احتفالات الميلاد تغيب عن الناصرة بسبب الحرب على غزة

غابت مظاهر الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد عن مدينة الناصرة، في هذه الأيام، في أعقاب الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

تبنّت الكنائس المسيحية الشرقية والغربية في مدينة الناصرة، توصيات مجلس الكنائس الذي قرر اقتصار احتفالات الميلاد ورأس السنة على الصلوات والشعائر الدينية داخل أسوار الكنائس، بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وتحتفل الطوائف التي تسير بموجب التقويم الغربي بعيد الميلاد المجيد، حيث تم إلغاء المسيرة الاحتفالية التقليدية التي تنظم في مثل هذه الأيام من كل عام، من قبل 'جمعية الموكب'، كما ألغيت الاحتفالات بإضاءة شجرة الميلاد لدى جميع الطوائف في الناصرة، وألغيت أسواق الميلاد، بحيث تبدو ساحات الكنائس خالية تماما من المحتفلين خلافا لما كانت عليه في سنوات ماضية حيث كانت تعج بالمحتفلين من مختلف أنحاء البلاد والخارج.

من كان يصدق بأن هذه هي الناصرة في الأيام التي تسبق الأعياد الميلادية ورأس السنة الجديدة؟! بهذه الكلمات وبمشاعر تعكس حالة الحزن والبؤس التي تخيم على أجواء المدينة المقدسة، عبّر أصحاب المصالح التجارية عن ضياع الموسم الأقوى اقتصاديا الذي تنتعش فيه الناصرة، وتزدان وتتألق وترتدي حلة من البهجة والسرور.

'المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة' هذه الصلاة ردّدها زياد دانيال في حديثه لـ 'عرب 48' قائلا إن 'هذه هي صلاة العيد المجيد ورمزه، وعندما يغيب السلام وتحتجب المسرّة عن الناس فلا يعود هناك معنى للعيد، ونحن لا نشعر اليوم إلا بأجواء الحزن والرعب، ونسأل الله أن يعم السلام وتعود الأعياد والبهجة'.

وأضاف دانيال، وهو صاحب كشك للعصائر والمشروبات الخفيفة، في ساحة عين العذراء أن 'الأوضاع السائدة، اليوم، وحالة الحرب تؤثر بشكل كبير، لا بل إنها تعتبر ضربة قاضية لكل مصلحة سياحية في المدينة، وهذه المصالح تعتمد في معظمها على موسم الأعياد الذي يعطيها دفعة إلى الأمام من أجل الصمود والبقاء. ولا ننسى أن هذه الحرب تأتي بعد سنتين من جائحة 'كورونا' التي شلّت فيها الحركة التجارية والسياحية في البلاد والعالم بشكل كامل'.

وكان مجلس الكنائس المسيحية قد أصدر بيانا، في وقت سابق، أعلن فيه عن إلغاء كافة المظاهر الاحتفالية والمسيرات وإضاءة شجرة الميلاد، واقتصار مناسبة الأعياد على الصلوات والطقوس الدينية داخل جدران الكنائس والمؤسسات المسيحية. والتزمت غالبية المؤسسات المسيحية بهذا القرار، ففي الناصرة بقيت شجرة الميلاد العملاقة داخل كسائها، ولم يتم نصبها أو تزيينها ولم توضع في ساحة الكنيسة، وهي الرمز الحقيقي والأبرز للعيد، والتي تجتذب السياحة الداخلية والخارجية الوافدة إلى المدينة المقدسة بالآلاف، سنويا.

وفي حديث مع رئيس مجلس الطائفة الأرثوذكسية في الناصرة، المحامي بسيم عصفور، قال لـ'عرب 48' إنه 'لم نقم بتزيين شجرة الميلاد، ولن تضاء المدينة بالزينة، ولن تكون هنالك احتفالات باستثناء الطقوس الكنسية، بالإضافة إلى يوم من الفعاليات الميلادية المخصص للأطفال فقط تحت شعار (أمنيات)، وذلك يوم 2023.12.30 سيتبادل فيها الأطفال رسائل الميلاد، وستقام الفعالية في قاعة البشارة وساحة الكنيسة ومركز الأحداث الأرثوذكسي، كما سيقام كونسيرت صلوات في قاعة البشارة للروم الأرثوذكس، ويوم 2024.1.6 مسيرة شموع تنطلق من ساحة المطرانية إلى كنيسة البشارة بدلا من المسيرة الكشفية التقليدية التي تقام سنويا في هذا التاريخ'.

