اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
في فجرٍ مثقلٍ بالدخان والموت، امتدت يد الاحتلال من جديد لتغتال بصاروخٍ رجلًا لم يكن يومًا في ساحات القتال فقط، بل في ميادين القانون والحقوق والإنسانية والسياسة والبرلمان، ترك رحيله بصمة دامية على قلوب أهالي غزة الذين غصّت صفحاتهم بتغريدات الرثاء، حين ودّعوا رجلًا جمع القانون والسياسة والدعوة، وترك خلفه إرثًا من النضال وسيرةً عطرة لا تمحوها صواريخ الاحتلال.
فجر أمس، ارتقى النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني محمد فرج الغول، شهيدًا بعد قصف جوي إسرائيلي دمّر أحد منازل مدينة غزة، ما أسفر عن سقوطه مع عدد من الشهداء والجرحى. هذا الرجل الذي وُلد في رفح عام 1957، عاش حياته بين أروقة المحاكم ولجان التشريع وحلقات العلم والإصلاح والدعوة، حتى صار عَلَمًا بارزًا في القانون والمحاماة والحقوق، وأحد أكثر الأصوات المدافعة عن المظلومين أمام بطش المحتل.
كان الغول يشغل منصب عضو المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح، ممثلًا عن محافظة غزة بعد أن منحه الناس أكثر من 71 ألف صوت، وهو ما يعكس حجم الثقة والمحبة التي زرعها في قلوبهم. إلى جانب ذلك تقلّد منصب وزير العدل ووزير الأسرى والمحررين في الحكومة الفلسطينية العاشرة، برئاسة الشهيد إسماعيل هنية، ولم يكتف بذلك، بل ترأس اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة توصيات تقرير غولدستون، الذي وثّق جرائم الاحتلال بحق المدنيين في غزة.
ورغم كل هذه المناصب، بقي الغول رجلًا بسيطًا في تعامله، قريبًا من الناس، يدافع عن حقوقهم ويكفل الأيتام ويساعد المحتاجين. أسس 'مؤسسة دار الحق والقانون لحقوق الإنسان'، وأدار مكتبًا للمحاماة في غزة، وكان واحدًا من أكثر الشخصيات القانونية حضورًا في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية أمام المحاكم والهيئات الدولية.
بمجرد انتشار نبأ استشهاده، اشتعلت منصات التواصل في غزة بكلمات الرثاء والفقد. كلماتٌ تختصر كيف يرى الغزيون في هذا الرجل قيمة تتجاوز موقعه الرسمي، ليصبح أيقونة من أيقونات العمل الصادق. كتب عبد السلام هنية، ابن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية، في وداعه:
'رفيق الوالد وصديقه.. القائد النائب أبو أحمد فرج الغول. رجل القانون والسياسة والدعوة والرياضة. أحد الأوائل الذين انضموا في مرحلة التأسيس مع الشيخ أحمد ياسين. أبو أحمد من مؤسسي الجمعية الإسلامية، كان لاعبًا ورئيسًا لنادي الجمعية الإسلامية، وأمينها العام. وزير الأسرى والعدل في الحكومة الفلسطينية. رحمك الله أبو أحمد لتلتحق برفاقك في جنان النعيم.'
أما الدكتور إياد القرا، فقد وصفه في تغريدة بأنه علم من أعلام القانون، بقوله:
'النائب محمد فرج الغول.. علم من أعلام القانون والمحاماة في فلسطين، خفيف الظل، فقيه بالقانون، مبتسم دومًا، عنوان لمساعدة المحتاجين، صاحب طرفة في أحلك الظروف. اغتاله الاحتلال الليلة الماضية.'
لم تكن حياة الغول سهلةً، إذ يروي تامر أبو شعبان كيف عاش حياة النزوح والملاحقة رغم سنّه:
'نزح أكثر من ٤٠ مرة خلال الحرب، رجل لا يعرف الملل في العبادة، كان يقوم كل ليلة بسورتي البقرة وآل عمران رغم كبر سنه وتعبه. نجا من الاغتيال أكثر من خمس مرات خلال الحرب، وكان يكفل الكثير من العائلات. رائحة المسك كانت تفوح من جثمانه الطاهر، أنا شممتها بنفسي.'
الكاتب أحمد الكومي أوجز سيرة الرجل في كلمات قصيرة: 'إلى رحمة الله شهيدًا الشيخ المجاهد والقائد الكبير الذي تحبه غزة وغربها. رجل القرآن والقانون، النائب الذي تعرفه كل الميادين. نشهد لك القائد أبو أحمد بأنك أديت الأمانة وصنت العهد وارتقيت على ما مات عليه القادة والشهداء. هنيئًا لك هذه الخاتمة.'
