اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ أب ٢٠٢٥
الضاغطون العرب بخصوص نزع سلاح المقاومة في لبنان يشكلون ضغطا أكبر من الضغط الأمريكي، هؤلاء لو كانوا زمن غزوة الأحزاب العرب الذين حاصروا المدينة لكان مطلبهم نزع سلاح المدينة المنوّرة، لم تصل جاهلية ذاك الزمان إلى هذا المستوى المنحط الذي وصلت اليه جاهلية بعض العرب هذه الأيام، ومع الاخذ بعين الاعتبار أن سلاح اليوم موجّه إلى عدوّهم لو كانوا يفقهون، هذا العدوّ الذي يعلن جهارا نهارا عن مطامعه فيهم وفي بلدانهم وأنه يهندسهم على مزاجه النتن وأنه يعمل لتكون يده العليا وهم اليد السفلى، يعلن بتبجح أنّه فوقهم وأعلى منهم عسكريا واقتصاديا وثقافيا وهم حشمه وعبيده والساعين لخدمته طوعا وكراهية، ومع كلّ هذا يستهدفون القلعة المنيعة التي تقف له سدّا منيعا، المقاومة ورجالها هم الذي يشتبكون معه ويقضّون مضجعه ويخلطون أوراقه في المنطقة ويحاولون جهدهم للحد من مطامعه، فيأتي المفعول بهم والمطموع فيهم ليضمّوا صوتهم إلى صوته وينسجمون مع أهدافه لكسر شوكة حامي عوراتهم، فأيّ خطل هذا وأيّ قابلية للاستعمار والاستحمار باتوا يرتعون فيه.
ما هؤلاء البشر الذين غسلت دماغهم وأزيل كل ما فيها من حسّ فطري إنساني سليم، عدا عن حسّها الوطني وقيمها النابعة من تراثها ودينها وهويتها الثقافية، وحتى عن المعادلات التي تحققّ مصالح بلدانهم العاجلة والآجلة، ماذا تزن لبنان دون المقاومة، ومن الذي أنقذ لبنان من سطوة هذا الجار المفترس، أنسيتم أن شارون كان يحلو له أن يصيّف في بيروت فيجتاح لبنان سنة 1982 ويقيم هناك تحت دعاية أنها جزء من أرض إسرائيل، ثم من تحت الركام والدمار تنشأ مقاومة حزب الله وتبدأ مسيرة المقاومة من جديد، مسيرة طويلة من الجهاد والتضحية والبطولة وابداعات المقاومة بعد قرابة عشرين عاما أرغمت المحتل على الفرار من لبنان عام 2000 في عملية سمّاها الغسق، هرب في أشد ساعات الليل ظلمة، ثم عاد الكرّة عام 2006 ومني بهزيمة نكراء، ثم جاءت هذه الجولة التي لم يستطع المحتل أن يصل إلى أهدافه رغم ما أصيب به حزب الله من إصابات بالغة، وتبقى الحرب سجال يا أولي الالباب.
مثل هذا الحزب في أية دولة في العالم يوضع تاجا على الرؤوس، هذا الذي حرّر وحمى وشكّل توازن الردع لسنين طويلة، يأتي أناس ليطالبوا بدل ذلك بنزع سلاحه؟ وبالمناسبة كل هذا الجهد دون أن يكلّف هؤلاء المتشدقين ليرة لبنانية واحدة، الحالة هي بالتحديد جماعة لوط عليه السلام والتي جاءهم أصحاب الرذيلة ليخرجوهم من بلدتهم بتهمة أنهم أناس يتطهّرون، وهل يوجد هناك ما هو أطهر وأنبل وأشرف من المقاومة.
ويأتي من يقول أن قوّة لبنان في ضعفه، لا ادري من أية فلسفة فكرية او سياسية جاءت هذه المقولة إذ لو كان ذلك صحيحا لتسلّحت بها كلّ الدول ولوفّرت على حالها تكلفة ترساناتها وتجهيزاتها العسكريّة الباهظة، ثم تاريخ لبنان شاهد على هبل هذه القاعدة إذ متى كانت لبنان مهابة مرهوبة الجانب منذ نشأتها؟ وكيف تردّ دولنا الضعيفة التي تتباهى بقوّة ضعفها على الغطرسة الإسرائيلية وتصريحات هذا اليمين العنصري الصهيوني المتطرف الذي يحكم هذا الكيان ويعد بالتوسّع، أم كيف يردّون على سياسة نتنياهو المعلنة والتي يقول أن الحل في المنطقة بالقوة والمزيد من القوّة. ردّوها عليه أصحاب هذه النظريّة: قولوا له الحل في الضعف والمزيد من الضعف.
لو أرادوا أن يفكّروا بعقول مستقلة لا يستحوذ عليها العقل الأمريكي ولا الاسرائيلي، لديهم مصدر قوّة لا يكلف خزينة الدولة وعند رجاله درجة عالية للتضحية وبعقيدة قتالية عالية ولا يستهدف سوى عدوّ واحد محتل لأرضه ومصرّ على عدوانه، بينما ينظرون اليه في الضفة الغربيّة وهو يسلّح مستوطنيه وهم أصحاب العقيدة التوراتية العدوانية المتطرفة، هو يسلّح مجرميه ونحن نطالب بنزع سلاح أشرافنا والمجاهدين فينا؟
ثم إن لعدونا عدا عن جيشه النظامي جيش احتياطي يُستدعى عند الحاجة، فلم لا نعتبر المقاومة الجيش الاحتياطي لهذه الدولة، في ذلك إدارة ناجحة لمصدر قوة هام وداعم أساسي للجيش اللبناني، أيّ عودة للقاعدة الثلاثية الجيش والحكومة والمقاومة والتي حفظت للبنان هيبتها وحققت توزان الردع مع هذا العدو المتربّص بها قرابة ثلاثة عقود.
لقد كانت لبنان نموذجا رائعا لهذه المنعة والقوة في مواجهة عتوّ وغطرسة هذا المحتلّ، ولا يمكن أن يحقّق لبنان ذاته المستقلة ومنعته الا عبر هذه المعادلة، وقد جرّب لبنان الامرين جرب 'قوة لبنان في ضعفه' فانسحقت كرامته مرارا وتكرارا وجرّب قوّة لبنان في مقاومته وبذلك فقط تحقّقت كرامته.
وما ينطبق على لبنان ينطبق على فلسطين وكل مكان تتوجّه اليه مطامع الاحتلال.