وردا على سؤال حول ما إذا كان إلغاء الاحتفالات بقرار من المؤسسة الأمنية، كما يدعي البعض ولأن الشرطة لا تملك من القوى البشرية من يستطيع تأمين المسيرات الاحتفالية، قال عصفور إنه 'ألغينا الاحتفالات عملا بتوصيات مجلس الكنائس، وأيضا التزامنا بأخلاقنا ومشاعرنا تجاه ضحايا الحرب، فرسالة الميلاد هي المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة، واليوم لا يوجد على الأرض سلام ولا مسرّة! ونأمل من الله أن تدخل هذه الصلاة إلى قلوب وعقول الناس'.

وفي حديث مع رئيس 'جمعية الموكب' لمسيرة الميلاد الاحتفالية التقليدية، نبيل توتري، قال لـ'عرب 48' إنه 'في جمعية الموكب يصعب علينا في الظروف الراهنة أن ننظم احتفالات فرح ومسارح وزينة، أضف إلى ذلك توصيات رؤساء الكنائس الداعية لاقتصار الاحتفالات على الصلوات والطقوس الكنسية، نحترم هذه التوجيهات، ولذلك جعلنا الاحتفالات المتواضعة داخل أسوار الكنائس، وهي عبارة عن أمسيات تراتيل ميلادية في كنائس السالزيان والإكليريكية وفي كنيسة اللاتين الكبيرة، في حين لن تنظم المسيرة الميلادية الاحتفالية التقليدية، ولن نحتفل بإضاءة شجرة الميلاد في مقر كشافة اللاتين، ولن يكون حفل استقبال في قاعة القديس أنطون'.

وخلال جولة قام بها 'عرب 48' إلى منطقة عين العذراء بالناصرة، كان هناك من يعتقد بأن قرار إلغاء الاحتفالات هو خاطئ، وأنه كان ينبغي اختصار الاحتفالات لتبقى رموز ومعاني العيد في ذاكرة الأطفال، وهم ينتظرون الفرح وبابا نويل وهدايا العيد، فضلا عن أنه ينعش المدينة تجاريا بدلا من أن يعمق حالة الركود الاقتصادي فيها.

وقال بديع بيطار، وهو صاحب محل لبيع زينة الميلاد، لـ'عرب 48' إنه 'كان يتوجب على بلدية الناصرة ومجلس الطائفة الإعلان عن احتفالات رمزية وأن تضاء شجرة أقل حجما من شجرة الميلاد، وأن تضاء المدينة بالزينة، وذلك من أجل إنعاش الحركة التجارية والسياحة الداخلية التي تعود بالفائدة على كل مصالح المدينة، كما أن للأطفال حق بالفرح على الرغم من كل الآلام، ولا أحد يقلل من حجم المآسي التي تخلفها الحرب، لكن العيد يحمل معنى خاصا في نفوس الأطفال ولكي لا تغيب هذه الذكرى عن قلوبهم، فالعيد يحمل معان ورموزا إنسانية وفيه من الخير والمحبة ما قد يُنسى ويزول فيما لو غابت هذه الذكرى'.

وأضاف بيطار أنه مضطر للإعلان عن حملات كبيرة أسوة بجميع تجار الناصرة فقط من أجل صراع البقاء في ظل الأوضاع الاقتصادية التي وصفها بأنها غاية في الصعوبة وقد بات خطر الإغلاق يتهدد العديد من المحلات التجارية خاصة تلك التي تعتمد على مواسم السياحة والأعياد. لذلك كان من الضروري العمل على إنقاذ المدينة من حالة الركود بدلا من تعميق هذه الحالة، على حد قوله.

أما بلال زعبي، صاحب 'مقهى بساطة' في منطقة عين العذراء، فقال لـ 'عرب 48' إنه في مثل هذه الفترة من السنة، أي فترة الأعياد الميلادية، كان يستدعي طاقما معززا بأربعة عاملين في المقهى من شدة الإقبال على زيارة المدينة، لكنه في هذا الموسم يعمل لوحده في المقهى ويكاد يكون المقهى خاليا من روّاده معظم ساعات النهار، ويضطر للإغلاق في ساعة مبكرة.

وختم زعبي بالقول إنه 'لو أجرينا مقارنة مع العام الماضي ففي منتصف شهر تموز/ يوليو الماضي كانت غرف الفنادق وبيوت الضيافة في الناصرة محجوزة حتى آخرها قبل شهور من حلول عيد الميلاد، أما هذا العام فلا حجوزات ولا زيارات ولا احتفالات، وموسم العيد يشبه أي يوم عادي أو حتى أنه يوم ضعيف للحركة التجارية'.