاثني عشر-، وقد جرى توثيق نبوءاته في سفر إشعياء في العهد القديم للكتاب المقدس.

احدى أبرز التنبؤات تتحدث عن ظهور ملك يدعى إيمانويل الذي سيولد من عذراء والذي يعتبر إشارة خلاص اليهود، وتشير النبوءة الى قوة وعدل ايمانويل (البعض يعتقد ان يسوع هو ايمانويل).

نبوءة أخرى تشير الى سقوط مملكة إسرائيل (تحققت حسب التاريخ في القرن الثامن قبل الميلاد حيث اقتاد نبوخذ نصر حسب الروايات حوالي سبعة الاف يهودي الى بابل وعند سقوط بابل على يد قوروش في القرن السادس قبل الميلاد عاد يهود السبي (يهود الاسر) الى ارضهم والمقصود بها فلسطين حسب ادعاء المؤرخين اليهود..

نبوءة أخرى من نبوءات اشعياء تتحدث عن فترة امن واستقرار وغياب للحروب ووصفت النبوءة الوضع الذي يعيش فيه الذئب مع الحمل ويأكل الأسد التبن.

كان لمصر نصيب كبير في نبوءة إشعياء، التي تحدث عنها نتنياهو، إذ وردت نصوص عنها بالكتاب المقدس، تتحدث عن خراب يطال مصر وسنوات يجف فيها نهر النيل، مما يؤدي الى سقوطها على ايدي قوى خارجية، تقول النبوءة عن تحالف بين مصر وأشور لمواجهة تهديد مشترك. يصف إشعياء هذا التحالف بأنه 'بركة في قلب الأرض' ويشير إلى أنه سيكون له تأثير إيجابي على الشعوب المعنية.

انطلاقا من كل ما سلف فان الدول العربية والإسلامية مطالبة بإيجاد جبهة عريضة مدعومة من اقطاب دولية تحول دون تمكين النورانيين من تجسيد المشروع، كما ان على المحور المنافس للنورانيين والذي يضم تكتلات كثيرة ان يعمل منذ الامس على افشال مشروع الشرق الجديد لان اهم ضحاياه بعد العرب والمسلمين هم الصين وروسيا وتحالفاتهم.