أما الدكتور صلاح عبد العاطي، فقد ودّعه كصديق وزميل: 'أتقدم بخالص التعازي والمواساة باستشهاد الأخ والصديق المحامي المستشار وعضو المجلس التشريعي محمد فرج الغول أبو أحمد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. المجد والخلود للشهداء.'
حتى جيرانه وأهله لم يغيبوا عن المشهد. عائد أبو حمام، أحد رفاق دربه، كتب متأثرًا:
'أبو أحمد الأستاذ محمد فرج الغول يلتحق بركب الشهداء العظام هذا الصباح.. رحمك الله أيها العزيز وتقبلك في عليين. خاتمة تليق به.'
وغرّد الصحفي فضل مطر بكلمات قصيرة لكنها حملت كل الدلالات:
'رحم الله القائد الوطني محمد فرج الغول.. لكل من عرفه حقيقيةً، رحيله خسارة لفلسطين. يوم حزين.'
ما لا يعرفه كثيرون أن الغول كان أيضًا من رواد العمل الدعوي والرياضي. فقد انضم في بداياته إلى صفوف الحركة مع الشيخ أحمد ياسين في المسجد الشمالي، وكان من مؤسسي الجمعية الإسلامية في غزة، بل ولعب لنادي الجمعية الإسلامية، ثم صار رئيسًا له وأمينًا عامًا للجمعية فيما بعد.
تلك الجوانب المتعددة في حياته كانت تعكس شخصيته الجامعة بين القانون والدين وخدمة الناس. فكان كما وصفه كثرٌ 'خلية نحل' لا يهدأ ولا يتوقف، حتى صار اسمه مرتبطًا بمساعدة المحتاجين ورفع قضاياهم.
وفي مواجهة حملات التشويه المغرضة، غرّد محمد أبو عون ساخرًا:
'أحد قادة حماس الهاربين في فنادق تركيا وقطر.. وزير العدل الفلسطيني السابق وأحد قادتها الكبار محمد فرج الغول شهيدًا.'
في إشارة واضحة إلى كذب تلك الدعايات التي تحاول تصوير القادة بعيدين عن ساحة الخطر، بينما تحفر القنابل أسماءهم في ذاكرة الناس شهداء
بينما كتب محمد أبو العمرين بكلمات مقتضبة حملت حجم الخسارة: 'أبو أحمد.. محمد فرج الغول.. شهيد .. رحيل رجل من الذين نحبهم. يوم حزين.'
اليوم، ترك الشهيد الغول خلفه زوجةً وأبناءً لا شكّ أنهم يعتصرون ألم الفقد، لكن غزة كلها صارت لهم عائلةً كبرى تحتضن سيرته ومناقبه. لم يكن اغتيال الغول استهدافًا لشخصه فحسب، بل كان اغتيالًا لصوت القانون وأمانة الكلمة، إذ طالما سعى لتجميع ملفات القضايا وتوثيق الجرائم لرفعها إلى المحافل الدولية، وكان صوته مدويًا في الدفاع عن الأسرى والحقوق والحريات.
اما الداعية نادر ابو شرخ فكتب : 'استهداف النائب في المجلس التشريعي الشـ.ـهيد المجـ.ـاهد: محمد فرج الغول 'أبو أحمد' من أوائل الشباب الملتحقين بالعمل الإسلامي مع الشيخ ياسين
رئيس الجمعية الإسلامية بقطاع غـ.ـزة ثم أمينها العام
وزير الأسرى ثم وزير العدل في الحكومة الفلسطينية
من خيرة رجال الله في الأرض تواضعاً ورزانة وأدباً وحكمة
رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح الجنان.'
ومع كل رثاءٍ جديد يكتب على صفحات الغزيين، يبدو جليًا أن رصاص الاحتلال وقصفه لم يستطع أن يغتال الروح التي زرعها الغول في الناس. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة من عرفوه ومن أحبوه ومن حملوا معه همّ الحق والعدالة.
محمد فرج الغول لم يمت وحده، بل رحل تاركًا بين الركام وصايا مكتوبة بدمه: أن يكون القانون والحق والأمانة سلاح الفلسطينيين الأصدق في وجه القهر، وأن يبقى حب الناس هو القنديل الذي يضيء عتمة الحرب.