اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
من أبرز القضايا التي ظل مسكوتاً عنها طوال حرب الإبادة على غزة، والتي ما تزال مستمرة بآثارها وتفاعلاتها، هو موقف حركة فتح بقيادتها الحالية وبمؤسسة السلطة ومختلف أذرعها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهو موقف كان متخماً بالتخاذل والقصور والجبن والانسحاب من جهة، وبالتواطؤ مع العدو في تضييقه على المقاومة ومحاصرتها سياسياً وميدانياً من جهة أخرى.
وحرفيا، لم تبق أي موبقة من موبقات الخذلان لم تقترفها قيادة فتح ومؤسساتها خلال هذه الحرب، فلا هي ارتقت إلى مسؤوليات اللحظة التي كانت تقتضي في حدها الأدنى تشكيل موقف مساند لغزة وأهلها ومقاومتها، ولو سياسياً وإعلاميا، ولا هي أتاحت المجال لحراك ميداني شعبي في الضفة الغربية، ولا غضت الطرف عن عمليات المقاومة العسكرية، ولا فعلت شيئاً يذكر في إطار جهود الإغاثة الإنسانية، ولا ساهمت في تفكيك السردية الصهيونية عبر إعلامها ودوائرها الدبلوماسية، بل فعلت عكس ذلك كله، إلى درجة أنها تغولت بشكل غير مسبوق على المعتقلين داخل سجونها ومارست عمليات تعذيب وحشية بحق المقاومين الذين اعتقلتهم واجهضت محاولاتهم الكثيرة لإسناد غزة عسكريا، بل بات الاعتقال يطال شرائح واسعة من جمهور المقاومة ومناصريها وخطباء المساجد والناشطين الميدانيين وطلاب الجامعات، في مشابهة واضحة لإجراءات الاحتلال الجديدة داخل سجونه بعد الحرب، وفي زيادته من شراسة ومدى الاعتقالات لتطال من يسميهم بالمحرضين، أي داعمي الموقف المقاوم إعلاميا.
وعملياً لم يكن ينفع تقييم واقع الضفة الغربية في آخر عامين، وتحليل أدائها وتفسير سلبيته بمعزل عن استحضار العامل الأهم في كل ذلك، وهو سطوة اليد الأمنية للسلطة، ونجاحها في تنفيذ جرائم بحق المقاومة وإجهاض روح المواجهة فيها، وهو الأمر الوحيد الذي نجحت في مهمتها فيه خلال الحرب، بينما تراجع أداؤها الإداري والمدني والاقتصادي بشكل كبير، وعجزت عن تأمين الرواتب للموظفين الذين وصل كثير منهم حافة الفقر، وخاصة في قطاعي التعليم والصحة، ثم أضافت لكل هذا جريمة وقف مخصصات الأسرى والشهداء والجرحى، وأعلنت عن ذلك دون خجل.
واليوم، وفي ظل الحاجة إلى موقف فلسطيني متماسك سياسيا، وإلى إطلاق موقف يعبر عن إجماع على الثوابت والحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ومواجهة مخططات التهجير والوصاية والإبادة، تستمر قيادة حركة فتح بمراهقتها السياسية، والتمحور حول أولويتها الوحيدة وهي إنهاء وتغييب حركة حماس، وتأكيد أحقية فتح وحدها في التفرد بالتمثيل الفلسطيني، رغم أنها لا تستند إلى شرعية مقاومة ولا إلى شرعية انتخابية، بل إن مواقفها وأفعالها كفيلة بإخراجها من المنظومة الفلسطينية السياسية، لو كان الحال غير هذا الحال، ولو كان هناك منطق فلسطيني قوي وسوي في المحاسبة والمراجعة، أو مرجعية سياسية عملية تمثل ضمير الفلسطينيين وتعبر عنهم، وتحاسب كل التيارات المفرطة والمتجرئة على انتهاك المحرمات.
الموقف الرسمي الأخير الذي صدر عن فتح تجاه اللجنة الإدارية لغزة والتي أقرتها الفصائل لا يبشر بخير، وهو منسجم مع عادتها في وضع العصي في دواليب التوافق والتقدم السوي فيه، ونزعة التفرد والإقصاء التي ما تزال تتحكم بالذهنية الفتحاوية تقول إن الحرب وأهوالها وتطوراتها لم تصنع أي تغير على صعيد الموقف الفتحاوي، بل زادته حدة تجاه خصومها السياسيين، وهم الذين يمثلون الموقف المقاوم وقدموا تحت رايته تضحيات أسطورية، لكن هذا كله لا يعني قيادة فتح بشيء وهي التي أخرجت المقاومة كلها من حساباتها منذ وقت طويل.
في المقابل، لا تنطلق هذه العنجهية والتعالي على الخصوم السياسيين من قوة في ساحة الحركة، أي الضفة الغربية حيث تمارس فتح الحكم، ولا من أي جانب من جوانب النجاح على أي مستوى، بل إن الانحدار في الضفة مستمر في مختلف جوانب السيطرة للسلطة أو لحركة فتح، باستثناء ما يتعلق بملاحقة المقاومة والتمكن من تغييبها، أما ما سوى ذلك فالفشل والانهيار سيد الموقف، داخلياً وعلى صعيد التعامل مع إجراءات الضم والهيمنة التي تمضي فيها الحكومة الصهيونية بجيشها ومستوطنيها دونما توقف، وتتصاعد مع الوقت إلى درجة بات فيها الفلسطيني غير قادر على جني محصول زيتونه، وغير آمن على نفسه في بيته أو عبر تنقلاته بين الحواجز وقرب البؤر الاستيطانية التي تتمدد بجنون وتستولي كل يوم على مزيد من الأرض، وكل هذا وأكثر منه أثمان تُدفع دون مقاومة ولا معركة عبور، أي دون (مبررات تستجلب العدوان) وفق الفقه الفتحاوي السياسي الجديد!
في ظل هذا كله، لا تقول لنا حركة فتح ماذا تريد، ولا ما هي سياساتها، ولا ما الذي تنتظره من كل هذه السلبية السياسية التي تجلل مواقفها وتحركاتها، ومن كل ذلك الإخلاص الذي ما تزال تظهره في مواجهة المقاومة، عملياً في ساحة الضفة، وكلامياً في تصريحاتها الرسمية المناهضة للمقاومة والمعادية لها، بل والمخالفة للرأي الجمعي الفلسطيني العام. إذ سيكون من الغباء وسوء التقدير، بل والمقامرة أن تراهن الحركة على إمكانية أن تحسن من وضع سلطتها ووجودها أو أن تحلم بالهيمنة والحكم، في ظل حالة المواجهة الجديدة مع كيان الإبادة، ومع هذا السفور في نواياه وحسمه وتوجهاته، بل وممارساته القائمة على النفي المطلق لكل فلسطيني، ولكل فلسطين، ولما يتجاوز خارطتها الانتدابية إلى كل مجال يطاله ذراع الإبادة والهيمنة.

























































