اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٠ حزيران ٢٠٢٥
الكاتب: عبد الرحمن الخطيب
تابعنا خلال الأيام الماضية كيف بات موسم الحج مشهدا تقنيا متكامل، حيث تدخلت التكنولوجيات المتقدمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في أدق التفاصيل والهادفة إلى التسهيل على ضيوف الرحمن، وتطوير وسائل وطرق أداء المناسك، فلم يعد الحج ومناسكه ومراحله تدار كما قبل، بل أصبح ذو ملامح رقمية متطورة، على بقيادة تقنيات وأدوات ذكية تعمل في صمت لكنها تحدث نقلة نوعية في إدارة موسم الحجيج بكل مكوناته.
ساهمت تطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي في تنظيم الحشود بكفاءة وقدرة عاليتين، من خلال تحليل البيانات الحية والمباشرة التي تتابع حركة الحجاج في المشاعر المقدسة وتقدم تنبيهات وإشعارات آنية للجهات المختصة، حيث لم تعد إدارة الحشود تعتمد على العنصر البشري فقط، بل أصبحت تعتمد على تطبيقات وخوارزميات تتنبأ بمناطق التجمهر والازدحام، وعليه فإنها تقترح مسارات بديلة لتفادي التكدس والازدحام، وهكذا، أمكن تفادي الحوادث الناتجة عن التكدسات والازدحامات البشرية التي صارت من الماضي.
استُخدمت الروبوتات الذكية لتقديم الإرشادات الدينية بلغات متعددة، حيث انتشرت في ساحات الحرم وفي مراكز التوجيه، لتجيب عن أسئلة الحجاج وتوجههم بدقة، ولم تعد الحواجز اللغوية تشكل عائقاً أمام فهم مناسك الحج، فهذه الروبوتات مدعومة بتقنيات الترجمة الفورية والذكاء اللغوي، مما جعلها أداة فعالة في رفع مستوى وعي الحجاج بأداء شعائرهم بطريقة صحيحة.
وظّفت السلطات السعودية تقنيات التعرف على الوجه لتسهيل دخول الحجاج إلى المخيمات والمرافق المختلفة دون الحاجة إلى إبراز الوثائق بشكل متكرر، وبمجرد المرور أمام الكاميرات، يمكن التعرف على الحاج وتسجيل حضوره والتحقق من هويته، مما يسرّع الإجراءات ويحمي من التزوير أو ضياع البيانات ، هذا التحول الرقمي يعكس حرصاً على توفير تجربة سلسة وآمنة.
طُوّرت تطبيقات وتقنيات ذكية تحتوي على معلومات شاملة عن مناسك الحج، وأماكن الخدمات، وأوقات الذروة، وطرق الوصول، مع إمكانية التواصل المباشر مع فرق الطوارئ، فهذه التطبيقات لا تكتفي بتقديم المعلومات، بل تتفاعل مع المستخدم وتقترح له أفضل الخيارات بحسب موقعه وظروف الحركة العامة، بذلك، أصبح الهاتف الذكي بمثابة دليل رقمي مرافق للحاج طيلة رحلته.
نُشرت طائرات درون لمراقبة المواقع من الجو، حيث ترسل صوراً مباشرة لمراكز التحكم، وتساهم في مراقبة سير الحشود واكتشاف أي طارئ في وقت مبكر. لم تكن هذه الطائرات مجرد وسيلة مراقبة، بل أصبحت أداة أساسية في عمليات الإنقاذ والإسعاف، فهي تساعد الفرق الطبية في تحديد المواقع بدقة وسرعة، مما يزيد من فاعلية الاستجابة للحالات الطارئة.
أُدمج الذكاء الاصطناعي في نظم التكييف والتبريد في المخيمات، حيث تتحكم المستشعرات الذكية في درجة الحرارة والرطوبة بشكل تلقائي. هذه التقنية راعت الظروف المناخية القاسية في المشاعر، فعملت على توفير بيئة مريحة وآمنة للحجاج، خصوصاً كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة. لم تعد وسائل الراحة ترفاً، بل جزءاً أساسياً من خطة الحج الذكي.
عُززت الخدمات الصحية بأنظمة ذكية تتابع الحالات المرضية وتوجهها إلى أقرب مركز صحي مزود بالمعدات المناسبة. شملت هذه الأنظمة سجلات رقمية متصلة بشبكة موحدة، تسمح للأطباء بالاطلاع على تاريخ الحاج الطبي فوراً، ما يسهم في تقديم العلاج المناسب في أقل وقت ممكن. هذا التكامل بين الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية رفع من مستوى الجاهزية وساهم في إنقاذ الأرواح.
استُخدمت الخوارزميات في تحليل سلوك الحجاج داخل المخيمات بهدف تحسين توزيع الموارد مثل المياه والغذاء والوجبات الساخنة. لم يعد توزيع الطعام يتم بشكل عشوائي أو يدوي، بل بناء على بيانات متغيرة تتعلق بعدد الأفراد، وتفضيلاتهم الغذائية، ومواعيد تواجدهم. هذا ساعد في تقليل الهدر، وضمان وصول الخدمات بشكل متوازن للجميع.
نُفّذت تجارب تقنية فريدة مثل “طريق صقر الذكي”، الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتنظيم حركة المركبات والنقل الجماعي، حيث تتحكم أنظمة ذكية في توقيت الإشارات، وأولوية مرور الحافلات، وتنبيه السائقين لأي طارئ في الطريق. هذه المبادرة رفعت كفاءة النقل إلى مستويات غير مسبوقة، وقللت زمن التنقل بين المشاعر.
اختُبرت نظم ذكية للكشف المبكر عن التغيرات المناخية المحتملة، مثل العواصف الرملية أو ارتفاع درجات الحرارة، فتصدر هذه الأنظمة تحذيرات مسبقة وتوجه الحجاج إلى أماكن آمنة. هذه التدخلات الوقائية أصبحت جزءاً من البنية التحتية الرقمية للموسم، وساهمت في رفع معايير الأمان والاستعداد لأي طارئ طبيعي.
اعتمدت الجهات المنظمة على الذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات الضخمة المتعلقة بالحجاج، حيث يُستخدم في تحليل الاتجاهات، وتوقع السلوكيات، وتحديد النقاط التي تحتاج إلى تحسين في المواسم القادمة. بذلك، يتحول كل موسم حج إلى تجربة قابلة للتقييم والمعالجة الذكية، في إطار سعي دائم نحو التميز في الخدمة.
ساهمت كل هذه الجهود التقنية في خلق تجربة حج ذكية، آمنة، ومريحة، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً أساسياً في خدمة ضيوف الرحمن، وليس مجرد أداة ثانوية. ومع التقدم المستمر في هذه التقنيات، يمكن أن نتوقع مستقبلاً يُصبح فيه الحج نموذجاً عالمياً لكيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في إدارة الحشود، وتقديم الخدمات الإنسانية على نطاق ضخم، بروح تجمع بين التقنية والروحانية.