اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
في كتاب ”المثنوي“، يروي جلال الدين الرومي قصة لطيفة. وفقًا للقصة، جلس رجل عطشان على جِدَار مرتفع، يراقب النهر المتدفق. من ناحية، كان عطشانًا، ولكن من ناحية أخرى، على الرغم من أن الماء كان قريبًا منه، لم يستطع الاستفادة منه بسبب الجدار. بدأ هذا الرجل في إزالة الطوب من الجدار واحدًا تلو الآخر ورميه في الماء. عندما سقطت قطع الطوب في الماء، يطرب قلبه وتزيد رغبته في الماء. مع كل قطعة طوب كان يرميها، كان الجدار يقصر ببطء وكان يقترب تدريجيًا من الماء.
بقدر ما تبدو بسيطة، فإن قصتنا تحمل معاني رمزية عميقة في سياق رسم صورة للأمة الإسلامية في الوقت الحاضر، ولا سيما القضية الفلسطينية. فمن ناحية، هناك تعطشنا للحرية والكرامة؛ ومن ناحية أخرى، هناك الجدران التي تقف في طريقنا والمياه العذبة التي نراها ولكن لا نستطيع الوصول إليها.
نعم، المسلمون اليوم يشبهون الرجل العطشان في القصة. نحن عطشى للكرامة والشرف والسيادة. نرى ونشعر بمياه الحقيقة أمامنا مباشرة، في قرآننا، في تاريخنا، في الوحدة التي فقدناها. ولكن هناك جدار يقف بيننا وبين كل هذه الأشياء التي نسعى إليها:
• جدار التفرقة والانقسام
• جدار الاستبداد والقمع الداخلي
• جدار الاستسلام للرغبات والأهواء على المستوى الفردي والمجتمعي
• جدار التبعية الخارجية
أحيانًا نحاول هدم الجدار قطعة قطعة. نقترب من تحقيق هدفنا. ننظم مؤتمرات، ونطلق مبادرات إصلاحية، وننظم انتفاضات جماهيرية. لكننا ما زلنا بعيدين عن هدم الجدار... لأن أساساته عميقة... الأمر يتطلب صلابة كبيرة وصبرًا.
يقول الرومي: ”كل حجر تنتزعه من جدار نفسك يقربك من الحق،“ فمن هذه الكلمات نستلهم و نقول: كل خطوة نخطوها نحو وحدة المسلمين وتحقيق إرادتهم الحقيقية ستعيد لنا العزة والكرامة اللتين فقدناهما.
غزة..
اليوم غزة في مكان الشخص العطشان الموصوف في القصة. شعب غزة يرى مياه الحرية والسيادة والحياة الكريمة، لكنهم محاصرون بجدار كبير وسميك يحيط بهم. ما هو هذا الجدار؟
• جدار الاحتلال الصهيوني
• جدار الحصار السياسي والاقتصادي
• جدار التخاذل الذي صنعه المسلمون بأنفسهم
تجدر الإشارة إلى أن كل رصاصة تطلق وكل صاروخ يطلق على المحتلين في غزة اليوم هو بمثابة حجر يتم انتزاعه من الجدار. والصدى الذي يسمع عندما يسقط هذا الحجر في الماء هو موقف المقاومة الذي يبعث الأمل في القلوب. نعم، لم يتم هدم الجدار بعد. نحن نعلم أن هذا الطريق صعب. إزالة كل الحجارة واحدة تلو الأخرى تتطلب الصبر والتضحية والمثابرة. وهذا بالفعل ما تفعله المقاومة. غزة تخبرنا أن الماء ليس بعيداً عنا. كل حجر يتم انتزاعه من جدار القهر يقربنا من ذلك اليوم العظيم الذي ستُهدم فيه آلية الاستبداد بأكملها.
يروي الرومي قصة رجل ثابر على الوصول إلى الماء. رجل عطشان... يبذل كل قوته للوصول إلى الماء. يتحمل المشقة من أجل هذا الهدف. لكنه في النهاية يصل إلى الماء. في هذا السياق، علينا نحن أيضًا أن نهدم الجدران التي تحرمنا من الوصول إلى الماء على المستوى الفردي. جدار الخوف، جدار الانقسام، جدار الخضوع... يجب أن نفهم أن كوننا مؤمنين استسلموا لله تعالى يعني أن نجد الحرية الحقيقية في اتباع رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
دعونا لا ننسى أن المجتمع هو مجموع الأفراد، وعلى الأفراد أن يهدموا الحواجز الخاصة بهم حتى يصبح المجتمع قادراً على العمل. عندها فقط سنصل جميعاً إلى ماء العزة الذي وعدنا به ربنا. إن النصر هو للمؤمنين بلا شك.