اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
لم تعد بلدة عناتا شمال شرق القدس مجرد نقطة جغرافية على خارطة محاصرة، بل أصبحت اليوم عنوانا لمعركة استيطانية مفتوحة، تتسارع خطواتها يوما بعد الآخر، في أخطر مرحلة يشهدها محيط القدس منذ عقود. على التلال المحيطة بالبلدة، بدأت معالم بؤرة جديدة تشق طريقها بقوة السلاح وقرارات المؤسسة الاستيطانية.
في محيط تجمعي أبو غالية والعراعرة البدوية، نشط مستوطنون مؤخرا في إقامة خيام وكرافانات، سرعان ما تتحول إلى نقطة تمركز استيطاني، في إطار عملية مدروسة ومخطط لها مسبقا.
حلقة في مشروع أكبر
لا يمكن النظر إلى البؤرة الجديدة في عناتا بوصفها حالة منفصلة، إنها جزء من مشروع استيطاني واسع يمتد شمالا نحو حزما وجبع، وشرقا باتجاه معاليه أدوميم، حيث يجري تنفيذ مخطط E1 الذي يعد من أخطر المشاريع الإستيطانية على الإطلاق.
الخبير في شؤون الاستيطان محمد نزال، يؤكد لصحيفة 'فلسطين'، أن اليمين الإسرائيلي المتطرف يسعى لخلق واقع سياسي وجغرافي منتهي الصلاحية قبل أي تسوية قادمة، فـ'الخارطة ترسم على الأرض أولا'، كما يقول، عبر مصادرة المواقع الاستراتيجية وتطويق التجمعات الفلسطينية من كل الجهات.
وفق نزال، فإن المشروع الجاري لا يستهدف السيطرة على أراض فقط، بل يسعى إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية ليصبح انتقال الفلسطيني بين محافظات الضفة الغربية غير ممكن إلا عبر محاور تمر من قلب التجمعات الإستيطانية. هذه الدوائر الاستيطانية، إذا اكتملت، ستجعل الضفة أشبه بجزر منفصلة.
ويشير إلى أن المشروع الاستيطاني، رغم التمدد والمصادرات، لم يحقق الهدف الديمغرافي الذي وضع له من قبل. فعدد المستوطنين كان من المفترض أن يتجاوز المليون في عام 2020، لكنه لم يصل إلى ذلك، إذ لا يتجاوز اليوم نحو 700 ألف. غير أن ما عجز عنه الاحتلال بالأرقام يحاول تعويضه بالمساحة والسيطرة المكانية.
طفرة غير مسبوقة في البؤر الاستيطانية
ويبين نزال، أنه منذ أكتوبر 2023، أقام المستوطنون أكثر من 60 بؤرة ومستوطنة، وهو رقم لم يشهده تاريخ الاستيطان منذ بداياته في أواخر الستينيات. هذه الطفرة جزء من استراتيجية 'تثبيت القدم' في النقاط الحيوية، ومن بينها عناتا التي تشرف مباشرة على ممرات استراتيجية شرق القدس.
تتموضع بلدة عناتا في واحدة من أكثر المناطق حساسية، حيث يضغط الاحتلال لمد حدود القدس باتجاه الشرق حتى مشارف البحر الميت، هذا التمدد يعني فعليا السيطرة على الشريان الذي يربط شمال الضفة بجنوبها ووسطها.
ويعد مخطط E1، بحسب نزال، أخطر مشروع استيطاني على الإطلاق. فهو ليس توسعا عشوائيا، بل مشروع لإعادة بناء خريطة الضفة بحيث يصبح التواصل الفلسطيني محكوما بممرات تمر عبر قبضة الاحتلال بالكامل.
ويتابع الخبير في شؤون الاستيطات، منذ إغلاق القدس بوجه الفلسطينيين، اضطر السكان لسلوك طريق بديلة من أبو ديس والعيزرية. واليوم يسعى الاحتلال لقطع هذا الطريق أيضا، ودفع الفلسطينيين إلى ممر شرقي بعيد ومعقد، يمر بمحاذاة معاليه أدوميم، حيث يتوقع أن تزداد اعتداءات المستوطنين.
التهجير الصامت
يرى نزال أن استعصاء الطرق، والقيود المتزايدة، وتحول الحركة اليومية لعذاب، جزء من مخطط يعمل عليه الاحتلال لدفع الفلسطينيين إلى 'رحيل طوعي صامت'، لكنه يؤكد أن الناس هنا يدركون ما يراد لهم، ويتمسكون بالبقاء رغم الخطر.
برغم التوسع، وبرغم القوة الإسرائيلية، إلا أن الواقع الميداني يثبت أن المشروع الاستيطاني يواجه تحديا ديمغرافيا وسياسيا كبيرا، وأن الفلسطينيين، كما يقول نزال يدركون حقيقة ما يجري ويرفضون الانسحاب.
القدس.. القلب المستهدف
الانتقال إلى القدس يعني الانتقال إلى المشهد الأكثر تعقيدا. فخري أبو دياب، المختص في شؤون المدينة، يؤكد لصحيفة 'فلسطين'، أن القدس بعد السابع من أكتوبر تشهد سباقا محموما لفرض واقع استيطاني جديد غير قابل للتراجع.
وبحسب أبو دياب، تسعى حكومة الاحتلال لتغيير التركيبة السكانية في القدس لصالح المستوطنين، عبر إحلال عائلات كاملة مكان الفلسطينيين من خلال الهدم والاستيلاء والتهجير المنهجي.
ويرى الناشط المقدسي، أن الاحتلال لا يستهدف الأرض فقط، بل يسعى لطمس الملامح العربية والإسلامية للمدينة بالكامل، عبر توسع هندسي هائل يحوط الأحياء الفلسطينية بسوار من المستوطنات.
حسم معركة السيادة
كل خطوة في القدس من الهدم إلى مصادرة الأراضي جزء من استراتيجية تهدف لحسم ملف القدس بشكل نهائي عبر خلق أغلبية يهودية ساحقة، وإضعاف الوجود الفلسطيني إلى درجة الاختناق، وفق أبو دياب.
ويشير إلى أن عناتا، بحكم موقعها، تشكل البوابة الشمالية الشرقية للقدس، ومع توسع مستوطنة معاليه أدوميم وبؤرها، تتحول البلدة إلى هدف مباشر لإكمال 'الطوق الشرقي' الذي يحاصر كل المساحات المفتوحة بين القدس والتجمعات الفلسطينية.
يشرح أبو دياب كيف يجري بناء سلسلة من المشاريع الاستيطانية الضخمة حول المدينة، لتمزيق أي اتصال طبيعي بينها وبين الضفة، وتحويلها إلى مركز استيطاني مغلق بالكامل.
البقاء.. شكل المقاومة الاول
في القدس، كما يؤكد أبو دياب، لا يعتبر الاستيطان مشروع إسكان، بل مشروع سيطرة سياسية وثقافية ودينية، يستهدف الإنسان والتاريخ والمقدسات.
ويقول المختص المقدسي، إن أهالي عناتا يعيشون اليوم حالة ترقب دائم، كل يوم تظهر بشائر توسع جديد، وكل أسبوع يعمل المستوطنون على خطوة أكثر جرأة، فيما يواصل السكان حياتهم تحت تهديد دائم بالمصادرة.
ورغم شراسة المشروع، فإن الفلسطينيين يؤكدون أن البقاء هو شكل المقاومة الأول في وجه الجرافات وقرارات الهدم، وهم يتمسكون بالبيوت والأرض حتى آخر حد.

























































