اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٩ نيسان ٢٠٢٥
خاص / شهاب
على كرسي مبتوري الأطراف بسبب كسر في رجله الرابعة، ينتظر حسام شملخ دور ابنة أخيه 'نورة' لجلسة التأهيل لاستخدام طرفها الصناعي الجديد، بعد أن فقدت ساقها في غارة إسرائيلية استهدفت منزل عائلتها غرب مدينة غزة مطلع أكتوبر الماضي. حيث إن مأساتها لم تتوقف كناجية من الموت ومصابة بحالة بتر لغالبية ساقها؛ بل تتكرّس المأساة وتتراكم بفقدانها أمها وأباها وإخوتها في ذات الحادثة، وهو الشعور الذي يزيد بتر الحياة لديها، إذ تجد نفسها بلا قدم ودون عائلة، بينما لم تتعدّ التاسعة من عمرها.
وأوضح شملخ: 'إن ابنة أخيه نورة حُرمت من حياتها وأحلامها، وهي الآن لا تستطيع ممارسة ألعابها المفضلة أو الذهاب مع الأطفال لأي مكان، علاوة على أنه ليس بمقدورها ممارسة أبسط مهام حياتها اليومية'.
أحلام مبتورة
وتساءل: 'ما الذنب الذي اقترفته نورة لكي تنتهي حياتها قبل أن تبدأ؟ وما يزيد معاناتها هو افتقار غزة لأدنى الأساسيات المتعلقة بتركيب الأطراف الصناعية'، مشددًا على ضرورة تدخل دولي عاجل من أجل هذه الفئة من المصابين.
نورة واحدة من آلاف الأطفال الذين فقدوا أطرافهم خلال الحرب المسعورة التي تشنها 'إسرائيل'، دولة الإبادة والجريمة، بحق سكان قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 وحتى هذه اللحظة، والذين تتلخّص معاناتهم في قلة العلاج وغياب المعدات الطبية، إضافة إلى غياب التأهيل الصحي والطبي والنفسي اللازم لاندماجهم مع أوضاعهم الجديدة كأطفال مبتوري الأطراف.
وبحسب المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن قطاع غزة يحوي أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث، وأن مساعدات الأطفال مبتوري الأطراف خلال الهدنة غطّت 20% فقط من الاحتياجات، حيث تمنع إسرائيل دخول مواد تصنيع الأطراف الصناعية بحجة أنها قد تُستخدم لأغراض عسكرية.
قالت ليزا دوتن، المسؤولة بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: 'يفقد 10 أطفال إحدى الساقين أو كليهما. أصبحت غزة موطنًا لأكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ الحديث'.
في حين يقول نبيل، صاحب الـ 11 عامًا، الذي كان يحلم بأن يكون نجمًا في صفوف ناشئي نادي الشجاعية، بينما يجلس اليوم على كرسي متحرك بعد أن فقد اثنين من أطرافه، القدم واليد، متشبثًا بأمل تركيب طرف صناعي متطور: 'كان حلمي أن أرتدي قميص النادي وأسعد أهلي، لكن الاحتلال دمّر كل شيء. الآن أحلم فقط بالوقوف مجددًا، وارتداء طرفي الصناعي دون مساعدة من أحد'.
رغم خضوعه لعدد من العمليات الجراحية وتركيب أطراف صناعية بدائية، ما زال محمود يواجه صعوبة بالغة في التأقلم مع الوضع الجديد، وسط نقص في المعدات والكوادر المتخصصة في مركز الأطراف الصناعية بغزة، حيث يقضي ساعات طويلة يوميًا في التدريب والتأهيل على استخدام الطرف الصناعي، بينما يبقى الأمل معلّقًا بالسفر خارج القطاع للحصول على رعاية متطورة.
أما شذى حمدان، الطفلة الصغيرة التي تبلغ من العمر 7 سنوات فقط، فتقول لـ'شهاب': 'قال لي بابا تعالي نطلع شوية نتمشى.. نحنا طلعنا وصارت القذائف تنزل علينا زي المطر، وأنا أجت في رجلي قذيفة وأبوي أجت في كتفه قذيفة'.
تحدياً كبيراً
وخضعت شذى لعمليتين جراحيتين، وظلت آمال عائلتها معلقة حول حصولها على تحويلة طبية للخروج من غزة والحصول على العلاج المناسب، قبل أن يضطر الطبيب إلى إجراء عملية ثالثة لبتر الساق المصابة، بسبب الالتهاب المتراكم نتيجة غياب المعدات الطبية والعلاج المناسب.
ووفق الإحصاءات الفلسطينية الرسمية، فإن حوالي 6 آلاف من سكان قطاع غزة بُترت أطرافهم خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، ولم يتمكنوا من الحصول على العلاج الملائم، أو استبدال أطرافهم بأطراف صناعية، نظرًا لشح الموارد، وعدم قدرة الجهات المختصة على تقديم خدماتها.
وحسب الإحصائيات، فإن النسبة الأكبر من مبتوري الأطراف هم من فئة الأطفال، فيما لا يوجد في القطاع سوى مركز واحد لإنتاج الأطراف الصناعية، والذي يتبع لبلدية غزة، ولا يمكنه أن يلبّي الحد الأدنى من احتياجات هذه الفئة.
وقال أحمد موسى، مدير برنامج إعادة التأهيل البدني في غزة التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر، إنه تم تسجيل ما لا يقل عن 3 آلاف شخص في برنامجهم، منهم 1800 شخص من مبتوري الأطراف.
ويعاني آلاف الفلسطينيين الآخرين من إصابات في العمود الفقري أو فقدوا بصرهم أو سمعهم، وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وأدى العدد الكبير من الإصابات إلى إبطاء وتعقيد الجهود المبذولة لتوفير العلاج. وقال مسؤولو الصليب الأحمر إن إدخال الأطراف الصناعية إلى قطاع غزة يمثل تحديًا.
وقال موسى: 'نواجه العديد من التحديات من خلال نقص هذه المواد، ولكن نحن نعمل على خدمة هذه الشريحة بقدر المستطاع لإعادة دمجهم في المجتمع'.
من جانبه، قال مدير عام المستشفيات الميدانية في غزة، مروان الهمص، إن 'قطاع غزة سجل أعلى معدلات في حالات البتر والتشوهات بسبب الحرب في غزة'، لافتًا إلى أن نوعية الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل كانت خطيرة.
وأوضح الهمص أن 'الإصابات التي وصلت للمستشفيات خلال الحرب كانت ذات طبيعة مختلفة، حيث أن حالات البتر تظهر قطع الأطراف بآلة حادة للغاية، كما أن الحروق والتشوهات كانت شديدة، ما يعني استخدام مواد غير معروفة وربما سرّية'.
ولم يستبعد الهمص إمكانية استخدام إسرائيل لأسلحة وأدوات محرّمة دوليًا من أجل رفع حالات التشوه والبتر في صفوف سكان غزة، لافتًا إلى أن النسبة الأكبر من المصابين إما تشوهات بسبب الحروق والإصابات أو حالات بتر.
وأضاف: 'كما أن الضحايا كان يصل معظمهم للمستشفيات عبارة عن أشلاء مقطعة، وللأسف بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق، لم يكن هناك قدرة على التعامل مع تلك الحالات بالشكل السليم على المستويين الطبي والنفسي'.
وتابع: 'نواجه صعوبة في الوقت الحالي في توفير أطراف صناعية بديلة لآلاف مبتوري الأطراف، كما أنه لا يوجد لدينا قدرة على إجراء الجراحات التجميلية لمن تشوهت وجوههم وأجسادهم بسبب الصواريخ والقذائف الإسرائيلية'.
ولفت إلى أن 'غزة بمحافظاتها الخمس لا تملك إلا مركزًا واحدًا للأطراف الصناعية، وبالرغم من استئناف العمل فيه مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في غزة؛ لكن المركز يفتقر للكثير من المعدات والاحتياجات اللازمة لتلبية متطلبات مبتوري الأطراف، في حين يفتقد القطاع لمقومات إجراء العمليات التجميلية'.